منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2020, 11:29 AM   #21
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وعندما شعر مؤيد برضا فطين نظر إليه مبتسمًا ..لنرحل إذن .

الجزء التاسع
العلم مع ضمير حيّ معيار حضارة عريقة..
الحركة بتأثير الدماغ ..
عاد فطين إلى البيت مثقلاً بالأعباء والهموم ، لا يدري كيف يواجه ولده بمسألة تأخير سفره إلى أجلٍ غير مسمى .
دخل حجرته فوجد الحبال الثلاث فأزاحهم ثمّ قطّعهم وقال ..لا انهزام ، لا انكسار، لا قضبان .. ثمّ أقبل على ابنه وفرد جسده ليتحرّر .
جلس بجانبه وما زال فهمان يغطّ في النوم ، ثمّ تذكّر كلمات مؤيد الأخيرة ..
"ركّزْ تركيزًا شديدًا سوف تُفعّل مباشرة ، ركّزْ على ألعابك السحريّة وسوف تأتي بالخوارق بالفعل ..ارفعْ التذكرة وقمْ بعمل الدعاية سوف تحصد مالاً كثيرًا "ظل يحادث نفسه حتى رنّ الهاتف فانتبه.
إنّه مؤيد .
حذّره عبْر الهاتف قائلاً .البروفيسور يسلّمُ عليك ويقولُ لك..
ركّزْ وتخيّلْ أنك تنقل الأشياء وهي سوف تنتقل مباشرة ، وما دام التركيز مستمر ستظلُّ في حراك متواصل ، وعند زوال التركيز يزول تأثير الحركة فيها ، وإيّاك أن ترهقها فالبروفيسور قال لو أكثرتَ مِن التركيز فستتلف عقلك وستتلف أيضًا الخليّة .
ردّ عليه فطين بأنّ الفكرة قد أدركها تمامًا .
أنهى الطبيب مؤيد مكالمته..
ظلَّ فطين يفكر في الأمر كثيرًا واهتدى لفكرة مبتكرة تعتمد على الحاسوب العصبوني برأسه ، وغدًا يعدُّ لها العدة .
نزل بعض المحلات التي تبيع الأدوات السحريّة واشترى مستلزمات اللعبة السحريّة الجديدة ، وعزم على عمل ألعاب تتحرك بفعل خليته الصناعيّة ، وهمس لنفسه بها وسمّاها "الحركة المعلقة ".
دخل حجرته وأغلق الباب حتى لا يشاهده فهمان ، أعدّ ترتيبات التجربة وفي كلِّ مرّة تفشل ، شغّلَ الكمبيوتر وفتح بعض الكتب حتى يستطيع أن يؤدّي التجربة بنجاح ، وبعد بحثٍ مضنٍ وعمْل التجربة مرات عديدة نجحتْ بامتياز .انتفضَّ مِن مكانه فرِحًا مُهللاً .
اليوم التالي أرسل منسقو ألعابه إلى أهل الحيَّ وأخبروهم باللعبة الجديدة ، ونادوا في الأحياء المجاورة بأنّ الساحر فطين سوف يعلّق الأشياء ويجعلها تثبتُ ضد الجاذبية الأرضيّة .
وأنّ سعر التذكرة ستتضاعف في هذه التجربة إلى مئة ضعْف .
سمع فهمان الأخبار فصُعق وشعر بالذنب ولكنّه آثر الصمت حتى حين .
والملاحظ أنّ هذه الزيادة دفعت الناسَ إلى الفضول ممّا زاد عددهم وتتابعوا حتى افترشوا الشوارع ، انفضَّ عنه كلّ الفقراء وخاصة آكلوا صناديق القمامة ، لكنّها أرسلت الفضول إلى الفئات الأخرى .
فتتابع كلّ الناس غير الفقراء لمشاهدة العرض ، وممن حضروا ..الأغنياء ، وتيارات إسلاميّة متطرفة ، وأعضاء في حركة مذهب التنوير، وشخصيات سياسية ، وأفراد من الأمن القومي المصريّ ، وبعض وسائل الإعلام .
وقربت ساعة الصفر فانطلقَ فطين مِن منزله يصاحبه ولده حاملاً حقيبة العمل .
وصلَ إلى السيرك وهاله المشهد ، تفحّصَ المشاهدين وأيقن أن الجُحر الذي يعيش فيه هو وابنه سوف يكون أمام مرمى سمْع وبصر البلد كلّها وقد ارتاع لهذا كثيرًا وانقبض قلبه .
ناوله فهمان بعض أدوات التجربة فأمسكها وطرحها على الطاولة مستاءً وقال له ..انتظر يا ولدي ، ثمّ نادى على أحد المنسّقين له قائلاً ..
أين أهل الحيّ ؟ أين أصحاب جحور النمل ؟ سمعها فهمان فانفرجت أساريره وزفر زفرة طويلة كأنّ ثقلاً رُفع من على قلبه الآن .
فأجاب المنسق ..يفترشون الشوارع المجاورة ويلتحفون بنجوم السماء .
ترك فطين موقعه غير مكترث للحاضرين وذهب إليهم ، فسمع قولاً لأحد الأطفال لأبيه..أبي "هو عمو فطين طردنا ؟ "
فهرع إليه وأبصره فوقف الطفل وتبعه أبوه وقوفًا ، ركّز فطين على الطفل فوجد دموعه على خدّه ، تنزل على شفتيه المشققتين ، نظر إلى ثيابه فوجده مرقّعًا .
نادى عليهم جميعًا قائلاً ..إخوتي وأبنائي لن يرقد فطين مرقده اليوم حتى تروا جميعًا عرض الليلة ، والتذكرة سنضاعفها مرّة واحدة ، فهلّلوا جميعًا .
قفل راجعًا ، وقف أمام الطاولة وبجانبه ابنه وقال .. نبدأ باسم الله ..وتوكلتُ على الله..
ألقى على الطاولة بعضًا مِن قطع المعادن ذات حجم كفِّ اليدِّ (مغانط ) ثمّ ألقى على بُعد 60 سم تقريبًا سائلاً متجمّداً "زئبق متجمد بالهيليوم".
قام بالتركيز على السائل ، حرّك يده اليمنى جهته كأنّما يستنهضه ، بدأ وجهه يرتعشُ بشدة ، حتى جلد وجهه يرتعش خفضًا ورفعًا وما زكى الرعشةَ إلّا قوّة التركيز الخارق .
بدأ السائل المتجمد يتحرك كأنّما يدفعه تيارُ هواء شديد جدًا ، وكلُّ المشاهدين ينظرون في حالة ترقّب فاغري الأفواه ، ترقْب يكاد تنخلع له القلوب .
ثمّ بدأ السائل التحرُك حتى اعتلى المعدنَ بالقفز ، وهكذا غدا السائل معلقًا في الهواء دون تدخل أيّ قوّة خارجيّة .
بلغت الدهشة منهم مبلغًا عظيمًا ، فصمتوا هنيهة ثمّ هبّوا بأهازيج كادتْ تخلع جدران المكان .
أسكتهم فطين ليكمل تجاربه ..
ناوله فهمان سوائل متجمدة أخرى على أشكال مختلفة ، منها سائل شُكّل على هيئة رجل عربيّ يمتطي فرسًا ويحمل سيفًا فقال فطين..هذه ملحمة الناصر صلاح الدين ، وعربيّ آخر يحمل جناحي صقر جريح ويمتطي حصانًا أعرجًا فقال فطين..وهذه سمفونيّة.. سوف تنهض يا وطنى .
وانقبضت أسارير فهمان من جديد عندما حلّل التجربة بداخله فوجد فيها تدليسًا وغشّاَ ً.
انتهى العرضُ والناس في حالة تصفيق حادٍّ وأهازيج كالرعد .
بعدها توافد على المكان المنتظرون في الشوارع المجاورة ، دفعوا التذكرة وأخذ كلّ واحد منهم مكانه ، وفعل فطين نفس التجارب هي هي .
بعد ذلك مضيا إلى البيت وفطين يقول لابنه ..سأضع هذه الحقيبة في المصرف ، يقصد مال التجارب .
قال فهمان بصوت حزين ..أبتِ لا أريد السفر ، أنا أحبُّ بلدي يكفيني بلدي.
ردَّ عليه فطين بأنّه متعب وأنّه سوف يكلّمه في هذا الشأن غدًا ، ثمّ مضى مسرعًا إلى الخارج بلهفةٍ ، وبمجرد أن اختلى بمكان هاتفَ مؤيدًا ليدعوه لأخذ المال ، فأتاه وأخذه .
عاد فطين إلى البيت فوجد ابنه يبكي بحدّة ، فسأله دهشًا ..ما بكَ يا ولدي ؟ أدموع الفرح هي ؟
-لا أريد السفركما قلتُ لك .
-لم يا ولدي؟ ما الذي غيرك ؟
-أنت .
-أنا ؟ ألمْ ننه مسألة سفرك ؟
-بمال حلال ، بمال حلال يا أبتِ .
-ومَنْ قال لك يا ولدي أنّي ساسفّرك بمال حرام !
-المال الذي يأتي بالكذب على الناس واستلاب أموالهم وهم في حاجة إليّه مال حرام ، لمّا فطين المصريّ مَثل الشرف والوطنيّة الآن كاذبٌ وغاشٌ يكون المال حرام .
-لطمه لطمة شديدة سقط على إثرها على الأرض قائلاً..اسكتْ اسكتْ ، أنت غبي لا تعلم شيئًا ، ثمّ نهره بصوتٍ جهوريّ حاد وهو غاضب..
لمّا الناس تدفع ضرائب لأجل المحافظة على هويّتهم وأعراضهم يكون هذا عارًا!
لما دولة عربيّة تدفع لأخرى مِن أجل دفع ضرر المعتدي عليها يكون هذا عارًا!
ثمّ خفّض مِن حِدّة صوته وقد كان واقفًا فقعد ثمّ قال متأوّها ..ربيتك على الأمانة والشرف والآن تقول أنّي كاذب وغاش ؟ كيف؟ كيف يا ولدي كيف؟
-هبَّ فهمان واقفًا ودموعه قد خالطها الدم المنهمر من وجهه قائلاً بثقة ويقين ..
ضاعفت تذكرتهم ، وكذبت عليهم ..سكت هنيهة ثمّ فصّل ..
ضاعفتْ تذكرتهم وهم لا يجدون قوت يومهم ، وكذبتَ عليهم أيضًا ..قلتَ لهم أنّك حرّكتَ الأشياءَ وعلقتها في الهواء ، في حين أنّكَ استخدمتَ الخواص الفيزيائيّة للأشياء لحملها ولكن لا ، لا ..لا أدري كيف قرّبتَ السائل المجمّد ، أنت تضلل الناس يا أبتِ .
-ردَّ فطين دهشًا..اشرحْ لي يا ولدي استنتاجك ، اشرحْ ..يكلمه فطين وهو يمسح دموعه ودماءه من على وجهه ، ثمّ أخذ بيده وأقعده تلقاء وجهه وما زال يسكّته ويمسح وجهه وقال بيّن لي ، بيّن لي ، اشرحْ ..
-بدأ فهمان يشرح لأبيه استنتاجه متهدّج الصوت مهزوم النفس متحسّر القلب..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس