منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - " مُهم ـل "
الموضوع: " مُهم ـل "
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-15-2020, 03:56 PM   #81
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي







نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



" رسالة.."





8/12/1991
أخي العزيز: شاكر
تحيات كثيرة وأشواق أكثر



لم تبق إلا أسابيع قليلة وتنقضي هذه السنة الكشرة، والتي ستترك في أرواحنا ندوباً لا تمحى ولا تنتهي، وإذا كان الصينيون يتفاءلون ويتشاءمون بالسنين، ويعطونها أسماء وأوصافاً، ويرتبون مواليدهم على أساس هذه السنين، لكي يوفروا لهم أقصى سعادة ممكنة على هذه الأرض، فإن السنة التي توشك أن تغادرنا الآن لابد أن تظل معنا تقوم وتنام لعدة أجيال لاحقة، كما هو حال 67، مع فارق أساسي: كنا أكثر غباءً في السنة الأخيرة مما كنا في 67، لأن الفخ الذي نُصب لنا لم يكن مموهاً ولم يكن مفاجئاً، وهكذا اندفعنا مثل الثيران لكي ندخل في تلك الحلقة الجهنمية، والتي حوّلت المنطقة بأسرها إلى بيوت من الشمع تذوب وتتساقط شهراً بعد شهر، سنة وراء سنة، خاصة وأن الشهية الأميركية مفتوحة ولا تعرف التوقف أو الشبع، وهكذا فإن الويلات التي ستأتي ستكون أكبر مما مضى، وسوف تترافق فيها الضربة مع المذلة، والعجز مع الحسرة، أو كما قال الرسول: حشف وسوء كيل!

رسالتك حول معاناة الناس هناك تثير الأسئلة والشجون والمرارة. هل يعقل أن يضطر الجميع لاحتمال خطأ إنسان فرد، وهل يبلغ الجنون بواحد أن يورط الجميع؟( ) وهل أن الآخر، الأميركان، كانوا بحاجة إلى ذريعة لكي يجربوا كل قوتهم وكل أسلحتهم الحديثة؟ إن في الأمر ما يستعصي على الفهم والإدراك، خاصة بعد الذي حدث في الاتحاد السوفياتي، وكيف يمكن لفأر أن يهدم السد العظيم. إن المنطق الذي خضعنا له طوال العقود الماضية ملئ بالثغرات والعيوب، وكنا أشبه بالذين لم يروا عري الملك إلى أن جاء الطفل واكتشف كل شيء. لقد كان البناء يبدو لنا ، للجميع، وحتى للأعداء، أكبر من أن يطاله البصر، وأرسخ من الجبال، وأقوى الأشياء كلها، ثم فجأة، ودون مقدمات من أي نوع، لا يبقى حجر فوق حجر، وينهار المعبد فوق رؤوس المصلين. إن في الأمر ما يستعصي على التفسير، وذلك الصديق الذي كان يرد على الكثيرين، ويقول: لا يمكن تفسير التاريخ بطريقة بوليسية، أو نتيجة المؤامرات، لا أعرف ماذا يمكن أن يقول الآن وقد تكشف هذا التاريخ عن قصة بوليسية من نوع التريسو. نعم هذا ما أحسه في أمور عديدة، وكأن يداً خفية تلبد في مكان معتم تحرك كل شيء!

قد تكون مثل هذه الأحاسيس نتيجة قوة الضربة أو شدة الصدمة، وبالتالي عجز الإنسان عن تفسير ما حصل، وإلى أن يعود الإنسان إلى شيء من التوازن، وبعد أن تبتعد الأحداث إلى مسافة تمكّن من الرؤية، وبعد أن تنكشف أمور كانت أسراراً، ربما نستطيع عندئذ أن نعيد ترتيب الأمور ووضعها في خانات محددة ثم إلى (أن) نعطيها أوصافها الحقيقية، وحتى ذلك التاريخ سيبقى الأسى ناشراً أعلامه فوق رؤوسنا، وستبقى الرؤية غائمة أو مموهة، وسنبقى ضائعين ندور بحيرة في نفس الدائرة.

أخي الكريم
لا أعرف ماذا أردت أن أقول، خاصة وأن القضايا والهموم تزدحم في العقل والقلب وتتشابك إلى درجة يحار معها الإنسان كيف يتكلم أو ماذا يجب أن يقول، خاصة في ظل الرقابة والقمع وكم الأفواه، أكثر من ذلك: كثيراً ما فكرت بضرورة اختراع لغة جديدة، لغة ليس من السهر حل رموزها، وتبقى مستعصية على الذين لا تحبهم أو لا تثق بهم، لأن اللغة المتداولة، السائدة، فسدت وفقدت الكلمات معانيها، وتتجول في الأسواق بملابس رثة وبطريقة بائسة، لكن لغة مثل التي يتمناها الإنسان متعذرة، على الأقل الآن، وهذا ما يجعلني أندفع، وبقوة، إلى الرواية، لعلّي أستطيع أن أخلق من خلالها عالماً موازياً لهذا الواقع السوريالي الذي لا يمكن أن يفهمه أو يتعاطف معه حتى برتون أو دالي . أعرف أن الكثير مما أكتبه مشوش ولا يشي بما أريد، لكن باعتباره خيالي، ويمكن أن يقرأ بأشكال متعددة ، فإنه يحمل معه تبريره، وبالتالي يعوض، ولو جزئياً، عن اللغة التي أحلم بها.

سوف أهيئ نفسي ، بدءاً من مطلع العام، إلى رواية جديدة ، لا أعرف، حتى الآن، ماهي أو كيف ستكون، ولكن يجب أن أفعل قبل أن تنفجر مرارتي وأقع نتيجة كل ما يجري.
يقول صديق يعيش حالياً في كندا، وبعد أن تابع الفيلم الأميركي الطويل: "لا يمكن مواجهة لمرحلة الحالية إلا بالهذيان"، وهذا ما أمارسه الآن، لأن المنطق لم يعد مجدياً أو كافياً لتفسير ما يجري الآن" وإذا كانت لكل إنسان وسيلته في المواجهة ، على الأقل في محاولة تجنب الموت
أو الجنون، فأعتقد أن الهذيان أو ما يشبهه من الأدوية المسكنة،
وربما النافعة، على الأقل في المرحلة الأولى، حتى إذا استعاد الإنسان قدرته على النظر بهدوء إلى الأشياء، واسترد بعضاً من قوته،
عندئذ يمكن أن يتعامل مع ما يجري بقابلية أكبر على التفسير أو التبرير، تمهيداً لاتخاذ اتجاه، أو وجهة، وقد تساعده الشمس أو النجوم على اختيارها!

كان يفترض أن أكتب لكي أخفف عنك بعضاً من الهموم التي تلقى، خاصة وأن يديك في النار، كما يقولون، أكثر مني، لكن، ودون قصد وجدت نفسي أهذي، ربما استعداداً لرواية جديدة، تكون صورة من صور الهذيان الجماعي، أو مثلما يفعل لاعبو كرة القدم الاحتياط حين يسخنون أنفسهم إذا هيأوا أنفسهم أو هيأهم المدرب للحلول محل المتعبين أو المصابين.
أخي الكريم
كتبت كثيراً، ولم أكتب شيئاً، وربما كنت بحاجة إلى هذه الكتابة لعلي أريح نفسي، وهذا ما فعلته، وإلى أن أسمع منك تقبل تحياتي الحارة، ولا تنس تحية الأصدقاء.



عبدالرحمن منيف


 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس