منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بُرونْز
الموضوع: بُرونْز
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-26-2020, 09:55 PM   #12
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


*


في موسكو1969/3/29م
كتب محمد ..



صديقي فيصل!
يقول الشاعر الروسي الكبير ألكسندر بلوك: «الزمن يغفر للفنان كل الذنوب ما عدا ذنبًا واحدًا هو خيانة روح عصره…». فقد كان همُّ بروست أن يكتشف كل إنسان في ذاته رؤية جديدة للأشياء والناس.

لم ألتقِ بذاتي بعد. لم أمسك بها بعد. لم أكتشف العلاقة بينها والعالم المحيط بعد. فالإمساك بالذات هو الطريق لرؤية العالم والإبداع، ولكي أكون الشيء الذي أحلم به.

في الماضي كان حواري مع ذاتي أخرس. حين أطلُّ اليوم على هذه الذات أحس وكأني أطل على صندوق زجاجي لا قعر له. حين أتأمل زجاجه أرى الغبار المتراكم على حوافه… فالأشياء التي عشتها حتى الآن أشبة بركام بارد. كل ما أريده هو أن أعثر على الوسيلة التي تجعلني أرى العالم وأن أستبصر علاقتي بالأشياء المحيطة بي.

أقف اليوم أمام الحاضر برعب وذهول محاولًا وعيه وامتلاكه كي لا يفلت مني. فأصبو أن أتمكن من الوصول إلى التطابق بين الوعي وعلاقتي به. أعترف أن كل شيء لم يحقق ذاته بالشكل المطلوب. كأن كل ما رسمته لنفسي، وأنا أقدم على تجربة الحياة في بلد أجنبي، كان كأنه كذب على الذات. فالكثير من الطلبة المحيطين بي قطعوا شوطًا كبيرًا، وما زلت أدور في حلزون منخور. الذي يريد أن يصنع من ذاته شيئًا ما، لا بد له من العمل! لكن كل الأشياء ما تزال تبدو لي بعيدة. ولا تبدو أمامي القدرة على بناء شيء.

حين تعيش في مدينة كموسكو فإنك تغرق في عالمها، قد تنسى مشاهد تشييع الموتى مثلًا! فقد انتابني ذهول كبير وأنا أسير في موسكو حين لاحظت للمرة الأولى تكتلًا من الوجوه الحزينة، من ذوي الشعر الكثّ والأبيض الملوث بصفار دخان مديد، يلبسون ملابس فقدت ألوانها، ويسيرون بأقدام تزحف بلا رغبة نحو سيارة تحمل صندوقًا للموتى. وبدلًا من الصوت النحاسي لمؤذن ما، كان يتناهى حفيف آلات النفخ وهي تنشج حزنًا.

توقفت وتأملت المشهد الذي كان كافيًا ليحسسني بالنهايات. ثم ركضت فتاة صغيرة بفرح وهي تردِّد: أريد أن أرى حزن هؤلاء الناس! فتساءلت مع نفسي:
ترى هل الحزن واحد في هذا العالم؟!


 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس