الغربان تنعق، والحمائم تصدح هديلاً.. ما زلت أفكر في العلاقة الجامعة بين السَّواد، والنعيق، وبين البياض، والهديل، أو ماهية العلاقة بين القبح، والسَّواد، وماهية العلاقة بين البياض، والجمال.. حتماً هنالك قاعدة بين الأشكال، وما يصدر عنها، بل هنالك شبه تكتل في الجمال، وفي القبح على حد سواء، فلو تأملنا - مثلا - سنجد الغربان لا تعيش إلا في الخرابات، والأطلال، ولا تقتات إلا على الجرذان، وهي في كل الأحوال طيور شؤم، ولذلك قال أحمد شوقي /
مَرَّ الغُرابُ بِشاةٍ قَد غابَ عَنها الفَطيمُ
تَقولُ وَالدَمعُ جار وَالقَلبُ مِنها كَليمُ
يا لَيتَ شِعرِيَ يا اِبني وَواحِدي هَل تَدومُ
وَهَل تَكونُ بِجَنبي غَداً عَلى ما أَرومُ
فَقالَ يا أُمَّ سَعدٍ هَذا عَذابٌ أَليمُ
فَكَّرتِ في الغَدِ وَالفِكــرُ مُقعِدٌ وَمُقيمُ
لِكُلِّ يَومٍ خُطوبٌ تَكفي وَشُغلٌ عَظيمُ
وَبَينَما هُوَ يَهذي أَتى النَعِيُّ الذَميمُ
يَقولُ خَلَّفتُ سَعداً وَالعَظمُ مِنهُ هَشيمُ
رَأى مِنَ الذِئبِ ما قَد رَأى أَبوهُ الكَريمُ
فَقالَ ذو البَينِ لِلأُمــمِ حينَ وَلَّت تَهيمُ
إِنَّ الحَكيمَ نَبِيٌّ لِسانُهُ مَعصومُ
أَلَم أَقُل لَكِ توا لِكُلِّ يَومٍ هُمومُ
قالَت صَدَقتَ وَلَكِن هَذا الكَلامُ قَديمُ
فَإِنَّ قَومِيَ قالوا وَجهُ الغُرابِ مَشومُ.
طيب الله ثراك يا أحمد شوقي.