منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2019, 05:20 PM   #5
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(4)

" مرحباً بكم في الحفل السنوي بقطاع الأساطير.."
الحفل كان مزيجاً فريداً من رائحة البخور الممتزجة بالشواء والتوابل، الممتزجة بالموسيقى التي تخدر الأعصاب.. وسط حشد من كبير من أثرياء الشريحة ب.. رجال ونساء يرفلون في ثياب حريرية على وسائد من ريش النعام وحولهم الخدم والحشم..
كادت أن تفلت منه شهقة حينما لمح الجواري يطفن على رؤوس الحضور بالكؤوس.. هؤلاء لسن مجرد جواري .. هؤلاء حوريات.. اكتشف في لحظة أنه كان واقعاً في غرام قردة اسمها هالة..
هناك كميات مريعة من الطعام والشراب سيفتك بها حشد من الكروش المنتفخة.. أحد تلك الكروش يخص جعفر حتماً.. لابد أنه أكبرهم كرشاً هنا..
هؤلاء لا يشعرون بالعالم الخارجي.. هم غارقون حتى الآذان في العسل.. مالهم وللعالم الغارق في التلوث والمحاصر بالروبوتات المعصومة..
تحرك بحذر وسط هؤلاء السادة المنعمين وهو يشعر بالدوار.. عليه أن يحترس كي لا يدوس على ذيل أحدهم فتحدث الكارثة.. أخيراً وجد له مكان بجوار أحد الأعمدة الرخامية.. فوقف هناك يرتقب..
للحظات كاد أن ينسى مهمته وسط كل هذا الجو الساحر..
ثم تذكر أن هؤلاء في نطاقهم النظيف قد يتعرضون في أي لحظة لاختراق من المتمردين.. ولن ينقذهم سواه.. هو المواطن من الشريحة جـ الحقيرة سينقذ أثرياء الشريحة ب المرفهين..
ـ أنت!
تسمر في مكانه وقد هرب الدم من عروقه.. التفت ليرى ذلك الرجل النحيل ذو اللحية القصيرة والغديرة التي تنسدل على كتفيه من تحت العمامة.. وثيابه تشبه ثياب البحارة العرب القدامى.. هيئته تشير إلى أنه غير مرفه ولديه قوة شكيمة واضحة كأنه قائد عسكري.. كان ينظر إلي إيهاب في شك..
ـ يخيل إلي أنني أعرفك.
اندفع إيهاب يقول بحماسة :
ـ كيف لا تعرفني.. أنا علاء الدين ..
كان هذا هو التنكر الخاص بإيهاب في هذا الحفل لكن يبدو انه كان غير مقنعاً.. قال الرجل في ملل :
ـ تباً.. لقد قابلت عشرة أشخاص كلهم يتنكرون في شخصية علاء الدين.. وكأنه لا يوجد في عالم ألف ليلة سوى علاء الدين هذا..
سأله إيهاب بفضول:
ـ وأنت ..
هز رأسه في خيلاء قائلاً :
ـ أنا مختلف طبعاً.. إنني وبلا فخر السندباد البحري!
قال إيهاب وهو يمد إليه كفه مصافحاً :
ـ مرحباً يا سيد سندباد .. أعتقد انك ستكون الفائز في هذا الحفل.. صافحه السندباد بتعالي قائلاً:
ـ أنا لم آت هنا للفوز في مسابقة أفضل تنكر يا هذا.
قال إيهاب باسماً :
ـ ولا أنا..
ـ غريبة!
قالها السندباد وهو يعقد ساعديه أمام صدره وعينه تجوب الحفل.. قبل أن يتوقف على مجموعة من الرجال الأشداء يرتدون مثله ثياب بحارة وإن كانوا أكثر شراسة وفوضوية ..
ـ ها هم رجالي..
ثم ترك إيهاب واتجه إليهم صائحاً:
ـ أين كنتم يا حثالة؟
تجاهلهم إيهاب وقرر أن يمارس عمله الذي جاء من أجله.. سيجلس ويراقب..
كان هذا حينما تعالى الهتاف :
ـ وصل السيد جعفر..
خفتت أصوات الصخب المنبعثة دفعة واحدة.. وكأن أحدهم قد ضغط على زر كاتم للصوت.. ورأى إيهاب أعناق المدعوين تشرئب إلى السماء ..
***
كان هناك صوت خفقان أجنحة قوي يأتي من أعلى..
وحينما رفع الجميع أبصراهم ، سرعان علت شهقاتهم..
