منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ليلة مسكرة مع إضافة الأجزاء الباقية(كاملة)
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2019, 06:06 PM   #1
حسن التازي
( كاتب )

الصورة الرمزية حسن التازي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

حسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهرحسن التازي لديه مستقبل باهر

افتراضي ليلة مسكرة مع إضافة الأجزاء الباقية(كاملة)




الجزء الأول

كان يدفعني أمامه دفعا وبلغة مصمم عازم كان يقول:
-أقسمت عليك أن تؤنسني وتجالسني
وقاومت ذراعيه الواهنتين وألتفت إليه قائلا:
-عزيز أنت تحرجني للغاية، كان الاتفاق بيننا أن نتوجه للمقهى وليس لحانة الشمس
وناظرا إلى الأرض موقنا بنتيجة تصميمه ردد:
-هي في النهاية كلها مقاهي، والليلة لابد ان تكون جليسي
توقفت وقد غلبني تصميمه وعزمه ،وبدا أني لن أستطيع إقناعه بتعديل فكرته,كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلا، وعزيز من أقرب الأصدقاء إلي وتجمعني به صداقة تتجاوز السنتين, وتعرفنا على بعضنا بالصدفة في المقهى، ثم طالت الصدفة لصداقة قوية عاينت فيها دوما حبه وإخلاصه، ومع مشاكله المتواصلة مع زوجته، وكثرة الخصامات والدعاوي القضائية بينهما كان يجد في الملاذ لإفراغ ما يضيق به صدره.
-عزيز أنت تحرجني للغاية, لم ألج يوما حانة في حياتي وأماكن مثل هاته لا تساير مبادئي
تذمر من قولي وأستجمع قليلا من أنفاسه وعاد لدفعي أمامه قائلا:
-نعم هذا كلام رددناه كثيرا قبلك، والأن هو لا يساوي شيئا أمام رغبة جارفة
-هل تريدني أن أصبح مهووسا بالحانات مثلك أم ماذا؟
-أريدك أن تؤنسني فقط ولا تقرب شيئا لا تريده فالحانة تبيع أيضا العصير والشاي
و صمتت حتى وجدت نفسي في النهاية أمام باب الحانة، فحيا عزيز الحارس السمين بتحية تعارف جلية وتبادلا بسمة صافية ،ودفعني من جديد أمامه ،ومستسلما لصداقته وقراره كنت أمشي أمامه والجا عالما لا فكرة لي أبدا عن داخله من خارجه غير ما كنت أراه في الأفلام, ثم صعدنا للطابق العلوي حيت أنزوينا في ركن مواجه للنافذة ، ولم يكن بالطابق غيرنا وزبون أخر في الركن ، وفي لحظة من لحظات تفحصي للمكان دنت من الطاولة فتاة قد تكون في عقدها الثالث ووضعت قارورة أمام عزيز في حركة دونما سؤال منها ، ثم توجهت لي بسؤال خافت:
-هل أعد لك عصير برتقال
وسبقني خوفي وأنا أتأمل عينيها الواسعتين الجميلتين وشعرها المنسدل على جانبي وجهها وتمتمت:
-أنا لا أشرب البتة
وضحكت ضحكة خفيفة فبانت منها أسنان ناصعة جميلة كحبات اللؤلؤ وأشرق وجهها ببسمتها ، وأهتز فؤادي بشدة فقالت:
-البرتقال لا تشربه
وبارتباك كبير أجبت
-عفوا لم أقصد ذلك كنت أقصد........
وأنفجر عزيز ضاحكا فيما قاطعتني بصوت ناعم ورقة تذيب الحديد قائلة:
-ألم أسألك هل تشرب البرتقال
ومركزة عينها الواسعتين في عيني أضافت:
-أعرف زبائني جيدا هنا وأنت زبون جديد
-لسن زبونا البتة هذا صديقي وهذه طريقي في أثره
أطلقت ضحكة جميلة ورددت بأنوثة بالغة وهي تصوب دوما عينيها إلى عيني حتى ألتهب جسدي وقارب الذوبان:
-البداية دوما هكذا ......إذن ستشرب عصير برتقال
وبشفتين دائبتين وقلب مفجوع رددت:
-هو ذاك مع سكر كثير.......أكثر ما استطعت
وبحركة خفيفة وأنا أشير لقارورة عزيز وقد أحتسى منها كأسا كبيرا قلت:
-كيف عرفت أني لا أشرب مثل هذا
-هذا سر من أسرار مهنتي
-هذه أول مرة ألج مكانا مماثلا ولا أعرف البتة ما أقول
-لا عليك ...كن بخاطر طيب وهانئ..... المكان مكانك
وغادرت في حركة خفيفة وبجسد يتلوى أمامي كالنسيم ، فتأملت قوامها الجميل واستغربت تواجدها في مكان مماثل مع جمالها الأخاذ، ثم نطق عزيز وهو يصب الكأس في جوفه دفعة واحدة :
-ملعونة نساء العالم أجمع ،وملعون من يفكر في الزواج
-اخفض صوتك عزيز
-كان قرارا غبيا يوم تخليت عن عزوبتي وحريتي
-الزواج سنة من سنن الكون عزيز .....لم تفعل شيئا مخالفا
-تسرعت أكثر مما تصورت
-هو أمر قد يتعرض له أي شخص
-تزوجت أفعى مجلجلة
وصب كأسا أخرى في جوفه وقال:
-لا أصدق أن مطبخ منزلي أصبح مليئا بالطناجر من كل الأحجام والأواني
وضحكت من قوله وقلت:
-أليست أمورا تتواجد في كل المنازل
-تخليت عن عزوبتي مقابل مطبخ عامر بالطناجر
واستسلمت لنوبة ضحك خففت عني ارتباكي مع النادلة وقلت:
-ما قصتك مع الطناجر الليلة؟
-رميتها كلها من النافذة ، أبقيت برادا وأناءا صغيرا فقط
-أنت مجنون
-أنا أسترد حريتي وعزوبيتي
-مهما كان فهي زوجتك
-فلتذهب إلى مزبلة التاريخ هي وطناجرها اللعينة
وصب كأسا أخرى وقال بصوت عالي :
-ملعونة نساء العالم أجمع يا صديقي وأنعم بما استطعت من حريتك
-اخفض صوتك يا أحمق ....هذا ما كنت أخشاه ..أن يكون علي حراسة شخص مجنون
- أنا أحرس نفسي دوما حسن وليس في الطابق غيرنا فلا تخشى شيئا
-وذاك السيد في الركن ألم تره ........أنت تزعجه بقولك
وأنفجر ضاحكا وهو يشير إليه بيده وقال :
هل تقصد القاسم الجالس هناك ..... ليس إلا ضحية من ضحايا حواء مثلي هو يعيش وحيدا، وقد غادرت زوجته والأولاد المنزل للخارج ولا عزاء له غير المكان هنا وقوارير النسيان ، ثم وهو يلوح بيده إليه ويرفع صوته مناديا
- القاسم ..القاسم هل تلتحق بنا هنا ؟
ورفع الرجل عينين محمرتين بجفون مثقلة من أثر الشرب ، ونظر جهتنا فبدت منه صفحة وجه لامعة بخدود قانية و حواجب كثة تعلوهما صلعة ممدودة ،وأبتسم إلينا بسمة صافية جعلتني أدرك أنه على معرفة سابقة بصديقي ،وقال عزيز :
-القاسم حبيبي تعالى لأعرفك بصديقي حسن
ونهض الرجل من زاويته وقد بدا في عقده الخامس ، وقصدنا بمشية بطيئة وجلس إلينا مطمئنا باسما كأننا نشترك المكان معا عن ملكية مسبقة ،ثم حضرت النادلة تتلوى في قوامها الآسر وابتسمت في وجه القاسم أولا قائلة:
- هل ستجالس عزيز وصديقة الليلة
- سبق وفعلت يا حلوة المكان
وعانقته بكلتا يديها عناقا خفيفا وطبعت قبلة عابرة على صلعته وقالت
-إذن سأحضر مشروبك من هناك
-أحضري واحدة جديدة سعاد وأجلبي لأصدقائي ما أرادو على حسابي
وهتف عزيز
بل كل شيء على حسابي أنا من دعوتك
وأنطلق بينهما حلف ويمين على من يدفع الحساب ، والتزمت بينهما الصمت المطبق لا أعرف ما علي فعله ورغبة كبيرة تحدوني لأنهي خصامهما وأدفع حسابهما ،حتى استقرت الأمور على القاسم ليدفع ونظرت إلي النادلة باسمة وقالت،
يا لا كرم المسطولين
ثم غادرت أشيعها بنظراتي المفتونة وأمسحها مسحا من أسفل قدمها إلى أخر شعرة في رأسها
ونظر إلي عزيز وقد فضحتني عيناي فسألته قبل أن يلعب المشروب في رأسه أكثر
-هل تعرفها
- سعاد
-كم هو جميل اسمها
-لن تكون إلا متل غيرها من النساء يلبسن ثياب الرقة والبلاهة إلى أن يجمعن كل الخيوط ، ثم في لحظة خاطفة يسحبن البساط من أسفلك ويغادرن
وقال القاسم
-إلى الخارج مع الأولاد دون عودة
وقلت مخففا الجو مخاطبا عزيز:
-لا أعتقد أنها كذلك تبدو طيبة
-هكذا كنت أرى نعيمة قبل زواجنا
وقال القاسم:
لا يعرف المظاهر الخداعة إلا من وقع في خداعها ..طب خاطرا سيد حسن
-لابد أن في الأمر خلل ما سيد القاسم..والأمور تسوى دوما بالتفاهم
وأفلتت منه ضحكة ساخرة وقال:
- التفاهم ....طوبى للفهيمين ....الأمور لا تسوى إلا بهذا الدواء سيد حسن
وخلته سيخرج علبة دواء من جيبه قبل أن أتبين أنه يشير للقارورة ،فضحك عزيز من قوله ضحكة مريرة وقال:
- ياحسن قلت لك انعم بما ملكت من حريتك وراحة بال....ملعونة طناجر الكون ونساؤه
ثم صب كأسا أخرى دفعة أخرى في جوفه ،وسمر عينيه كأنه يتلمس طريق سلوكها بجوفه ونادى بأعلى صوته:
سعاد...سعاد تعالي هنا
وحضرت سعاد بحركة أنثوية جميلة تلوح بالصينية فارغة وهي تردد:
صبرا ..علي بالكاد عصرت البرتقال
فقال عزيز:
-صديقي يحبك
وانفجرت سعاد ضاحكة حتى دمعت عيناها، وكادت الصينية تسقط من يدها فيما أحمرت عيناي وأحتبس فيهما شقاء رحلة غريبة ،وتمنيت أن تنشق الأرض لأقفز داخلها ،وصعدت سخونة لاهبة من قدمي إلى صفحة وجهي ،وزادت ضحكاتها وهي تشاهد تورم وجهي واحمراره ، وضل القاسم غارقا في أعماق صمته ،ولم يبدو عليه أنه سمع ما قيل ، فأضاف عزيز وقد أختلط لديه الأبيض بالأسود
-الخمر لا يشربها والنادلة يعشقها ويحدثني عن التفاهم
وأطلق القاسم ضحكة عالية ترقرقت لها عيناه بشدة وومضتا ببسمة صافية ونظر جهة عزيز قائلا:
أنت مصدر الحكمة دوما عزيز..لا تصمت إلا لتقتنص جملة فارقة
وأضاف:
سعاد مصدر الجمال فهل تلتمس العذر لصديقك
وأشفقت على نفسي وقد أصبحت محط سخرية المساطيل ولمزهم، ولم أجد شيئا أقوله ، ولم أعرف ما علي فعله فلدت بصمت الضالين
ووضع القاسم كأسه على الطاولة وأضاف:
هي رقيقة وجميلة للغاية وعابرة كالدنيا التي نعيشها
وقال عزيز
-متى تزوجت غابت الرقة وعوضتها الطناجر بمختلف الأحجام ...هذه للطير الواحد وهذه للأربعة طيور.. علي اللعنة وعلى أيامي
وضحك القاسم لقول عزيز ثم قال بحزن غير مخفي أبدا :
-أسف جدا ...أسف أكثر من أي وقت لأني أسأت الاختيار وتركت فاطمة زميلتي في الدراسة وتزوجت مسحوق الشر تلك
وقال عزيز:
كلنا أسأنا الاختيار... لا يهمك شيء حبيبي ، من غادرك فهو لا يستحق تواجدك إلى جانبه
وتنهد بنفس حارق قائلا:
-ملعونة اختيارات المرء في هذه الدنيا
وقال عزيز وهو يضع يده على كتف القاسم
ما أعجب ما قالت السيدة
وعايزنا نرجع زي زمان ........ قل للزمان إرجع يا زمان
وسمعت قوله وأنا أراقب قوام سعاد وهي تغاد وأتفحصه فرددت شفتاي:
إلى شفتو قبل ما تشوفك عيني عمر ضايع يحسبوه الزاي علي
وقال القاسم وعيناه تتلألآن بوميض من عالم أخر:
-لا شيء يعود....صديقاي .... فات أوان كل شيء
وتجرع كأسا من قارورته وردد:
- قل للزمان إرجع يا زمان
وقال عزيز مناديا سعاد وقد أدركت أنه يريد تغيير موضوع الحديث رأفة بالقاسم
-سعاد هل تقبلين إلينا ..أين عصير صديقي حسن
ثم وهو يراقبها قادمة إلينا ويمسح قوامها اللاهب بعينيه المحمرتين
-الدنيا قادمة إليك بعصير البرتقال .. أحسن مسكتك للكأس وأشرب هنيا وإلا ستغرق معنا في بحر الضلالة
وأنفجر القاسم من جديد ضاحكا من قوله
وقلت وأنا أراقب رد فعل القاسم الغارق في ضحكه
-أصمت يا مجنون أنت تفضحني ودع عنك حديث الدنيا والضلالة فليس المكان مكان ذلك
-ألسنا من الضالين
ووضعت يدي على فمه لأسكته فيما القاسم يقاوم نوبة ضحك مستبدة ،ووضعت سعاد العصير ببسمة تعذب القلوب الغارقة في الوحدة وقالت:
-ما أجمل كلامكم يا مساطيل
وبدعوة من القاسم الذي بدا قريبا للغاية من سعاد سحبت كرسيا وجلست إلينا وليس في الطابق العلوي من مساطيل غيرنا ، وشدني منها عطر جميل نفاذ، وراقبت عن قرب عينيها الواسعتين ورددت مع نفسي:
لن يطول الأمر لأجدني متيما بروح تسكن هذا الجسد، وأنشغل القاسم وعزيز بإفراغ ما في القارورة في جوفهما كأنهما يفرغان حيرتهما في أكواب الشراب ،وقلت باسما وقد تخليت عن جزء من وجلي الأول:
-ألا تشربين شيئا..سيكون على حسابي
-سبق ودعاني القاسم للجلوس ، وهي دعوة للشرب على حسابه لكني لا أجد رغبة البثة في شرب أي شيء
وبحركة طفولية أشرت للقارورة قائلا:
هل تشربين مثل هذا الأمر
-أقلعت عن ذلك
-أمر جميل للغاية..ولا يليق بفاتنة متلك
-منذ هاذا الزوال فقط
-لكل طريق طويلة نقطة بداية
-ربما أعود له... غذا
-هو أمر ليس لك أبدا أبدا
-أفنيت عمرا في الشرب حتى تلاشت أسناني كاملة
-هي أجمل أسنان رأيتها في حياتي
-ليست أسناني...هي أسنان طبية مثبثة
وأدركت أني أحاور إمرأة محنكة للغاية لا تخيفها صراحتها فقلت:
-عيناك جميلتان للغاية
-أشكرك
-لا أجاملك أبدا
-ليس هذا مكانا للمجاملة
-ومكان ماذا هو إذن
-مكان المساطيل
-لا أصدق أبد أن فتاة بجمالك ورقتك تشتغل في حانة
-لا أحد يختار مصيره
-وتلف دوما بين المساطيل وتسمح لهم بمعانقتها
-أنا من أعانقهم لأني أحبهم
-أليسوا سكارى
-ما أحب طريق السكارى إلى قلبي
-هو طريق فاسد
-هم علية الناس وأشرفهم ولا أجد منهم البثة إلا كل الكرم والحب
-أشياء كثيرة تعتمل في نفسي مند رأيتك هنا
-أنت إنسان طيب
-جمالك أحرق جوانحي هنا
-أشكرك للغاية
وقلت وأنا أركز نظري في عينيها بحرقة
-لا أحتاج شكرك أبدا
-أقلعت عن طرقات المارة مند مدة
-ربما نلتقي في مكان خارج الحانة
-لا مكان لي غير هذا المكان
وأفلتت زفرة لاهبة من أعماقي وقلت
-لا أعرف البثة ما علي قوله ...لكن .......................... قلبي ينزف هنا
-أنت إنسان طيب
-ألا تجدين قولا غير هذا
-أشياء كثيرة لا نختارها في حياتنا
-أتوسل إليك فقط كلميني
وأبتسمت في وجهي إبتسامة حانية أشرق بها وجهها الجميل وقالت:
-لا أملك قلبا أبدا ... تخليت عنه من زمان بعيد.
ثم غادرت ترسم بجسدها الناعم لوحة مفعمة بمتعة ممنوعة ،وقصدت زبونا جديدا وقد أرتكن ركنا من أركان الطابق
ولعنت في خاطري طريق السكارى ولعنت قراري بدخول الحانة وقد كنت أخشى التعلق بالخمر ، فإذا بي أصبح مسخرة مسطولين أرهقهما الزمن وغابت عنهما الحلول، ورددت مع نفسي ما أشد ما يعانيه المرء خارج حدود الصبر والطاقة، وغريب هو أمر هذه النفس البشرية في فهمها للأمور، ورفعت بصري لسعاد فوجدتها منشغلة بمحادثة زبونها غير مبالية بالثيار خلفها ، ولا بما أعتمل في صدري، فأترعت منها عيناي بشدة لاهبة .
وبقرار حاسم حملتني قدماي بخفة خارج الحانة هاربا من مصير مجهول، ومن رجاء عزيز وهو يطلب مني الانتظار وقد قاربت الساعة الواحدة صباحا,وقفزت أخر درجة من السلم وصوته يتناهى إلى مسامعي مرددا:
-ملعونة طناجر الكون أجمع
وإنه لأمر عظيم أن تكتشف في لحظة مارقة جانبا من جوانب الحياة المخفية خلف الطاولات وأعظم منه أن أن تسري الفاتنة بين المساطيل موزعة عناقات الدفئ والحنان المفقود، وأن تجيبك في لحظة هاربة بجواب حاسم قائلة:
-لا أملك قلبا أبدا ... تخليت عنه من زمان بعيد.

الجزء الثاني


هي ليلة خريفية من ليالي خريف عجيب ،والحرارة مفرطة للغاية كأننا في عز فصل الصيف، لا شيء يوحي بالثقة ،ولا شيء يبعث على الاطمئنان ،وشعور غدر كبير يعانق الجوانح.
عزيز أنقطع عني وغابت أخباره لمدة أسبوع ،ولم يكن الأمر من عادته أو مما ألفته منه، لذلك أخذت المبادرة واتصلت به وقد فقدت كل أمل في رؤيته بمقهى النجمة ،ولم يفاجئني وهو يخبرني أنه يتواجد بحانة الشمس ويدعوني للالتحاق به ، ولأني كنت أداري شعور تعلق فريد بالمكان فقد أجبت الدعوة وأنا أرد عليه قائلا:
-ما هي إلا مسافة الطريق وأكون عندك
وفي طريقي إليه على متن سيارة الأجرة أصلحت هندامي ورششت قبسة من قارورة عطر صغيرة بجيبي ،وتسربت من شفتاي ابتسامة اتجاه لقاء منشود ، وردد منادي من أعماق جسدي:
-لا شيء يريح النفس والهواجس الملتهبة أكثر من رؤية سعاد والتملي في قوامها الأسر.
ولم يستغرق مني الأمر طويلا حثى غادرت سيارة الأجرة، وتسلقت الدرج بخفة كخبير في المكان، وبطاولته المعتادة وجدت عزيزا يجالس قارورته كعادته، ودارت عيناي بحتا عن سعاد وأنا أتجه نحوه فلمحتها تختفي وراء منضدتها بطابقها العلوي والذي لا يضم إلا أربع طاولات .
عزيز كان البادئ بالكلام وهو يستقبلني بوجه معقود وعينين ذابلتين على غير عادته قائلا:
-جميل جدا أنك حضرت ولن تصدق ما حصل
وقلت وأنا أسحب الكرسي وعيناي تدوران في المكان متربصتان بسعاد:
-خيرا إن شاء الله ؟
وقال بوجه تابت لا تتحرك منه غير الشفتين
-نحن قوم لا يعرف الخير طريقنا
-ماذا حصل عزيز أختصر الكلام؟
-القاسم المسكين رحل
-التحق بزوجته..هذا خبر جيد ؟
ونظر جهة الطاولة التي أعتاد القاسم الجلوس بها ثم رفع بصره إلي وقال :
-التحق بالرفيق الأعلى هناك بالسماء ......توفي بالأمس.........
ورغم أني لم أتعرف على القاسم إلا قليلا فقد حزت في نفسي وفاته للغاية وصدمني الخبر ،وأنقبض صدري لسماعه ، وبدا لي وكأن الرجل أقتلع عنوة من طاولته ، ولم أجد شيئا أقوله غير الالتفات جهة الطاولة حيث نظر عزيز فوجدتها ساكنة غارقة في جمودها ، وألتفت جهة سعاد وكانت شبه غائبة هناك خلف المنضدة لا يبدو غير شعر رأسها، فرددت بحزن غير مخفي:
-الموت والحياة سنة من سنن الكون فليرحمه الله..المسكين
وردد عزيز:
-مات شريدا هنا كما كان دوما ،ولا زل مرميا بمستودع الأموات ينتظر حضور أخيه من كندا لدفنه.
ثم سمعت صوت سعاد خلف المنضدة تردد بلسان ثقيل عرفت منه أنها أسرفت بالشرب:
-لسنا إلا حثالة تسرق لحظات عيشها....كأننا نعيش عنوة
وقال عزيز:
-سعاد مصدومة للغاية لأنه تعرض للنوبة هنا أمامها
-المسكين جالسته مرة واحدة ووجدته شخصا طيبا وحنونا ولا زلت أذكر قوله عن سعاد (هي رقيقة وجميلة للغاية وعابرة كالدنيا التي نعيشها)
وقال عزيز وهو يخفض صوته:
-أخفض صوتك أرجوك ....سعاد بالكاد توقفت دموعها .....القاسم لم يكن زبونا عاديا بالنسبة لها ..
ثم أضاف :
-المسكين كان دوما يتمنى رؤية ابنته البكر وطالما قال أنها لم تهجره إلا بضغط من أمها،
ورددت سعاد من مكانها :
-الموت والحياة سنة من سنن الكون، والغدر والوحدة سنة من سنن البؤساء أمثالنا.
وقلت مخاطبا عزيزا:
-متى كان ذلك
-بالأمس فقط
-ومن كان معه
وتبسم بسخرية وهو يقول :
- لوحده ....كما عاش أخر أيامه وحيدا توفي وحيدا، وتعرض لنوبة قلبية هنا ، وأسرعوا به للمستشفى ،لكنها ليست إلا حياة رجل بائس ،ولم يكن مقدرا لها غير الختام في بؤس وصمت ...كورقة تفلت غصنا يتدمر من حملها.
-المسكين...ربما أسرف في الشرب
- الشراب كان عزاءه الوحيد ،وسعاد كانت نديمته الصافية لسنوات تفوق الأربع ....هناك بمكانه الثابت و هي من رافقته و ضلت بجانبه إلا أن أسلم الروح بالمشفى.
-أمره مؤسف لغاية
وحضرت سعاد بمشية متثاقلة وعيناها تتلألأن بدمع ناضب ووميض خافت ورمت جسدها على الكرسي رفقتنا وقالت:
-لا أصدق أبدا أن المسافة بين الموت والحياة بمثل هذا القصر ،ولا أصدق أن في الدنيا أناسا تعميهم القسوة لهذه الدرجة،....القاسم لم يخلف موعد طاولته لسنوات هنا وفجأة...وكأنه لم يكن
ثم أضافت وفيض دمع يشق طريقه على خدها:
-لا أحتمل المكان أبدا في غيابه.. أجده موحشا بشدة...أرغب في المغادرة لكن إلى أين .. لا مكان لي غير هذه الزاوية
وقلت معقبا وقد ألمني حزن سعاد وغياب القاسم :
-لا أحد يعلم سبب هجر أسرته له.....لكنه كان إنسانا طيبا للغاية
وقالت سعاد وقد أمتزج حزنها بحدة غضب مفاجئة:
-هجرته الفاجرة لأنه لم يعد قادرا......
ثم لزمت الصمت وقد اشرأبت أعناقنا نحوها وقالت:
- وعدته بالكتمان ولابد لي من حفظ سر أستودعني إياه.
وقال عزيز:
- مهما كان الأمر ...القاسم إنسان طيب وبائس للغاية.
ورفعت بصري إليه، فوجدته يضم سعاد بذراعه وقد فاضت عيناها دمعا، ثم تجرعت كأسا من القارورة أمامها دفعة واحدة كما يفعل عزيز، كانت دوما بنفس جمالها الغريب والعجيب، وبشعر مسدول بعفوية على كتفيها ، ولباس بسيط حافظت على سحرها ، و لم ينقص الحزن من جمالها حرفا ،وقلت في خاطري وأنا أراقبها:
-ما أغرب جمالك أيتها النادلة وما أعجب وفاءك
وتلألأت عيناها الواسعتان والدامعتان بوميض الضوء الخافت المنبعث من المصباح الركني، وتناهى إلى مسامعي صوت أم كلثوم من الجانب الأخر وهي تردد :
-ما تصبرنيش ذا خلاص
فقلت بغير وعي وأنا لا أنزل عيني عنها
-ما أعجب أمر هذه الدنيا وما أعقد معادلاتها
وقالت سعاد
-ربما سيرتاح من مسيرة لا تنتهي ، وعذاب لا ينقطع أبدا لكني لن أنساه أبدا
وسألتها قائلا:
-هل عرفت زوجته وأولاده بالأمر
- أنا من أخبرت أخاه بالأمر وقال أنه سيخبر الزوجة وقد أعطاني القاسم رقمه في أخر لحظاته
-هل قال شيئا قبل وفاته
-قال أنه أسف للغاية لأنه ركب القطار الخطأ ووثق بركابه
وتذكرت حديثه السابق ،وأدركت عمق معنى جملته الأخيرة فدمعت عياني، وركبني شعور الغدر الأول، ونزعت ربطة عنقي بقوة ورميتها على الطاولة، ثم عم صمت ثقيل تجرع فيه جليساي ما شاؤوا من كؤوس حيرتهما ، وغابت فيه سعاد إلى عالم أخر ،وغلفت صفحة وجهها الجميل هالة كآبة ممتدة بطول أنفاسها المقهورة، وبدا أنها لم تستطع حبس دموعها، ورددت وعزيز يضم كتفها إليه من جديد:
-هي دنيا غادرة ،جربت معها الصواب ،والعهر، والسكر، والصحو، وما وجدت لها أبدا طريقا ترتاح فيه أنفاسي......طوبى لمن صادفت نفسه طريق الصفاء، أما أنا فقد ضللت الطريق باكرا
وقال عزيز بلسان معقود
-هو ذاك الأمر نحن نغرق في نفق الضلالة الطويييييييييل
وسكتت لبرهة وعلا صوت أم كلثوم وهي تردد:
خلاص خلاص أنا فاض بي ومليت
وتابعت سعاد قائلة:
-كأني ولدت بالزمن الخطأ، والمكان الخطأ ،وما أحوجني إلى بداية جديدة ........................لكن فات أوان كل شيء، وأصبحت كل المحطات خلفي في الجهة الأخرى.
وقال عزيز و هو ينظر جهة أفق مفقود :
-نعم لقد وصلت قاطرتنا.....كل المحطات باتت خلفنا ...وكل أحبابنا تركناهم هناك وما ينتظرنا ليس إلا ما حاق بالقاسم من وحدة وموت شريد ....
لم أجد شيئا أقوله بتاتا ،ووجدتني أنغمس في أفكار يأس تحلق بالمكان، وتغلف نديماي ،وسعاد فاجأتني للغاية بفلسفتها ورؤيتها، ومع حزنها الدفين ويأسها العميق ،فإن صفحة وجهها كانت مرسومة بعناية فائقة ،وزادها احمرار وجنتيها من فرط الشرب جمالا، فبدت كشمعة مورقة في ظلمة خافتة ، وتأملت أنفها المنحوت بصفاء وشفتيها الناعمتين المكتنزتين وقلت أسفا:
-ما أحوجنا جميعا للرجوع لمحطات سابقة
الجزء الثالث
لا أحتمل الصمت ولا أحتمل الكلام، ولا أحتمل السير ولا الصبر على التوقف ، وأقصى ما أحن إليه جلسة هادئة مع سعاد بمكان هادئ، لا أعرف بتاتا ما سيكون علي قوله ساعتها لها ،ولاما أريده منها، ما أعرفه أن صورتها أصبحت تلهب خيالي للغاية، وقلت مازحا:
-سأراقب عينيها وأخبرها أنه أقصى ما أريد منها ،ولابد أن فمها الجميل سيفرج عن بسمة صافية صفاء أمواج البحر خلفها ،ثم أسحب يدها وأضمها إلي يدي .
وهنا بمدينتا الممتدة على شاطئ البحر ، وفي ليلة واحدة مفاجئة ،غادرت حرارة الصيف المتوغلة في الخريف وهبط الخريف المتأخر بنزلة واحدة ، وتحول الحر لبرد شديد ،واكتظت السماء بسحب مثقلة محملة، وأسرعت أفتح دولابي لأبحت عن معطف شتوي أتدفأ به ، ووضعت ربطة عنق بهيجة،ثم وجدتني أغادر في أتجاه الشارع ملوحا لأول سيارة أجرة.
تيارات في جسدي تفقدني السيطرة على أفكاري وقراراتي ،وقدماي لا تطاوعاني أبدا، بل تسيران عنوة عني في طريق عرفتاه فقط مؤخرا وأنشقتا عني بسببه، ثم وجدتني هناك في الطابق العلوي جالسا أراقب حركاتها.
أربع طاولات غطت المكان كالعادة فشغلت منها واحدة ،وشغل شاب ومرافقته واحدة ،فيما طاولة القاسم فارغة تصدح بأنشودة ماضية محلقة .
جلست ووضعت رجلا فوق الأخرى وقد مضت ثلاثة أيام على أخر تواجد لي هنا رفقة عزيز، وانتظرت قدوم سعاد لأطلب شيئا، ومضى وقت يسير غلبته همهمة الرفيقين خلفي وأصوات كؤوسهما وهي تلامس الطاولة ،ولم تحضر ناحيتي...
وتضاعف ما مر من وقت دون أن تعيرني اهتماما بل كانت تلازم كرسيها هناك خلف منضدتها، ثم هل زبون أخر، وقصد طاولة القاسم ،فتحركت من مكانها بحرفية غير مخفية أبدا ،فأدركت أنها لا تفلت شيئا في زاويتها، ثم قصدت زبونها وبادلته عبارات تحية رقيقة ،وجلبت ما أراد وضعته أمامه دون أن تلتفت ناحيتي ... وقصدت منضدتها من جديد، فنطقت بصوت أجش مخنوق قائلا :
-سع......اد
وبدا أنها لم تسمعني فرفعت صوتي:
-سعا...د
والتفت ناحيتي وتوقفت للحظة راقبتني فيها بعيين جامدتين ،قبل أن تكمل طريقها إلى منضدتها تاركة إياي أسبح في بحر تساؤلاتي فيما قدماي ترفضان مطاوعتي ومغادرة المكان ، واستسلمت لقادم مجهول ومغامرة بدت غير مأمونة ، وحلقت العصافير بجملتي الأولى قبل أن أغادر المنزل، وأدركت أنها لن تبتسم لإعجابي بعينيها ولا بما سأقوله من كلمات تشتت أمامي تباعا، وفاض البحر خلفها فجأة وملأت جوفه متاهة كبيرة ،وأطلت جلوسي قليلا غير مدرك لما علي فعله قبل أن أشاهدها تتقدم نحوي حاملة صينية شاي صغيرة ، وضعت منها براد شاي أمامي وقالت بهدوء وطيبة :
-لم يتبقى لي برتقال اشرب الشاي وغادر أرجوك
ونظرت إليها نظرة متعلقة تفيض رغبة ، واخترقت نظراتي المشتعلة جسدها وتملت فيه وقلت:
-لا أستطيع أن أغادر سعاد أنا هنا من أجلك، رسم وجهك لا يفارق خيالي أبدا
-المكان ليس مكانك
-أنا معجب بك للغاية سعاد
-لست أهلا لذلك
-أشياء كثيرة تعتمل في صدري لأجلك
-ليس هذا مكانك
-إذن نختار مكانا غيره
-هو مكاني أنا ولا مكان لي غيره أبدا
-نأخذ مكانا ونجلس في مواجهة البحر كالناس
وابتسمت بسمة جافة ميتة وقالت:
- وتضمني إليك وتخبرني أنك تحبني ........
وأشارت للشاي أمامي وقالت:
الشاي . على حسابي وغادر أرجوك
-أريد أن أحدثك...بل لابد أن أحدثك سعاد
-لا حديث بيننا ........ أرجوك
-لا تكوني قاسية على الأقل اسمعيني
تجهمت ملامحها قليلا وبدا عليها الانزعاج وقالت:
-أي كان اسمك أطلب منك ،المغادرة ليس المكان لك.. أنت تزعجني و تعيقني عن عملي
-أليس مكانا عموميا ولا حق لك في طردي منه
-أنا لا أطردك بل...
وتوقفت لتبحث عن كلمة مناسبة فنطقت قائلا:
-بل تطردينني كالكلب غير مراعية لمل يعتلج في خاطري
- لا حاجة لي بحديثكم .... ولا ما يعتلج في صدوركم ...ألن تغادر
-لا أستطيع
-إذن ...اجلس لكن لا تزعجني أرجوك والشاي على حسابي
وهمت بالمغادرة فانشقت يدي عني دون سابق إنذار وأمسكت يدها وسحبتها إلى المقعد، وبدا أنها تفاجأت لفعلي لكنها أكتفت بالنظر إلي يدي ،وقالت بحدة وغضب:
- أفلت يدي..
وقلت بلغة غارق يتمسك بقشة عابرة :
-لابد أن تعذريني وتجلسي لأتحدث إليك
وبعينين طالما تعلقت بهما تفحصتني مليا وقالت وهي تعدل جلستها وتواجهني بوجهها المضيء وتضع يدا فوق الأخرى :
-ماذا تريد...ها أنا قد جلست...هيا قل ما تريد أنا أسمع
ورشفت رشفة من الشاي الذي أعدت فأعجبت بمذاقه الجميل بالشيبة وقلت:
-شايك رفيع للغاية
-وأفلتت منها بسمة صافية وقالت:
-بصحتك...إذن هل أسمع كلامك لأتفرغ لعملي
-ليس هكذا سعاد...لا أستحق منك هذه القسوة
-قسوة.... أنتم أخر من يتحدث عن القسوة
وركزت نظرها إلي منتظرة كلامي، فتلعثمت كلماتي ولم أعرف ما علي قوله ولا ما علي فعله وبدا أنها أدركت ارتباكي فقالت:
-ألم أقل لك المكان ليس لك....هل كنت تتوقع أن تفيض بسمتي لكلماتكم وأناشيدكم أو تذوب مشاعري: وأغطس في بحر حبك .....هل يعجبك معطفك وربطة عنقك لهذا الحد ؟
وبدا أني ضيعت كل حبال النجاة أمام نادلة قوية بهذا الشكل فرميت أخر جملة نجحت في تركيبها قائلا:
-أريدك أنت....سعاد أنا هنا من أجلك فقط
مطمطت شفتيها بسخرية ، وقالت بهدوء كبير وطيبة وثقة أكبر:
-لست لك .....لا أليق لك ..ألا تفهم أنت تضيع وقتك
-كفاك قسوة علي
تراجعت للخلف ونظرت إلي وقالت:
قسوة.... أنا قاسية أنت لا تفهم بالطبع ..هذه ثاني مرة تكرر هذه الكلمة .
وبدا أني بدل أن أفلح في تليين خاطرها أفلحت في تأجيج غضبها، فقالت وهي تشير لأسنانها:
- هذه ليست أسناني، أبليتها جميعا في الشرب ماذا تريد من واحدة متلي ،يكفيني ما قاسيت بسببكم ،هل سأسمع كلامكم الكاذب أيضا هنا...هذا مكاني وهو ليس لكم ....أنتم القساة..أنتم..
وقلت بلغة مستنجد وقد نجحت أيضا في لفت نظر الجالسين
-سعاد.. أرجوك لابد أنك تحسين بي
وبدا أنها تأففت من كلامي للغاية وطغت علامات انزعاج كبير على محياها وقالت:
-إحساس........هل قلت إحساس ؟ هل أبدو لك ممن يملكون هذا النوع من الإحساس .؟..هل أبدو لك زهرة غرة تتفتح الأن في انتظار يعسوب جاهل يمتص رحيقها ويركلها؟..... كم أنتم مغرورون...
-أنت لا تفهميني
-بل أفهمكم... أفهمك الآن وأنت تتلعثم أمامي ، وأفهمكم بعد مدة ،وبعد أن تنالوا ما تريدون ، وأنتم تنظرون إلي نظراتكم المنحطة .... كلكم متشابهون تتذللون في البداية، ثم تكملون الطريق بعد إشباع نزواتكم...........ما أحقركم وأنتم تتذللون للأنثى.....أنظر لحالك وأنت تفتقد الكلمات أمامي ....
ثم وهي تنهض وتضع يديها على الطاولة وتواجهني بعينين متقدتين
-هل تريد أن تعرف ...أكرهكم وأنتم هكذا .....تتبعون شهوتكم حد الإذلال
ثم نظرت جهتي بلفتة جانبية وهي تعطيني ظهرها وقال
-لماذا لا تشرب شايك وتغادر لحال سبيلك
وتحركت بجسدها الجميل تتلوى أمامي كقطعة من نعيم ممنوع ،وشملني إحساس كالصاعقة وصدمتني كلماتها ....وكأني تلقيت صفعة من مارد هائل ،وتسارعت أنفاسي ،وضاعت كل الكلمات مني دفعة واحدة ، ووضعت الكأس من يدي وقد غلفتني الحقارة والخسة ، ومكثت بمقعدي لبرهة حثى لا أثير انتباه الجالسين أكثر ، ثم لملمت ما بقي من عزيمة بجسدي لأقف على قدمي الملعونتين ،وتقدمت نحوها إلى منضدتها وقد كانت بصدد الحديث في الهاتف ،ووضعت ورقة نقدية على المنضدة وقلت:
-إنه حساب الشاي......لا أسمح لأنثى بالأداء بدلا عني
ونظرت إلي نظرة ساخرة ملعونة لن أنساها أبدا وقالت:
-عمري الآن واحد وثلاثون سنة ، هل تراني في حاجة لغزلك وكلماتك المعسولة ؟ هل تراني أحتاج طفلا مثلك يتلعثم أمامي بهذا الشكل؟ أين صديقك ليأخذك بعيدا عني؟
ثم رن هاتفي وكان عزيز على الخط:
-يا مجنون فضحتني .............فضحتني............... الله يفضحك ...أخرج من هناك أخرج وغادر لحال سبيلك سعاد لا تليق لعشقك أبدا
وغادرت أعد الأدراج عدا كأني أخذت قلما على قفاي ، ونزعت ربطة عنقي البهيجة ولوحت بها بعيدا إلى أقصى ما استطاعت يدي ولعنت في خاطري شعورا قادني إلى نادلة مسحت بي الارض مسحا وقلت:
-كان يوما ملعونا يوم رافقتك هنا يا عزيز الشؤم

تمت

 

حسن التازي غير متصل   رد مع اقتباس