منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الذّاكرة
الموضوع: الذّاكرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2016, 10:09 AM   #5
فاطمة الزهراني
( كاتبة )

الصورة الرمزية فاطمة الزهراني

 







 

 مواضيع العضو
 
0 كيف تجرُؤ !!
0 الذّاكرة
0 نَم يا حبيبي
0 تساؤل

معدل تقييم المستوى: 0

فاطمة الزهراني سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفايةفاطمة الزهراني سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


الذاكرة (4)

أفاقت من نومها وهي تبكي يا الهي لم أقصد أن يحدث ذلك أنا لم أفعل شيئاً قائد السيارة هو القاتل ولست أنا، ظلّت تبكي لا تعرف لكم من الوقت ، شعرت برأسها يكاد ينفجر، نهضت، بحثت عن العقاقير المُسكنة، عجزت عن العودة إلى النوم ، وأخذت تفكر بتلك الحادثة، حدثت وهي في الثالثة عشر من عمرها كانت تحب أن تلهو مع طفل الجيران ابن الخامسة وكان هو وحيد أهله لم يُرزقوا بغيره، كلما أتت لمنزله لاصطحابه معها كانت والدته تُشدّد عليها بوجوب الانتباه اليه والحرص عليه، كانت تخاف فقدانه، في الأيام التي يكون فيها الجو بارد كانت تُغلق الابواب والنوافذ وتمنعه من الخروج خشيه أن يُصيبه مكروه
وفي تلك الليلة بالذات لم تكن والدته ترغب في خروجه لكنها أقنعتها بأنهم لن يتاخروا وسيكونون قريبين من المنزل،

لا تعلم كيف حدث كل ذلك كيف ارتفعت الكرة وارتمت بعيداً كيف سبقها الطفل وهو يلحق بالكرة ، والسيارة من أين أتت وهناك قلة من السيارات تمر من هذا الطريق.

حدث كل شيئ بسرعة، والكل لامَها على إهمالها، حادثة أثرت عليها زمناً طويلاً ولقد نسيتها مع حالة النسيان التي أصابتها فجأة بعد تلك الحادثة بخمس سنوات، والان ها هي تتذكرها وتشعر بالالم وكأنّ ماحدث كان بالامس.

لا تعلم ماذا حدث لوالدة الطفل الان وبعد مرور ثلاثة عشر سنة هل تعافت أمه هل رُزقت بغيره، أصابها الفضول لتتبّع أخبارها رغم أن هناك شيئ داخلها ينبؤها ألا تفعل ذلك .

عند حلول الصبح عقدت العزم على أخذ إجازة من عملها لتتوجه الى المكان المنشود حيث منزلهم القديم وحيث وقع الحادث، احتاجت الليل بأكمله كي تتذكر موقع منزلهم القديم

كان منزل ريفي ابتاعه والدها بما تبقى له من مال بعد طرده من العمل بسبب وجود اختلاسات مالية لم يكن له يد فيها غير أن العقوبات طالت كل من كان يعمل في دائرة الحسابات، كانت أيام سوداء ازدادت فيها المشاكل بين والديها، أيام عصيبة كانت تفزع كل يوم من نومها على مُشادات كلامية بين والديها كانت في بعض الأيام تتحول الى صفعات ترى آثارها في اليوم التالي على وجه والدتها ، كانت تشعر بالخوف الشديد كلما بدأت ثورة والدها مما أيقظ فيها الاحساس بعدم الامان الذي لازمها الى وقتها الحالي .

تنهدت في ضيق لم يكن هذا ما تريده وتتوقعه من إرجاع الذاكرة لها كانت تريد الذكريات السعيدة المواقف المُضحكة ليته زرع لها شريحة لاسترجاع الذكريات السعيدة فقط ، لاحت لها المنازل الريفية من بعيد، كان المنظر باهراً من تلك الأمكنة التي يحتاجها الفرد للاستجمام والاحساس بالسلام الداخلي ، بِسماء زرقاء صافية، سهول خضراء وهواء نقي ، ورغم ذاك كانت تكره هذا المكان بسبب ما عاشته من أيام عصيبة وذكريات سيئة، فكانت تنتظر اللحظة التي ستغادره فيها كانت تُخطط بأن تلتحق بأحد الجامعات البعيدة مما يسهل عليها وجود عذر للابتعاد عن عائلتها، حقيقة أنها لم تكن تُحبّ والديها ولم تربطها بهم أي علاقة تحوي مشاعر أسرية، أمها بائسة دائمة الحزن والتذمَر، لا تذكر يوماً رأت فيه أمها سعيدة كانت تقول دائماً أنها تكره والدهم وتتمنى لو أنها لم ترتبط به، ووالدها لم يكن أفضل حالاَ منها كان يثور لأتفه الأسباب لا يخلو يوم من صراخه، ومنذ أن غادرتهم لم تعد اليهم ولم تحادثهم وهم بالمقابل لم يؤرقوا أنفسهم عناء السؤال عنها وكأنهم كانوا بانتظار هذه اللحظة حتى ينزاح شيئ من الحمل عن كاهلهم، بذهابها اختفوا عن حياتها وكان ذلك أفضل لها.

وصلت للمكان ولكن لم تتذكر شكل منزل والدة الطفل، مشت في الارجاء وهي تتامل لعب الاطفال، مرت على أحد النسوة سالتها عن منزل عائلة الطفل فلم تتعرف عليه كانت جديدة لكنها دلتها على أحد المحلات حيث يعمل بها رجل منذ زمن ويعرف كل من فيه، توجهت الى حيث أشارت والتقت بالرجل أعادت عليه اسم العائله أخذ لحظات ليتذكر الاسم فعرفه ودلها على المنزل،

في خطوات مترددة توقفت عند المنزل المُشار اليه، نظرت اليه لم تُميّزه هل هذا هو المنزل الذي كانت تتوقف أمامه بشكل دائم تطلب من صاحبة المنزل أن تسمح لها بأخذ الطفل لتلهو معه وتعيده قبل أن تغيب الشمس، اعتلت درجاته الثلاث وطرقت الباب شعرت بقلبها يخفق بشدّه، كانت أصابع كفيها ترتجف، انتظرت لحظات حتى سمعت وقع خطوات أقدام تقترب من الباب، فُتح الباب ليطالعها وجه إمرأه شابة ،،

" مرحباَ، مساء الخير "

" أهلا "

" هل هذا منزل عائلة مُحيي الدين "

" نعم تفضلي "

" كنت أريد أن أسال عن والدة فواز هل هي موجودة"ظ

تغير وجهها عند سماعها السؤال عن والدة الطفل،، " ولماذا تسالين عنها من أنتي؟ "

" أنا كنت جارة لها قبل أن أنتقل الى منزل آخر، أتيت الى هنا لعمل وأردت أن أُلقي عليها التحية قبل أن أغادر "

" لكن والدة فواز ماتت منذ سبع سنوات "

صُعقت عند سماع الخبر " ماذا ماتت؟؟ ،، وكيف حصل ذلك؟ "

صمتت قليلاً " لا يمكننا التحدث هكذا أمام الباب هل تودّين الدخول "

" أجل، شكراً "

احتضنت بيديها كوب الشاي الذي قدمته لها، كانت تشعر بالاختناق لقد ماتت والدته، ماتت دون أن تعلم هل سامحتها أم مازالت تلومها على موت طفلها

" منذ متى وأنتي تعرفين والدة فواز " ؟ سألتها المرأة الشابة

أطرقت برأسها تنظر الى كوب الشاي تتصاعد منه الابخرة لطالما أحبت تتبع الابخرة ورؤيتها وهي تتلاشى في الفضاء

أجابت: " لقد كنت طفلة عندما انتقلت مع عائلتي الى هنا لا أذكر أين كنّا نسكن حيث أني تركت أهلي عند التحاقي بالجامعة ولم أعد أبداً الى هنا، أعرف أن أبي ترك المنزل ورحل مُخلفاً والدتي وحيدة دون عائل حتى توفيت كمداً لم أره منذ ذلك الحين ولا أعلم الى أين ذهب أو اذا مازال على قيد الحياة "

" أنا آسفة لسماع ذلك لا بد أنها ذكرى عصيبة عليك "

" نعم .. كثيراً "

حلّ الصمت الثقيل والكل سارح في ماضيه المؤلم، "والدة فواز ماتت منتحرة"

" لقد توفيت جرّاء جُرعة دواء زائدة كان قد وصفه لها الطبيب لعلاج الاكتئاب الذي أُصيبت به بعد وفاة طفلها عانت كثيراً ولم تتتقبل فكرة رحيله عنها حتى قررت أن تُنهي حياتها بجرعة مُفرطة من الدواء ماتت وحيدة ولم يشعر أحد بها الا بعد عدة أيام ، كانت ترفض رؤية أحد أو التحدث مع أحد لذلك كانت تُترك وحيدة تجنباً لثورتها،، أنا أختها الصغيرة وقد ورثت هذا المنزل عنها فهو ما تبقى لي منها بعد وفاتها "

قادت سيارتها مسرعة بين الطرقات ،، لقد انتحرت ،، ماتت بجرعة دواء مُفرطة ،، كانت الكلمات تتردد على مسامعها كخناجر تدق رأسها ،، لم تتقبل وفاة طفلها إذاَ هي مازالت تلومها ،،

شعرت بالغثيان توقفت على جانب الطريق وأسرعت تفرغ مافي جوفها شعرت بمعدتها تكاد تخرج من فمها، انهارت على ركبتها وهي تبكي يا الهي لماذا يحدث ذلك لي، هذه أول ذكرى تأتيني أي ذكريات أخرى سيئة تقبع هنا في رأسي، لقد نسيت هذا الحادث كما نسيت غيره، نسيت قسوة أبي واهمال أمي، نسيت وحدتي الطويلة، لقد نسيت كل ذلك وأتيت بقدمي لاعيدها الي مرة أخرى

ليس هذا ما أرادته لم تكن تتنظر هذا النوع من الذكريات، تذكرت كلام الطبيب وهو يحذرها من مغبة اقتحام الذكريات المؤلمة والاحاسيس الي ستعتليها جراء أحداث سيئة وكأنها حدثت للتو ..

عادت الى عيادة الطبيب مُصممة على رؤيته ، أخبرتها موظفة الاستقبال بأن مواعيده مزحومة الا أنها أصرت على موقفها و ستنتظره وإن بقيت حتى الصباح

مرّت الساعات وكل ساعة تمر يزيد توترها شعرت بألم في فكها بسبب ضغطها على أسنانها لم تشعر بذلك فحاولت السيطرة على نفسها، ستُخبره بأن ينتزع تلك الشريحه منها لم تُكمل أسبوعها الاول وهاهي تقبع تحت رزحة الالم ليس بمقدورها تحمّل ذكرى مؤلمة أخرى، لا يعنيها الان الماضي سواء السعيد منه أو الحزين، فإن كان بحياتها شيئ من ماضي سعيد فيكفيها أنها قد عاشته عاشت دقائقه وثوانيه وشعرت بالنشوة لذلك فما المغزى من أن تُعيد سعادة انتهت إلى حاضرها مرة أخرى، لم تُفكر بذلك لم يدُر بخلدها سوى فكرة واحدة أن تكون مثل الاخرين كانت تكره اختلافها عنهم ولم تعرف أن هذا الاختلاف كان نعمة يحسدها عليه الكثير، الان فقط عرفت لم كانت كل يوم تنهض وهي تشعر براحة وخفّة تذهب الى العمل تكاد تطير تنشر ابتساماتها بين كل من حولها بينما هم يمشون كمن على رؤوسهم جبال من حديد يعجزون عن رفع رؤوسهم والنظر أمامهم ورؤية الحياة .

نعمه لم يكن يتمتع بها سواها والقليل ممن هم على شاكلتها، لكنها رفضت الابقاء على هذه النعمه وقررت التخلص منها من نعمة صفاء الذهن وخلوه من تراكمات الماضي، لكنها ستلحق مافات مازل الوقت باكراً لم تستعد الشريحة سوى موقف واحد يمكن للطبيب أن ينتزعها وتكتفي بما تذكرته لن ترحل من هنا حتى يخلصها من هذه الشريحة المشؤومه.

 

التوقيع

أحلامنا غذاء يُبقينا على قيد الحياة ،، بلا أحلام تموت أرواحنا

Instagram @E.FATAT

فاطمة الزهراني غير متصل   رد مع اقتباس