منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - أيّـام عـصـيـبـة
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2011, 10:19 PM   #1
رُوح
( كاتبة )

الصورة الرمزية رُوح

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 37268

رُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعةرُوح لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي أيّـام عـصـيـبـة


كعادته اليومية ، ضبط مؤقته تمام الساعة الخامسة صباحا ، رتّب أوراقه ، جمع شتات نفسه و تكوّر تحت غطائه ، توسّد يدهُ ، و أسلم نفسه للنّوم ..
إلا أنّ النوم بخيل عليه هذه الأيام ، طاردته الكثير من أفكاره ، و قد اغتمّ و انطبق صدره عندما تذكّر ذلك البغيض الذي يؤرق مضجعه ، لقد دخل إلى حياته من حيث لا يعلم ، إنّه يعرف كلّ شيء ، و يدّعي أنّ " العزيز بليشة " قد ارتكب جريمة مروّعة .
إنّه يروي تفاصيل دقيقة جدا ، يكاد العزيز نفسه يصدّقها ،و قصّته تبدو محبوكة جيدا ،
و إنّ ذلك اللعين " سيدي بلقاسم " لا يظهر إلا في الخفاء ، لم يسبق لأحد أن رآه سوى العزيز بليشة نفسه ، أراد أن يحدّث والدته بشأنه ، إلا أنّه خشيَ تكذيبها و هي التي عُرفت بصرامتها و سرعة غضبها ! رغم أنّه لا ينكر ليونتها في التعامل معه هذه الأيام ، و كأنّها تحس بأنّ شيئا ما يحدث لربيبها !

إنها تشعر به ، هو لا يعلم أنّه ليس ابنها ، أراد والده أن يظنّ أنّ " فطمة مرساوي " هي والدته ، كي ينمو بأمان ، و هي لم تشأ أن تبعثر أمان الشاب بشأن هوية والدته الراقصة ، فحفظت السّرّ ، هي و القابلة " الستّ زهرانة " ، و بعد وفاة زهرانة ، بدأ الحِمل يرمي بثقله على العجوز فطمة ، لا سيّما و أنّ صحّتها تتدهور يوما تلو آخر . فباحت به لخطيبة العزيز بليشة ، و قد ألزمتها بالأيْمان المغلّظة و بعزّة " سيدي عماري " ـ والدها ـ أن تُبقي شفتيها مطبقةً بشأنه .

مسح العزيز بليشة حبات العرق عن جبينه ، و ظلّ يحاول التقاط أنفاسه التائهة حتى غلبه الإرهاق ، و مات قليلا حتى الصباح .

استيقظ العزيز على همسات عميقة و هادئة ، ذات رتم منخفض ، بالتأكيد لم يكن ذلك صوت ساعته المهترئة ، فتح عينيه ليجد سيدي بلقاسم يبتسم بخبث أمامه .
قفز من فراشه فزعا ، و أحسّ بأنّ قلبه قد توقّف حقا ، أو ربما قد تمنى ذلك .
قال له سيدي بلقاسم : أيها القاتل اللعين ، كيف تستطيع إرخاء جفنيك بهذه البساطة ! ألا تسمع صوتها المتوسّل ؟ ألا ترى وجهها المزرق ؟ ألا تطاردك نظراتها الفارغة ؟ ألا تتردّد بحّاتها في أرجاء غرفتك مدوّية فيها ؟

يصرخ العزيز بليشة : كفى ، كفى ، أنا لا أعرف أساسا من هي " للا صفية "
أنا لا أعرفها ! اتركني و شأني أرجوك ، أتوسّل إليك ! الشيء الوحيد الذي يتردد في رأسي هو أنت ، اتركني و شأني أيها الملعون !
سيدي بلقاسم : توسّل مزيدا يا ابن الآثمة ، لم ترَ شيئا بعد ! سأقتصّ لها منك ! و سأحيل حياتك جحيما ، انتظر فقط !
يختفي بقهقهات متقطعة .
ويبكي العزيز بليشة و يسقط أرضا ، يشهق ببكائه ، و يغرق في صمت طويل ، تقطعه رنّات المنبه .
لقد بدت حالته واضحة للعيان ، الجميع قد لاحظ قلة طعامه ، حتى " طيّوف " الطباخ أبدا ملاحظاته حول ظهور عيون الباندا في وجهه المشرق للمدبّرة " نعمات قلّي " !
لكنّ الأحاديث كانت محرّمة تلك الأيام في منزل " آل بصّاري " ، فقط ترى شفاه الخدم تتحرّك ، و عيونهم تدور ، و أيديهم تعبّر عن هول ما يتخاطبون حوله !

خرج العزيز بليشة لعمله كالرّجل الآلي ، و السّت فطمة مرساوي تنظر إليه بأسىً بالغ ، إنه لم يشفَ بعد ، ذلك الشاب ذبل و سقط كزهر اللوز ، كيف حصل له ذلك ؟ لم يكن يستحق ! كيف خُطفت من بين يديه بهذه السهولة ؟
لكنّ كل ما كان يجول بخاطر و ذهن العزيز بليشة هو سيدي بلقاسم و أسباب اتهامه !

هو لا يعرف للا صفية ، لم يسمع بها من قبل ، كيف يكون قد قتلها ؟ و أيضا خنقاً ؟! إنّه أضعف من أن يدوس نملة !! و هذا " السيدي بلقاسم " كيف وجد طريقا إليه ؟ مَن دفعه لأن يجعل هذه الحيرة تعيثُ قلقا في حياته الآمنة !
تمضي أيام العزيز بليشة على قلق و خوف ، تحوّل إلى الاعتكاف في ركنِ غرفته البعيد ، قلّ نومه و ازداد بؤسه ، و بات سيدي بلقاسم سميرهُ الوحيد بقهقهاته و لعناته و توعّداته ، بدا عقله و كأنّه مملوء بأشياء غير مفهومة ، قطع من الذكريات تظهر و تومض فجأة ثمّ تختفي ، لا هو يفهمها ، و لا يستطيع أن يتخلّص منها ، نوبات من الغضب تعصف به ، ثمّ تتركه متهالكا كطفل صغير أضاع رائحة أمّه وسط وجوه كثيرة !

و بلغ اليأس حدّه ، و الخوفُ ذروته !
تحامل العزيز بليشة على نفسه و جرّ جسده المتهالك إلى غرفة فطمة مرساوي ، التي أوجست منه شكله و هيئته الرّثة ، لكنها ابتسمت لطمأنته .
قال لها و الدموع تتساقط من عينيه العسليّتين الذابلتين : أماه ، إنّ هنالك ما يأكلني حيرة ، هناك من اسمه سيدي بلقاسم ، يقول أنّني قتلت أحدهم ! يلازمني كظلّي ولا أعلم كيف لا تسمعون صوته !
و للا صفية ! من للا صفية يا أماه ؟!
يريد أن يلتقط أنفاسه ليتابع ، لكنّ فطمة مرساوي تجري إليه باكية ، تحتضنه و تقول : آه يا ولدي ، للا صفية الحبيبة ، لم يكن موتها سهلا عليك ، لا بأس يا ولدي ، لا بأس ، سنعرف من الذي قتلها ، إنما تمالك نفسك ، أنا هنا ، أنا هنا قربك .

إلا أنّ العزيز بليشة ينتصب مشدوها ، و يعود إلى غرفته بصمت مخيف ، ينظر لمرآته ، و تبدأ المشاهد الوامضة بالتآلف و التراكب معا لتتضح الصورة ، لقد فعلها !! أجل ، كان هو من فعلها ! أرادت للا صفية أن تلغي خطوبتهما ، و لما ألحّ عليها بالسبب ، أخبرته أنّ سيدي عماري لن يرضى بأن تتزوج ابنته بابن خطيئة ! لم تستطع البائسة أن تبقي فمها مغلقا أكثر !
في الحقيقة ، كان سيدي بلقاسم انعكاسا للعزيز بليشة في المرآة ، لكنّ العزيز بليشة هذه المرّة يعي تماما ما سيفعله ، و لن يستطيع سيدي بلقاسم أن يمنعه ، أو حتى يهدّده !

في صباح اليوم التالي ، تمّ توثيق محضر أمني حاسم :
توفيّت المدعوة فطمة مرساوي إثر نوبة قلبية حادة و خاطفة ، لم تستطع النجاة منها ، في وقت متزامن مع موت المدعو العزيز بليشة وقد قتل نفسه بأن جرح شريانه بقطعة من مرآة مكسورة ، و تجدر الإشارة إلى أنّ الأسرة عاشت أياما عصيبة بعد وفاة خطيبة المدعو العزيز بليشة و قتلها على يد مجهول !



* لم يعرف أحد إن كان موت العزيز بليشة سببا أو نتيجة لموت فطمة مرساوي ، إلا أنّ الخدم تهامسوا فيما بينهم أنّه دخل غرفتها و سمعوا همهمات كثيرة ، ثم خرج كالشبح ، و مضى إلى غرفته ، ثمّ سُمع صوت تكسّر الزجاج .

 

التوقيع

لأنني أنا ..
أرفض تماما أن أتلاشى في ظِلّ غيري ..

رُوح غير متصل   رد مع اقتباس