تمتم إيهاب بذهول :
ـ يا أبناء المجانين!
كان السيد جعفر قد قرر أن يظهر بصورة لا تقل أسطورية عن كل ما حوله.. بل تفوقها بمراحل.. الجواد المجنح أيقونة مهمة في عالم الأساطير، خصوصاً ألف ليلة؛ لذا كان من العار أن يمر حفل كهذا من دون حصان مجنح أو بساط سحري..
أما جعفر نفسه فكان بعكس غالب المدعوين، شديد النحول شديد جحوظ العينين.. كأنه يريد أن يقول لكل من تقع عينه عليه : أنا شرير يا حمقى .. إنه من هؤلاء المفتونين بأدوار الشر لا الخير .. فالخير بالنسبة إليه خلاعة وابتذال.. لذا بدا منظره وهو يركب الجواد المجنح متناقضاً.. الشر المطلق يمتطي الجمال والرقة المطلقة..
ـ ووو..
ـ رائع..
ـ مذهل..
وهتفت إحدى الحسناوات :
ـ هذا هو فتى الأحلام!..
حط الجواد المجنح بين الحضور المنبهر، وترجل من فوقه جعفر وهو يجول ببصره في الجموع بنهم عجيب، كأنه يتغذى على نظرات الافتتان التي تطل من أعينهم..
صاح أحد أصحاب الكروش المنتفخة :
ـ إذن هذه هي مفاجأة الحفل يا سيد جعفر..
لوح الأخير بكفه بخيلاء مشيراً للجواد الذي بدا أشد خيلاء من سيده..
ـ لقد وعدتكم وأوفيت بوعدي..
اقتربت إحدى الفاتنات من الجواد وهي تقول بلهجة حالمة:
ـ هل ستسمح لنا بتجربة هذه التحفة؟
كان إيهاب يحاول التوغل بين الجموع ليرى أقرب.. هل هذا حصان حقيقي أم خداع بصري؟.. أم..
أم خداع تقني؟..
وهل لهذا السبب لا يسمح لأحد هنا باستصحاب أي تقنيات حديثة؟.. كي لا يسهل انكشاف أمر واحد مثل جعفر ..
إذن فجعفر هذا نصاب كبير.. أخ لو كان معه جهاز كشف الروبوتات الأن، لكشف للحضور أنهم يقفون أمام جواد ألي ليس إلا..
ـ هذا الجواد السحري سيختار من بينكم سعيد الحظ الذي سيركبه..
قالها جعفر كأنه مقدم لأحد برامج المسابقات.. علت همهمات الجموع المستغربة فرفع كفه صائحاً :
ـ هدوء يا سادة.. إن الصخب يزعجه.. ربما رفض أن يلمسه أحد غيري..
عض إيهاب شفته السفلى وهمس :
ـ طبعاً يا ابن النصابة!
كان قد اقترب من الجواد جداً لدرجة أنه بدأ يشعر بأنفاسه.. لا يمكن.. إنه يبدو حقيقي أكثر من اللازم.. الروبوتات مهما بلغت دقتها فهي لا تكون لهذه الدرجة من الإتقان.. داعب إيهاب أنفه مفكراً.. ثم لاحت له الفكرة فبرقت عيناه.. نعم ربما كان الجواد حقيقي لكنه تم تزويده بأجنحة ألية مثلاً.. إذن لنقترب من الأجنحة لنفحصها عن قرب و..
هنا رفرف الجواد بجناحيه..
هاج الحضور وتراجعوا إلا إيهاب الذي كان يتجه لفحص الجناح الأيمن حينما فوجئ بلطمة الجناح العاتية ترفعه من أسفل لأعلى بحركة خاطفة أفقدته توازنه.. ووجد نفسه يدور في الهواء دورة رأسية وهو يصرخ صرخة مدوية .. وحينما اكتملت دورته وعاد للهبوط، وجد نفسه مستقراً على ظهر الجواد..
وكان مشهداً مهيباً.. إيهاب فوق صهوة الجواد المجنح يرمق بذهول الجموع المتحلقة من حوله وهي تهلل ..
ـ مرحى .. لقد اختار الجواد فارسه..
الوحيد الذي لم يهلل مع المهللين كان جعفر.. وقف يداعب ذقنه المدبب وهو ينظر لإيهاب نظرة شك واضحة ..
ـ من أنت يا هذا؟..
هز إيهاب كتفيه قائلاً بتلقائية :
ـ أنا علاء الدين..
هتفت الجموع :
ـ هذا هو المختار يا سيد جعفر..
أشار الأخير إلى الجواد وصاح في حنق :
ـ الجواد لم يتحرك بعد لنجزم أنه قد اختاره..
ثم أشار إليه فوق صهوة الجواد صارخاً بحراس الحفل :
ـ انزلوا علاء الدين هذا من فوق جوادي..
هنا وقبل أن يتحرك الحراس لتنفيذ الأمر، فرد الجواد جناحيه وأطلق صهيلاً قوياً، ثم انطلق محلقاً كنسر عملاق في سماء الحفل ..
ـ وووه..
ـ إنه المختار بلا شك..
ونتف جعفر حاجبيه صارخاً في الحرس :
ـ أريد جوادي أيها الحمقى.
ثم التفت إليهم وقد تصلبوا جميعاً :
ـ ما ذا دهاكم؟
هنا أدرك لماذا وقفوا متخشبين.. كان في قفا كل واحد منهم مدفع ألي أما حاملي السلاح انفسهم فلم يكونوا سوى بحارة السندباد ..
وقبل أن يفوه جعفر بكلمة وجد مسدس السندباد نفسه في قفاه هو ، وسمع صوته البارد القاسي يفح في أذنيه :
ـ لقد قدمت عرضك الخاص.. وحان الوقت لتقديم عرض أفضل.
هنا علت صرخات النساء وشهقات الرجال لكن قطعها سيل من الطلقات التحذيرية في الهواء..
وصاح السندباد وهو يدفع جعفر أمامه بمسدسه :
ـ مازال الحفل في أوله.. لا ينبغي أن تستهلكوا طاقتكم في الصراخ هكذا..
هنا حاول بعض رجال الأمن التحرك، فكانت النتيجة أسرع من الخيال وامضى من السيف.. لقد حصدته طلقات البحارة وحصدت معه كل الحراس دفعة واحدة..
و صاح بحار عجوز في السندباد وهو يعيد تلقيم سلاحه:
ـ كان ينبغي أن نتخفف من عبء الحراس منذ البداية..
صاح به السندباد وهو يخطوا فوق جثث الحرس :
ـ معك حق يا جدي.. لكن تذكروا .. لا أريد أن ينتهي الحفل وقد تخففنا من كل هؤلاء السادة الظرفاء.. ما زال لدينا وقت طويل لنساوم النخبة الأممية..
قال جعفر وهو يرمق السندباد بحقد طبقي رهيب :
ـ هل تعرفون عقوبة دخول النطاق النظيف بأسلحة نارية؟
كانت العبارة كافية لينفجر المتمردون كلهم في الضحك..
ثم أن السندباد اقترب بوجهه من جعفر، وهو يمسح الدموع التي سالت من عينه من شدة الضحك..
ـ تقصد الخازوق النيوتروني؟
ابتلع جعفر ريقه ولم يرد.. فالتفت السندباد للجموع الممتقعة وهتف:
ـ الحقيقة أن هذا تناقض لا شك فيه يا سادة الشريحة ب.. من يدخل النطاق النظيف بتقنيات عصرية يعاقب بعقوبة عصرية.. أليس هذا تناقضاً؟
ثم رفع قبضته عالياً وصاح برجاله :
ـ أليس من حقنا أن نطالبكم بخازوق حقيقي من خوازيق الزمن الجميل..
هنا هوى فوقه إيهاب بالجواد المجنح وهو يصيح :
ـ ما رأيك بهذه الوسيلة الأسطورية؟
ولم ينتظر إيهاب ـ الذي نسى الجميع أمره تماماً ـ ليرى مصير قائد المتمردين الذي سحق غالباً تحت أقدام الفرس.. كان يمسك بمسدسين آليين في كل يد ويطلق منهما الرصاص ببزخ من فوق صهوة الجواد المجنح..
صراخ.. عويل.. هرج.. دماء.. وحينما أفرغ أول خزنتين كانت الأرض قد افترشت بجثث المتمردين المتنكرين في ثياب البحارة..
وزحف جعفر من بين الجثث والشظايا مقترباً من إيهاب.. رفع كف مرتجفة إليه وقال بصوت مبحوح:
ـ لقد.. لقد أنقذت حياتنا.. لقد كان الجواد محقاً حينما اختارك.
و ظهرت عبارة تقول " تمت المهمة بنجاح".. ثم ساد الظلام..

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس