منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - حكاياتٌ يقصها لكم جدّي (جونو)
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-20-2007, 01:16 AM   #3
أصيله المعمري

شاعرة و كاتبة

مؤسس

افتراضي


قصة (ليلى)
في بيتنا ثانوية عامة


حالة طوارئ تشهدها اليوم شقة أبو ليلى والتي تقع في الطابق الثاني من عمارة أبو صالح....ضجيج وأصوات على غير العادة....بالأمس وقبل الأمس وقبل قبل الأمس والأسابيع الماضية كان الهدوء سجين هذه الأسرة على الرغم من أن ليلى لديها أخوة أربعة أصغر منها ،ولكن قد حُكم عليهم بالصمت طيلة الفترة الماضية وفقاً لتلك اللوحة المعلقة على باب الشقة والمكتوب عليها ( في بيتنا ثانوية عامة)...
الجميع منشغل والكل يتحرك ...التلفاز اليوم يبدو طويل اللسان خاصة بعد أن قُطع لسانه في تاريخ 2/9/2006م عندما فتحت المدارس أبوابها للعلم والعلم فقط ..
والكل يهذي بـ ((جونو)) _الموت القادم_ والجميع كانوا يعملون كل ما بوسعهم لـ تفادي آثاره والترصد لها...

أبا ليلى: صحيح بأن الأمطار تنهمر والريح قوية ولكن الحمد لله لم يأتي شيء...ألم أقل لكم بأن وسائل الإعلام من هواة المبالغة ة ة ة ة ة ة....
عشر دقائق فقط منذ أن زفر أبا ليلى بهذه الجملة والتي أثار بها شر الضيف القادم جونو...عشر دقائق والحال ينقلب على عكس ما نريد...
الرياح القوية أصبحت أقوى والأمطار بدأت تزداد غضباً لتضرب بـ قسوتها بيوت لا حول لها ولا قوة......
أم ليلى مذْهَلة من ما رأت...بأقصى سرعتها وقلبها الأم بدأت تبحث عن صغارها الأربعة وتلفهم في أحضانها وابنتها ليلى التي كانت تحضن حينها (كتاب الكيمياء) المادة التي تخاف منها كثيراً وتحبها كثيراً في صومعتها المقدسة ومملكتها كما تحب أن تسميها هي دوماً(غرفة ليلى) ،،،وكـ عادة قلوب الأمهات _جنان الدنيا والآخرة_ لفت كل أبنائها الصغار وليلى ....لـ يقبع الجميع في أحدى أركان البيت الآمنة والبعيدة عن الزجاج....وقتها لم يكن الجميع يعي أي شيء...فـ كل شي كان في دمار
المطر قاسي جداً ومرعب يلطخ الدنيا بلا رحمة ،، انتهك حرمات البيوت ودخل......المياه بدأت تقفز وبدون إذن للشقة خاصة بعد أن تكسرت نوافذ الغرف ،، و صوت الريح كان يختلط حينها من صوت بكاء الصغار الأربعة ..الأول كان يبعث الذعر والخوف والثاني كان يبحث عن الأمن والآمان..
والجميع ما زال ساكن في تلك الزاوية الأليمة ...يحاصرون أنفسهم بأنفسم ،، هي البقعة الوحيدة التي تقبلت أحلامهم بصدر رحب ..ليلى يقطعها الخوف وهي ترى حالتهم .. مرعب هو مشهد دخول المياه للغرفة التي كانت تقابلهم(غرفة ليلى) وهي تجرف فساتين ليلى وخزانتها..أحذيتها ..مريول المدرسة الأزرق والذي لطخ بالطين والماء بعدما لطخ كثيراً بدموع طاهرة نزفتها ليلى في أيامها الماضية على تفاصيل كثيرة ،،،حقيبة المدرسة كانت تدحرجها الريح يميناً شمالاً......عطورها ،، مشطها،، الروايات التي كانت تخبأها ...قصائدها ،، كتبها ،،أحلامها،، الرسائل التي كانت تتبادلها مع ابن الجيران،،، كتب المدرسة الكثيرة ...دفاترها...مستقبلها..شهادات السنوات الماضية....علبة مكياجها...سجادة الصلاة والتي اشترتها في آخر زيارة لها للحرم المكي..

غرفة ليلى كان تطل على جهة الشرق وهي الجهة التي كان يأتي منها جونو وما حمل من هدايا قاسية
غرفة ليلى بكل اختصار كانت الضحية والفريسة السهلة للإعصار..

ليلى ترى مملكتها تُهدم ... كانت تستغفر كثيراً وتلعن الأثم في قلبها...كانت تتذكر كل الماضي وتبكي...ليلى ظنت بأنها ستهدم كما هُدمت غرفتها والتي لم تفرق عنها كثيراً في ذلك الوقت_ فالكل أصبح جماد_
خمس ساعات وعائلة أبو ليلى قابعة في أحدى زوايا المنزل البعيدة عن النوافذ...وهاتف المنزل يواصل الصهيل ولكن لا روح تستغني عن روحها في ذلك الوقت لـ تتقدم خطوتين حيث الهاتف وترد...أخ ليلى الأكبر(عادل) والذي رمت به الأقدار وأحلامه في أن يكمل دراسته في كندا..كان يسمع وقتها من الفضائية العمانية والتي لم يتابعها طيلة فترة تواجده في كندا إلا اليوم... أن الاعصار يجتاح مدينتهم الآن....هو الآخر كانت روحه قابعه قلقة على أرواحٍ تسكنه: أمه الذي بكت كثيراً عند رحيله، أبيه الذي افتخر بابنه في كل مجلس كان يتواجد فيه....ليلى والتي ما زال يتذكر كل مغامراته معها...أخوته الصغار ....أركان بيته والذكريات....الوطن الذي علمه وأحسن تربيته حتى أصبح عادل كما يحب...

عادل كان يموت على (الخط) وليلى تتأمل في غرفتها وكل ذكرى حولها كانت غالية
لـ تموت قصائدها بسكينة ...

الهاتف لم يتوقف طيلة الخمس ساعات والاعصار لم يترك غرفة ليلى وأحلامها على خير..
والـ 7 أرواح كانت تموت ألف مره وتحيأ على ألم ظنوا بأنه حلم لا واقع...
بعد أن توقف كل شيء وتزحزح جونو من هذه المدينة الجميلة ..لـ يرحل ويدمر مدينة أجمل....
بعد أن مزق كل أحلام ليلى وأمانيها
بعد أن قتل أجمل آناث الكون بالنسبة لـ أحدهم على الأقل

(ليلى) اليوم تدوزن الوجع على ما فقدته من امتيازات قد مُنحت إياها واليوم لا شيء...ليلى الفتاة المطيعة والتلميذة المجتهدة تتأمل كتبها المدرسية الملطخة بالمياة والدموع والماضي المخيف.. ....وهي تسمع نبأ تأجيل امتحانات شهادة الثانوية العامة لحين إشعار آخر...أم ليلى وأبا ليلى يحصون الخسائر والخيبات ويبكون على ما رحل ..ولكنهم يحمدون الله أن أرواحهم نجت من الموت...
الصغار الأربعة ما زالوا لليوم يتجرعون الخوف
في أحلامهم
في يقظتهم
ما زال ذلك الوحش يطارد طفولتهم في الذاكرة
ليلى اليوم على أعتاب امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني والظروف تخنق أحلامها
وشقة أبا ليلى لم تعد تحمل لوحة (في بيتنا ثانوية عامة) ولا باب يحمل رقم الشقة(15)

 

التوقيع

لا يوجد شيء لـ عرضه

أصيله المعمري غير متصل   رد مع اقتباس