منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بُرونْز
الموضوع: بُرونْز
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-2020, 09:00 AM   #21
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


*

في غرناطة / أيلول _ 1996م.
يكتُب عاصم الباشا إلى سعدالله ونوس



.. عندما غادرتكم كنت أهرب ممّا سمَّيتَه خواء، ذلك الذي عانيناه معا وغيّب أحبّتنا باكرا باكرا. التجأت إلى منفاي الاختياري هذا، جبانا، في منأى عن المهانة (أقصد تلك الفجّة المباشرة التي تلقاها في الأرصفة)، لكن القهر والعجز والخواء الذي حملته تلك الصور باتت جميعا في نسيج كياني. واليوم، بعد تسع سنوات، أعاني من القهر ذاته، بالقدر إياه.
كثيرا ما أقضي في مشغلي ساعات مديدة وأياما لا تنتهي عاجزا عن الإتيان بحركة، تتقاذفني التساؤلات وتطيح بي الحيرة.
بعدي عن تيار السوق – كما أشرتَ – والغربة التي تواجهها رؤيتي للأمور وغلاء الإيجار وغياب الدخل الثابت وانزوائي ونباح كلب الجيران.. كلها شروط تكبّلني. لذلك، وتخفيفا للكدر الذي أعود به إلى البيت (اقرأ: خواء الصدر واليد) عمدت في أفريل الماضي إلى شراء دجاجات خمس، كأنما البيضات الثلاث أو الخمس التي أعود بها تبرّر انقضاء يوم آخر من العمر بلا طائل.
البيضة – بالمناسبة – في عرف النحت، أكثر الكتل انسجاما في الكون. تأمّلها مازال يغريني.

ليس من حقّنا التذمّر مما نجنيه بعد أن اخترنا بمطلق الحرية. أذكر طرفة بهذا الصدد: بعد أن ساءت أحوال أبي الاقتصادية عمد إلى ممارسة مهنة تعلّمها في طفولته وهي حياكة الشقق التي تتألف منها بيوت الشعر. زارني بهيج أيّوب، زميلي في كلية الفنون، المعيد في ما بعد والمهاجر إلى كندا في نهاية المطاف. عرجنا على " دكّان الحياكة " وكانت دردشة (والدي كان يريدني طبيبا، مهندسا، أي ذا نفع)، وبما أن يبرود تكاد تكون مرادفا للهجرة عبّر والدي عن دهشته " للثروات " التي يجنيها عمال البناء في السعودية والخليج في سنوات معدودة، وكان يقارن النتيجة بثمان وعشرين سنة متواصلة في نهاية العالم. كان يومئ بالطبع إلى خيارنا، وبما أنني كنت سئمت مناقشة الموضوع، بادره بهيج بالإمالة اليبرودية: هلّق يا بوعمر، أنا ولاّ عاصم، ما فينا نحطّ بلاطة جنب بلاطة جنب بلاطة تا تقوم الناقة؟ فينا! بس ما بدنا!
مازالت قهقهة الوالد ترنّ في الذاكرة.

لا تقرصني المعدة عندما أغلق باب المشغل، بل يعضّني الإحساس بأنه ما من جدوى.
لكنني مازلت أعبّ بعض الهواء، وفي الغد سأجرع قهوتي وسأمجّ دخان سيجاراتي هارعا إلى المشغل، وستكونون معي، كالعادة.
رسالتك أبكتني فرحا وتبكيني.


إلى لقاء قريب.

 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس