منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الذّاكرة
الموضوع: الذّاكرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2016, 08:22 AM   #2
فاطمة الزهراني
( كاتبة )

الصورة الرمزية فاطمة الزهراني

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 0

فاطمة الزهراني سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفايةفاطمة الزهراني سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


الذاكرة (2)

كان هناك فتاة تعيش حياتها بلا ذاكرة لا تعرف شيئاً عن الماضي ولم تُبالي ،، الماضي لا يعنيها لانه لا يتبقّى شيئٌ منه في ذاكرتها ،، عاشت بين أقرانها براحة وخفّة حيث كانت الوحيدة التي لا تحمل فوق ظهرها أثقال الماضي فليس هناك ماضي لتحمله .

مرّت السنوات ونضجت الفتاة ومع زيادة وعيها بدأ إحساس مُزعج يواكب على مداهمتها الاحساس بالاختلاف فلم تكن كنظيراتها من الفتيات فلكل واحدة منهنّ ذكرى تحملها معها ،، تشارك بها رفيقاتها ، أما هي فلم يكن هناك سوى الفراغ ،، لا ذكرى لا أحداث ،، تبقى صامتة فلا ماضي لتتحدث عنه، عزلت نفسها عن محيطها وأصبحت فريسة لأنياب الحزن والاكتئاب ،، أهملت تفاصيل حياتها وركزت كافة جهودها في محاولة لإيجاد طريقة تنعش بها ذاكرتها. وتعيدها الى الحياة، فلا تُريد أن تكون مُختلفة عن غيرها، تريد تذكُّر السعادة فتضحك لها تذكُّر الحزن فتبكي له تذكُّر أسماء مرّوا في حياتها أوجه وأشخاص،، إستمرّت أشهرٌ عّدة في البحث دون كللٍ أو ملل حتى وجدت ضالّتها ،، طبيب متخصص في زراعة الذاكرة ،، شريحة يتم زراعتها في الدماغ وما إن يتم تفعيلها حتى تعود كافّة الذكريات لصاحبها بأدقّ تفاصيلها ومشاعرها،، لكن ولأن لكل شي جانبين سلبي وإيجابي كان جانبه السلبي أن تكون المشاعر حبيسة حياتها ما بقيت تفاصيل الذكريات ستلاحقها أينما حلّت ،، لم تجد ما يمنع وإن كانت ستحملها فهي تحتاج إلى ماضي تحمله كما يحمله غيرها ،، ابتهجت وشعرت بمياه الحياة تعود إلى جسدها، أسرعت للحصول على أقرب موعد، وظلّت تعدُّ الايام بإنتظار حلول اليوم الموعود حتى تناهى إلى مسامعها صوت المنبه مُعلناً حلول الحدث الأكبر في حياتها

***************

في اليوم المنتظر قابلها الطبيب المسؤول رحّب بها بحرارة
قال لها بابتسامة هادئة "لا ياتينا الكثير من الناس يطلبون منا زراعة ذاكره لهم فهل أنتي متيقّنه مما تريدين "

أجابت بثقه " نعم أنا أريد ذاكرة أريد ماضي أريد مشاعر أحملها معي كغيري "

طرَقَ بأصابعه على سطح المكتب عدّل نظارته على أنفه وأضاف " لكن هناك جانب سلبي عليك معرفته وأنا كطبيب مهنتي تُحتم علي أن أكون شفافاً وصريحاً مع من يأتيني من مراجعين"

" زراعة الذاكره تُعتبر من عمليات اليوم الواحد لا تستغرق الكثير من الوقت ، تأتينا في الصباح لعمل الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامتك وخلوّك من أي مشكال صحيه، وبعدها يتم وضعك تحت تخدير موضعي ونقوم بحقن شريحة صغيره في منطقة معينة من الدماغ وما إن تتفعل حتى تبدأ بجمع الذكريات الموجودة في مراكز الذاكرة وترسلها من خلال السيالات العصبية الى القشرة المخية فتسترجعينها "
" الجانب الذي قد نعتبره سلبي هو عودة الذكريات بكامل تفاصيلها كما حدثت وكأنك تنظرين اليها، وستأتيك كلها دفعة واحده فلا نستطيع التحكم بمعدل الذكريات وهو ما قد يرهقك ويصيبك بالصداع الشديد والالم، وقد يُصاب المريض ببعض المضاعفات مثل اضطراب مفاجئ لتوازن الجسد وفي حالات نادرة . قد تحدث إغماءات ولكن أستبعد كثيراً حصول ذلك "

صمتت ،، أعادت التفكير في كلامه، قالت لنفسها لا أستطيع أن أتراجع الان ليس بعد كل ما تكابدته من عناء البحث، فها هي الفرصة أمامي إن ضاعت فسأظل ما بقي من عمري إنسانة بلا ماضي وسأظل أعاني من مرارة الاختلاف
قالت بتصميم " لا بأس أنا موافقة وسأتحمل كل ما يأتيني من تبعات لهذه العملية "

"حسناً ،، لن تستغرق العملية وقتاً طويلاً ويمكنك العودة الى المنزل ما إن ننتهي،، ستشعرين بوخزه صغيره دون الم ،، قد تصابين بصداعٍ مؤقت وهو أمر طبيعي لان الشريحة ستقوم باسترجاع الكثير من المعلومات منذ ولادتك وحتى هذه اللحظة مما سيثقل ذاكرتك"

حدد لها موعداً ، خرجت من العيادة تشعر برغبه في الطيران، كانت تريد أن تصرخ أمام كل من تراه وتقول أنتظر لترى من أنا ومن أكون إنسانة أخرى . بماضي وذكريات فلست أفضل مني في شيئ ،، لم تنتبه بأنها كانت تمشي وهي تتقافز فالسعادة تغمرها بشكل لذيذ، عانت كثيرا من الحزن وهاهي الأيام السعيدة على وشك الحدوث

في اليوم المحدد وفي غرفة الإنتظار وضعت سماعات الاذن تعزف الموسيقى الهادئة. أرخت رأسها على الكرسي كانت تحتاج الى شيئ من الهدوء لم ترتشف قهوتها الصباحية التي اعتادت عليها رضوخاً لطلب الطبيب لذلك احتاجت الى بديل يعمل بنصف عمل القهوه ، قضت أيامها التي تلت مقابلتها مع الطبيب في تخيل نوعية الذكريات التي ستأتيها وتصوّر الماضي ، كانت تشعر بنشوة عجزت أن تنام مبكراً بسببها، بعد لحظات سمعت بإسمها توجهت مع الممرضة الى غرفة الفحص الاولية. حيث عُمل لها التحاليل اللازمة، قاست الممرضة ضغط دمها والوزن ومُعدّل ضربات القلب ، بعد إنتهاء الاجراءات تم تثبيت سوار حول معصمها كُتب عليه إسمها ، عادت لغرفة الانتظار ، شعرت بالتوتر يتزايد ،، الان أصبح كل شيئ حقيقي فها هي تستعد لاجراء العملية ولا مجال للتراجع ،، تنفست بعمق في محاولة للسيطرة على توترها، قالت لنفسها مطمئنة " يمكنك فعلها " أغمضت عينيها في قوة الى أن شعرت بيد تهزها ، أتاها صوت الممرضة تخبرها بانه قد حان دورها، خفق قلبها بشدة، نهضت بتثاقل، هذا ما كانت تريده وتبحث عنه منذ زمن، لكن لا تعلم ماذا أصابها تشعر بخوف وتردد، توجهت الى الغرفة، سلمتها الممرضه الرداء الخاص ، إرتدته واستلقت على السرير المخصص لها ،، كانت ترتجف لا تعرف أمن التوتر أم من برودة الغرفه فهواء المكيف يصل الى جسدها من خلال ثيابها الرقيقة والتي لا تكفي لتدفئتها.

"صباح الخير"

اقترب منها الطبيب وابتسامة هادئة تعلو محياه

ردت بتوتر " صباح النور "

" هل أنتي مُستعدّة " ؟

هزت رأسها علامة الموافقه،، وضع يده على كتفها مُطمئناً ،، " لا تقلقي كل شيئ سيكون بخير"

ساعدته الممرضة في لبس الملابس المخصصة لهذا النوع من العمليات ارتدى الكمّام الطبي وفي صوت مكتوم قال لها " سنقوم بحلاقة جزء صغير من شعر الرأس حتى يتسنى لنا حقن الشريحة بعد ذلك سنقوم بحقنك بإبرة التخدير الموضعي، فقط استرخي وتخيلي نفسك في أجمل مكان تريدين الذهاب اليه "

أغمضت عينيها وصوت جهاز الحلق يصرخ بإزعاج ، لم يدم الصوت لثوانٍ حتى عمّ الهدوء وصوت نبضات قلبها يعزف لحناً خاصاً، كانت تفتح عينيها تارة تُحدق في سقف الغرفة وتاره تُغمضها محاولة إيجاد صورة سريعة تكون لها المهرب من غرفة العمليات ،

رأت السماء زرقاء صافية تزينها الغيوم ،، طفلة تحادث شقيقتها التي بالكاد تُسيطر على إستقامة جسدها حتى لا تسقط .

قالت بصوتها الطفولي " أنظري الى هذه الغيمه سأمتطيها وأرحل بها بعيدا "، نظرت اليها شقيقتها دون أن تفهم الا أنها مبتهجه لحماس أختها الكبرى ،،

نظرت الى الغيوم بدورها تأمّلت الاشكال قالت للطفله " أنظري لتلك الغيمه تُشبه الارنب "،

" أرنب كبير جداً "

" أجل"

" أنا لدي أرنب لكنه رحل الى السماء كما تقول أمي ، ثم أشارت الى الغيمة قد يكون هو ذاك قد تحول الى غيمة"

إبتسمت لها برقه " أجل قد يكون"

شعرت بوخزه في رأسها ،، بدأ جسدها يثقل ، أحست بتنميل في أطراف أصابعها، كانت هناك همسات تأتيها من بعيد لا تستطيع تمييزها

بعد مُدّة لا تدري كم استغرقت ، سمعت صوت الطبيب " لقد انتهينا "

فتحت عينيها طالعها وجه الطبيب مختفياً خلف الكمّام الطبي ، نظرت اليه في ذهول " هل انتهى،، هل هذا كل شيء "

انتزع الكمّام وابتسم لها بلطف " نعم هذا كل شيئ،، ابقي مستلقية لبضع دقائق حتى تخبرك الممرضة بإمكانية إنصرافك ، سأصف لك عقاقير مسكنة في حال أن داهمك الصُداع، يجب أن تحرصي على أخذه بإنتظام، وعليك بالراحة ولا ترهقي نفسك ،، سأراكِ بعد أسبوعين للاطمئنان عليك "
شكرته وهي لا تكاد تصدق أن هذا كل شيئ خشيت أن تسمع صوت منشار يشق جمجمتها ، شعرت بالارتياح واراحت جسدها على السرير

......

 

التوقيع

أحلامنا غذاء يُبقينا على قيد الحياة ،، بلا أحلام تموت أرواحنا

Instagram @E.FATAT

فاطمة الزهراني غير متصل   رد مع اقتباس