منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - حديث عن التأويل مع :أمبرتو إيكو.
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2010, 08:26 PM   #1
عبدالعزيز رشيد
( شاعر وكاتب )

افتراضي حديث عن التأويل مع :أمبرتو إيكو.


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



التأويل ,بين السيميائيّين والتفكيكيّة.
لأمبرتو إيكو



كنت قد قرأت مقتطفات من الكتاب في مكانٍ عام لكن وبسبب بضع إضاءات وجدتها قرّرت إقتناء الكتاب.كثيرا ماكانت هنالك خلافات في وجهة النظر حول الحقوق الفكريّة حول النصّ _لاأعني الحقوق الملكيّة الفكريّة_ لكن الحقوق حول تفسير وتأويل النصوص بحسب أهواء القارئ أو المؤلّف او النصّ نفسه ! . ففي الكتاب تحدّث إيكو بشكلٍ جميل عن وجود ثلاث قصديّات:
-قصديّة المؤلّف
-قصديّة القارئ
- قصديّة النصّ

أيّهم هو الأقرب للواقع والحقيقة ؟ وهل للنصّ حقيقة ثابتة القيمة؟ هل الجملة الشعريّة عندما نكتبها لاتعني إلا تفسيرا واحدا ومعنى واحدا؟ أمّ أنّها تتغيّر بتغيّر "الزمكان" وباختلاف الثقافات ؟ (ثقافة المتلقّي) .


يروى أنّه في مجلسٍ ذكروا فيه بيت جرير:

لو كنت أعلم أن آخر عهدهم ... يوم الرحيل فعلت مالم أفعل

قالوا: ماذا كان يفعل؟
فقام صبيّ بآخر المجلس وقال: كان "..." * !
طبعا ضحك الحضور وقالوا: فعلا كان كذلك .

قد لاتشير صورة الحمامة للحمامة نفسها إذ أنّها قد تشير للســلام كرمز! , وهو مايجعل الكثير من النصوص تغرق بالكثير من التحليلات , قد لايحتاج البيت لتصوير شيءٍ بعينه كي يعنيه في حديثه , بل يكتفي بالإشارة إليه أو الإيحاء به كما حدث مع بيت جرير . لكن المعروف أنّ جرير كان عفيفا ولايشبّب إلا بما ملكت يمينه , إلا أنّ تفسير الصبيّ كان منطقيّا كذلك!.



ومن قرأ رواية إيكو "اسم الوردة" سيدرك بأنّ هذه الرواية ستحمل الكثير من تلك الاحتمالات التفسيريّة وقد تحدّث إيكو عن بعضها في كتابه , منها أشياء اقتنع بها ومنها أشياء لم يقتنع بها وآخرى فاجأته حقيقتها!.



براعة إيكو في الكتاب كانت في محاضرة الأولى بالكتاب عندما ذكر تاريخ التأويل بطريقة جذّابة واستشهد بأحداث تاريخيّة وقام بإخضاع نصّ الحكايات التاريخيّة للتأويلات كلٍّ بحسب فكر ذلك الزمن مابين زمنٍ كان يرى بالأمور والحقائق أمورا لانهائيّة وزمنٍ كان يرى حدودا وحقيقة ثابتة للحقائق , وهي في النصوص "تفسير النصّ نفسه" . ففي فصل "الهرمسيّة والتأويل اللامحدود" تحدّث عن الخوض في البحث عن الحقيقة بأنّها غير ثابتة ولامتناهية ليست ذات طبيعة ثابتة واستشهد بمواقف أخرى مضادة تقرّ بحقيقة ثابتة بعكس "الهرمسيّة" فقد استشهد مثلا:
اقتباس:
إن قصّة ذلك الخليفة الذي أمر بتدمير خزانة الأسكندريّة قصّة مشهورة جدّا,فقد كان يدّعي أنّ هذه الكتب إمّا أنّها نفس مايقوله القرآن ,وفي هذه الحالة لاحاجة لنا بها,وإمّا أنّها تقول مالا يقوله القرآن وهي في هذه الحالة كتبٌ خطيرة ,لقد كان هذا الخليفة ملمّا بالحقيقة ,مالكا لها ,وإليها كان يستند الحكم على هذه الكتب.

الإشارة ولو من بعيد إلى وجود ثوابت صارمة تحكم النصّ المصوّر للحدث هو ماعناه إيكو ( وقد ذكر ذلك بداعي الحديث عن تاريخ التأويل دون الإشارة كثيرا لرأيه هو) .


ومن ضمن جملة أحاديثه كان له كلاما جميلا يقول فيه:

اقتباس:
على القارئ أن يدرك أن كلّ سطر يخفي دلاله خفيّة .فعوض أن تقول الكلمات ,فانّها تخفي مالاتقول.ان مجد القارئ يكمن في اكتشافه أن بغمكان النصوص أن تقول كلّ شيء باستثناء مايودّ الكاتب التدليل عليه.


يقول الأعشى:

وسبيئة مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها

الجريال:هو اللون ويعني هنا لون الخمرة, وعندما سؤل عن معنى البيت قال :شربتها حمراء وبلتها بيضاء!.

كان اللون الأحمر والأبيض حاضرا بالبيت لكن بالخفاء أو على هامش المعنى للنصّ ,الذي أراده الشاعر.فكم من الكلمات تخفي كلماتا أُخرى.


وفي القرآن في سورة يوسف: {أًحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكًلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} , لو طُلب من شخصٍ آخر رآى نفس الرؤيا هل كان سيقول ذلك؟ أم كان سيذكر بأنّه :حمل الخبز ومشى به , فأتته الطيور . كلّ هذه كانت موجودة بالآية لكن بالخفاء كانت حاضرة تلقائيّا في ذهن القارئ ,وهو مانعنيه بالإيجاز البليغ , وهو مايدلّ على إمكانيّة كتابة كلمات تحمل كلماتٍ أُخرى.




تحدّث إيكو كذلك عن مقطوعات من نصوص شعريّة لوورد زورث وكيف أنّها كانت تعبّر عن الحزن بدون ذكر كلماتٍ تدلّ على ذلك كثيرا (بالحَرف) , لكنّ الناقد هارتمان وجد تلك الكلمات بعد مقاربة الألفاظ وتفكيك والمفردات ودمج بضعٍ منها فعثر على كلّ ذلك تلقائيّا! , وكأنّ النصّ نفسه هو ماقال ماأراد قوله. ومن هنا نجزم بأنّ ترجمة النصوص الشعريّة تفقدها شيئا من بريقا .
وقال:
اقتباس:
ان هارتمان لايشير إلى أن وورد زورث, كان يرمي إلى انتاج هذه التداعيات ,فابحث عن نوايا المؤلّف لاموقع له ضمن مبادئ هارتمان النقديّة.
وتحدّث عن وجود مثل تلك التراكيب والتي تحمل اسما معيّنا (عشيقة مثلا) كما حدث مع ليوباردي .

اللغة لها تأثيراتها , فهي لم تتشكّل حرفيّا إلا بعد تطابقها ذهنيّا من قبل الإنسان باختلاف طباعه,انتماءاته , مكانه,أصله, وبرأيي هذا مايجعل النصّ كالإنسان له جنسٌ وعرق.


الكثير من الأمور أحببت الحديث عنها وكتاب أمبرتو إيكو أخرج الكثير من ذلك . الآن أنا متلهّفٌ لقراءة روايته "اسم الوردة" والتي أتتني أخيرا بعد طوووول انتظار (":


--------

* : المفردة سوقيّة ( ! :.

 

عبدالعزيز رشيد غير متصل   رد مع اقتباس