منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-29-2019, 06:29 PM   #2
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


الشرطي


(1)

أول ما يفتح عينيه.. يطالعه شعار النظام العالمي الجديد..
صورة رمزية لقرد وخنزير كتب تحتهما :
" أنت تحيا في ذروة المجد البشري!.."
إنه يدعوك للفخر والانتشاء.. يدعوك لاحتقار الأجيال السابقة التي لم تعش تلك اللحظة ولم تملأ عينيها كل صباح من ذلك الشعار..
ثم يظهر ذلك الممر المعدني البارد، ومعه عبارة :
" شرطي مكافحة التمرد.. هل أنت جاهز؟.."
قال بلا تردد أنه جاهز.. جاهز جداً.. ترسانة الأسلحة التي معه تقول هذا.. أعصابه المشدودة تقول له هذا..
ظهرت له عبارة تقول :
" في نهاية الممر ستجد غرفة على اليسار.. هناك خمسة يجتمعون للكيد لنا.. أقتل هؤلاء الحثالة البشرية. "
هتف :
ـ المجد للنخبة في الأعالي.
ظهرت له عبارة " انطلق " لكنه لم يكد يتحرك خطوتين حتى ساد الظلام ..
***
" أنت تحيا في ذروة المجد البشري "
حينما قام من الفراش تعثرت قدمه في بقايا طعام الأمس.. الأمس كان حافلاً وعليه أن ينتظر فرق التطهير الألية حتى يعاوده الإحساس بأنه في وحدة آدمية وليس في حظيرة خنازير..
غسل وجهه في كابينة التطهير العضوي الملاصقة لفراشه، ثم تأمل وجهه في المرآة قليلاً.. همس لنفسه :
ـ إيهاب أنت مقبل على الحياة بلا داعي..
إنه يتقدم في السن .. لا زوجة.. لا أسرة.. لا مستقبل ..
لكن أليس هذا الوجه البائس الذي يرمقه الآن عبر المرآة هو وجه أمه؟ هذا الذبول الذي يعتريها، ليس بسبب فقدان الزوج الذي مات بالسلالي، لكن بسبب إصابتها هي أيضاً بالسلالي.. لقد حل على بدنها الهش كضيف ثقيل لا يمكنها رده.. ومع الوقت صارت روحها ضيفاً ثقيلاً علي بدنها الذي صار ملكاً لضيف الأمس..
نام نوماً مثقلاً بالهموم مفعماً بالكوابيس، واستيقظ ليجد روبوت مفزع قد حل محل والدته.. قال له بلطف ألي: أن أمه تركته ورحلت هي أيضاً إلى حيث رحل والده.. وأنه سيتولى تربيته من اليوم حسب القانون .. هكذا صار هو تربية روبوتات.. وحمد الله على أنه كان قد فطم، فلم يضطر للرضاعة من روبوت.. يتذكر هذا وهو يضحك.. طبعاً نشأته في كنف روبوت محترم أهلته للالتحاق بشرطة مقاطعة إلوسيوم.. هذا لم يحلم به والديه.
أن تثق فيك النخبة وتقبلك في صفوف شرطييها، فهذا يعني أنك صرت مواطن نخبوي من الطراز الأول..
يداهمك هذه الأيام إحساس غريب بأنك مفتقد لشيء ما.. هل هو فقدان الوجهة والهدف؟.. كيف وأنت تعمل من أجل رضى النخبة الأممية؟ أليس هذا هدف سامي بحد ذاته .. إذن ما سبب هذا الإحساس؟ .. قديماً كانوا يقولون هذه وساوس شياطين، لكن النخبة الأممية حسمت الأمر في ميثاقها.. لا وجود للشياطين على الحقيقة في هذا العالم، وإن كانت الأديان قد ذكرت الشياطين في كتبها فهذا من قبيل الرمز .. فوسوسة الشيطان ترمز لرغباتنا السيئة والمكبوتة، وعلاجها الوحيد هو جلسات البرمجة اللغوية العصبية في الوحدات النفسية.. في بعض الحالات يتحول المواطن بسبب تلك الجلسات إلى نوع جيد من النبات .. لقد فكر إيهاب في تجربة تلك الجلسات كثيراً، ثم قرر أن يؤجلها إلى حين يقرر التقاعد من الحياة..
فيما بعد قرأ عن مذهب فلسفي يسمى العبثية وقد راق له كثيراً.. إنه سيزيف أخر لا يكل ولا يمل من العبث بدحرجة الصخرة عالياً وهو يعرف أنها حتماً ستعاود السقوط.. العبثية هي قانون هذا العالم ..
إذن سيظل منطلقاً في عالمه، كرصاصة مجهولة المصدر، إلى هدف غير معروف.. لا يهم إلى أين ومتى.. إنه بانتظار الارتطام العظيم والانفجار المروع.. ثم لا شيء..
غادر كابينة التطهير، وفتح المرئي فطالعته المزيد من الإعلانات..
الإعلانات معظمها عن رحلات لعوالم افتراضيه .. رحلات صيد في البراري الافتراضية، وكذلك رحلات فضائية لاستكشاف الكون عن طريق كبسولة المحاكاة ..
المواطن من الشريحة جـ لا يظفر بالحقائق غالباً، بل بالمزيد من العوالم الافتراضية ..
عليك فقط أن تقوم بتحميل البرنامج المعلن عنه، عن طريق شريحة التواصل المزروعة خلف أذنك، ثم تدخل في غرفة مظلمة وتضع عصابة سوداء على عينيك.. بعدها ستجد نفسك تسبح في المستنقعات وتدخل رأسك بين فكي تمساح.. أو تلمس النجوم.. يمكنك أن تقود جيوش الإسكندر، أو تهزم نابليون في واترلو.. يمكنك أن تدمج أشياء من ذكرياتك وواقعك الكئيب بالعوالم الافتراضية في محاولة لتغييرها للأحسن على طريقة ماذا لو الشهيرة..
ومقابل ذلك تدفع المزيد من العملة الافتراضية، التي تتسرب عبر شريحتك الائتمانية المزروعة تحت إبطك.. تتسرب كالتبول اللاإرادي..
لماذا يلجأ المواطن من الشريحة جـ للعوالم الافتراضية مادام يحيا في ذروة المجد البشري؟
هذا السؤال ببساطة يعد نوع من التجديف..
كذلك ليست العوالم الافتراضية هي وسيلة المتعة الوحيدة في النظام العالمي الجديد..
في تلك اللحظة طالعت عيناه ذلك الإعلان الهام.. الليلة سيكون هناك حفل إعدام للمتمردين .. بالأمس كانت سهرة ممتعة.. بث مباشر من هيدز التي تعج بحثالة البشر أعداء المجد..
أما اليوم فالسهرة ستكون مشاهد ممتعة لعملية الإعدام على الخازوق النيوتروني..
المتمردون لا يكاد يخلوا منهم زمان.. وكذلك الخوازيق بشتى أنواعها..
إنهم كالعادة يعتبرون أنفسهم ثوار، ويعتبرون النخبة التي تحكم النظام العالمي مجموعة من الطغاة ، وأن العالم سيصير أفضل بدونهم.. النتيجة هي سلسلة من العمليات التخريبية بين الحين والحين، تنتهي بسلسلة من المداهمات لأوكار المتمردين، ومن يبقى حياً بعد المداهمة يصير فرجة العالم في المساء والسهرة..
إيهاب يعتبر المتمردين جماعة تبحث عن تغيير لنمط حياتها الذي تعتبره مملاً خالياً من الإثارة.. يريدون بعض الإثارة الحقيقية لا الافتراضية.. ولهذا يسببون المتاعب لشرطة النظام العالمي ..
هل هذا نوع تعاطف معهم؟
استعاذ بالله من الشيطان الرجيم.. ثم استعاذ بالله من استعاذته من الشيطان الذي لا وجود له على الحقيقة! .. هؤلاء المتمردون كفار نعمة.. يريدون أن يعود العالم فوضى كما كان قديماً قبل أن يوفق الله النخبة الأممية في تدشين النظام العالمي.. هكذا صرف الخاطر السيء عن ذهنه وقرر أن يواصل برنامجه اليومي الممل..
***
" أقتل الحثالة.."
تتردد الكلمة بين الحين والحين بينما يتقدم إيهاب في الممر شاهراً مسدسه الألي.
الغرفة على اليسار.. لا يجب أن ينسى هذا.. الحثالة هناك.. سيمزقهم بالرصاص.. أمامه طريق طويل لابد أن يقطعه حتى يحصل في النهاية على نجمة الوحدة .. ويصير هو الشرطي الأول..
" أقتل الحثالة.."
الباب يلوح.. عليك أن تكون حذراً يا إيهاب.. ليس مداهمة حشد من المتمردين بالأمر الهين.. كتم أنفاسه ووقف على جانب الباب.. أعد مسدسه للإطلاق ثم دفع الباب بقدمه..
لم يحدث شيء .. إنهم حذرين جداً.. أم تراه أخطأ الغرفة.. هذه أول غرفة على اليسار تقابله.. فكر في أن يعود للخلف ليتأكد.. إنه يسرح كثيراً هذه الأيام.. ذكرياته لا تتركه حتى وهو في خضم معاركه مع المتمردين..
لم يكد يتراجع بظهره خطوتين حتى برز له من الغرفة أول متمرد..
رباه أنها الغرفة الصحيحة إذن.. وبلا تردد ضغط على الزناد.. كان المتمرد ـ لحسن الحظ ـ مجرد مستكشف أعزل.. لذا فقد خر صريعاً قبل أن يفهم..
هنا فتحت أبواب الجحيم.. وابل من الطلقات انهمر عبر فتحة الباب، جعله يتراجع ملتصقاً بالجدار أكثر..
ظهرت له عبارة مساعدة من مركز القيادة " معك ثلاث قنابل يدوية"
هذا خبر سار جداً.. لكنه لا يريد استنفاذها بهذه السرعة.. إنه مازال في بداية الطريق..
لحظة.. لقد هدأت أصوات النيران.. إنهم يلقمون أسلحتهم .. إذن هي فرصتك يا إيهاب، ولتوفر قنابلك اليدوية..
أولج مسدسه عبر فتحة الباب وأفرغ خزينة كاملة.. هناك أصوات صرخات.. لكنه لم يقتلهم كلهم..
لم ترسل له القيادة تأكيدها بعد.. لقم مسدسه بخزينة جديدة ووقف مستنداً على الجدار وهو يتنفس بعمق.. لقد قتل اثنين على أقل تقدير
بالإضافة للمستكشف الأعزل.. إذن مازال هناك اثنين من المتمردين بالغرفة .. إنه يسمع تهامسهم بالداخل..
هنا سمع صوت الارتطام المكتوم.. بعدها تدحرج جسم كروي على الأرض ليستقر في النهاية بين قدميه..
لقد ألقوا عليه قنبلة يدوية !..
فكر بسرعة، هل يحملها ويعيدها إليهم أم يجري مبتعداً عنها؟..
في مرات عديدة لا يفلح في تناول القنبلة من ثم تنفجر في وجهه وترديه قتيلا.. لذا قرر سلك الطريق الأسلم.. جرى بكل قوته وانبطح أرضاً ..
القنبلة لم تنفجر.. لقد أخرجت أدخنة خضراء اللون سرعان ما بدأت تنتشر في الممر.. إنها قنبلة دخان ستخدره أو ستشل حركته.. أو على الأقل لن تجعله يرى مهاجمه الذي سيلوز بالفرار..
" معك قناع الغاز الواقي "
شكراً للقيادة.. إنهم حاضرون معه دائماً.. والفضل للشرائح الذكية التي تملأ جسده..
ارتدى القناع بسرعة ووثب قائماً وهو يشهر مسدسه.. القناع يمكنه من الرؤية كذلك وسط الدخان.. إنه يعطيه إشارات تشبه علامة التصويب على الهدف.. صوب مسدسه على علامتي التصويب التي ظهرتا أمامه وأطلق النار..
سرعان ما اختفت علامتا التصويب .. وبدأت الأدخنة الخضراء تلاشى بالتدريج..
ها هو الممر يعج بجثث المتمردين، بينما وقف هو يعبئ سلاحه وينتظر الجديد..
هنا سمع صوت خطوات معدنية ثقيلة قادمة من جهة الغرفة فصوب سلاحه متأهباً..
ثم أدرك سريعاً أن مسدسه الألي ما هو إلا دمية أطفال بالنسبة للخطر الذي يواجه الآن..
كان العنصر الأخير من المتمردين روبوت متحمس تشتعل أضوائه غضباً.. إنه من النوع المقاتل الذي يحتاج إلى طائرة حربية لإيقافه لا إلى فرد في شرطة المكافحة..
إن فرص نجاته تكاد تكون منعدمة..
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس