منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - حديث الغمام
الموضوع: حديث الغمام
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2007, 04:46 AM   #15
عبدالله الدوسري
( كاتب )

الصورة الرمزية عبدالله الدوسري

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 51

عبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


( 8 )



* المقهى *


كل شئ باق كما عهده ،، فتكاد ترف على شفتيه ابتسامة حنان يريد ثغر المراهقة أن يفتر عنها لولا مرارة الماضي وسقم الحاضر ،،


وتراءى لعينيه المكان من بعيد فخفق قلبه بقوة حتى كاد يصم أذنيه ،،


الماضي ملطخ بالعار ،،


مدفون الرأس في الطين من الخجل ،،


دائم الجأر بالشكوى من الخزي والألم ،،


ولكنه كله في كفه وهذا المكان في كفة وحده ،، بل إنه يرجح به ،،


إذ أنه رمزه الحي الباقي على الزمن ،، جمع في تفاصيله وموقعه وذكرياته الخزي متبجحا ً والألم ناطقا ً بالهزيمة مولولة ،،


وإذا كان الماضي أحداثا ً وذكريات هي بطبعها عرضة للتخلخل أو النسيان ،، فهذا المكان يقوم شاهدا ً مجسما ً يكشف مخلخله ويفضح منسيه ،،



وكان كلما تقدم منه خطوة تقهقر عن الحاضر خطوات ،، طاويا ً الزمن على رغم إرادته ،، فطفقت الصور الملتهبة تطارده وهو يجدّ في الفرار منها ،، ولكنه ما إن يتملص من قبضة إحداها حتى يقع في قبضة أخرى ،، مطاردة عنيفة وحشية أثارت في أعماقه بركان الحنق والحقد فواصل السير إلى غايته وهو على أسوأ حال ،،



أخذ يتبع صديقه ويفكر ،، أترى كل شئ كما كان ؟! ،،


لن ألتفت ،،


أي قوة ماكرة تغريني بالنظر ،،


أتعرفني المقاعد إذا التقت عينانا ؟! ،،


إذا بدا منها أنها عرفتني حطمتها ،،


ولكن كيف لها أن تعرفني ؟! ،،


لا المقاعد ولا الطاولات ولا أحد من الجالسين سيعرفني ،،


تركتهم يافعا ً وأعود إليهم جملا ً ذا قرنين ،،


قد نشقى أبد الدهر ثم لا تواتينا القوة على إبادة الحشرات السامة التي لا تنفك تلدغنا !! ،،



دخل مسرعا ً بعض الشئ ،،


متخيلا ً الأشياء وهي تطالعه متسائلة " أين ومتى رأينا هذا الوجه ؟! " ،،


نظر أمامه ،، جامعا ً عزمه على نفض الغبار الخانق عن وجهه ورأسه ولو إلى حين ،، وتشجيعا ً لعزمه فرّ بنفسه بعيدا ً وراح يتأمل ما حوله باستهانة ،، وحدث نفسه قائلا ً " لا تضق بالمكان ،، فلا تزال تعشق نكهته " ،،



نظر إلى الابتسامة الملتصقة بوجه الموظف التي يستقبل بها الزبائن ،، ولكنه مشى إليه في خطوات ثقيلة بطيئة يحاول بها التناغم مع خطوات صديقه ،،


وبالرغم من قلقه وجد أنه يتفحص ذاك الركن باهتمام مطابقا ً بينه وبين صورته المحفوظة في خياله ،،


فألفاه أضيق قليلا ً مما في ذاكرته وقد تغيرت الرسومات على جوانبه ،،


وسرعان ما حجبت الذكريات الحاضر كله ،،



تابع السير حتى وقف لحظات ينصت للصمت وصدره يعلو وينخفض ،،


قال صديقه : ألم أقل لك بأن المقهى سيعجبك ،،



وركبه توتر وضيق ،، فأدرك أنه لم يدخل المكان القديم فحسب ،، ولكنه نكأ جرحا ً متورما ً وغص في قيحه ،،


لم يكن في تلك اللحظة قد أتى حركة أو نطق بكلمة ،،


ومع أنه شعر شعورا ً عميقا ً أليما ً بأن الموقف أشد من أن يحتمل ،، إلا أنه لم يبدر منه ما ينم عن حياة ،،


أي حياة يا مراهق !! ،،


توقف صديقه ليتحدث بهاتفه ،،



أما هو فقد لازم جموده وخرسه ،،


بيد أنه كان متأثرا ً غاية التأثر ،،


وإن لم يتضح نوع التأثر بادئ الأمر بحال يطمئن إليها ،،


ولكنه ،، على دعوة صديقه الطيبة ،، لم يجد رغبة في الحديث معه ،،



أجل ،، أقبل دعوتك شاكرا وأقبّل يداك رحمة وأعدك بأن أستمع لحديثك ،،


فلا تسلني عن الأحزان ،،


يا عزيزي ،، اعتصرني ،، حللني ،،


اشفق ،، اسخر ،،


ولكن دع أسرار القلب ،،


فالأسرار ستظل أسرار ،،



لعله لم يستطع أن ينزع الذكريات المحزنة الناشبة في نفسه كمرض مزمن ،،


ومع أنه وجه إرادته بعزم وتصميم إلى إخلاء المسرح من الماضي في اللحظة الراهنة ليملك فكرة وحكمة القدر ،، إلا أن الماضي المطرود انعكس على صفحة قلبه ظلالا ً قاتمة كثعبان ترك جسد ما بعد أن خلّف وراءه سم يسري ،،


فأدرك لتوه أن في عبارة صديقه البريئة عند دخولهما المقهى أكثر مما أدرك في ماضيه كله !! ،،


الحقيقة المحزنة التي طالما أدمت فؤاده ،،


وهي أن ذلك الحب قد اقتلع من صدره !! ،، وطنت برأسه أنغام أغنية لا يعرف مصدرها " إني رأيتكما معا " ،،



أجل هو لا يتحسر على الحب بقدر ما يتحسر على تلاشيه ،،


ومضى يسائل نفسه ،، متى تنحسر هذه الموجة الطاغية حتى أتبين الطريق إلى هدفي ؟! ،،



قال صديقه : في صباح اليوم عملت بنصيحتك بشأن الأسهم فربحت مبلغا لا بأس به ،،


سكت قليلا ثم أردف : ألا تذكر بأنك قد أخبرتني عن تلك الشركة ؟! ،، المقهى خالي على غير عادته ،،



وقف انتباهه عند الجملة الأخيرة فوجدها غريبة تدعو إلى السخرية والرثاء معا ً ،،


يوجد شئ ،،


وأشياء تذكره صباح مساء بالنظرة المتسلطة والبسمة الساخرة وأحبك يا حياتي ،،


ولكن أي شئ وأي أشياء ؟! ،،



هز كتفيه باستهانة وأمسك بيد صديقه وقال : اللعنة على كل شئ ،،


ثم بصوت مجلجل قال للموظف : أريد كوبا من الموكا البيضاء


* * *

 

التوقيع

المتشرد

عبدالله الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس