منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ليس الآن.. (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-14-2018, 09:43 AM   #3
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي




تمهيد
(ما الذي يخيف في قاع المدينة؟)







لا يذكر تحديداً متى أظلمت من حوله الموجودات..
عندما قرر والده أن يترك الأسرة وينضم لقائمة خرج ولم يعد.. أم عندما ترك مدرسته صغيراً ليعمل ويساعد أمه ؟..أم عندما وضعته أمه، وجاءت به لتلك الحياة..
كذا سأل والدته يوماً.. قالت له:
ـ الظلام هو أصل الأشياء.. كذا قال لي والدك قبل أن يرحل
ـ رحل إلى أين ؟
أخبرته أنه ذهب إلى قاع المدينة.. واختفى في فجوة أرضية من تلك الفجوات التي تملأ القاع.. أخذه الظلاميون إلى غير رجعة..
ـ من هؤلاء الظلاميين ؟
ـ مخلوقات تعيش في الظلام تحت الأرض.. إنهم يأتون ليلاً من أجل الأطفال المزعجين كثيري الأسئلة..
لم ينس حركة إصبعها التحذيرية أمام ناظريه وهي تقول:
ـ إياك أن تقترب من قاع المدينة.. فلن تعود..
ابتلع ريقه متمتماً :
ـ أمن الممكن أن ألقى والدي هناك يوماً ؟
تهزه بعنف صارخة :
ـ لا أحد يظل حياً في قاع المدينة.. الشيطان يسكن هناك
نظر لها في رعب، وأقسم أنه لن يقترب من القاع.. لن يقترب..
ابتسامة منتصرة ارتسمت على وجه أمه.. لقد نجحت في زرع الرعب الأبدي في قلب ابنها.. هكذا تحميه للأبد من الضياع كما ضاع والده الأحمق الذي ظن أن الفشل سبب وجيه للفرار إلى قاع المدينة.. لقد شعرت أن ابنها سيصير نسخة أخرى من والده.. لذا هو مرشح للضياع كما ضاع أبيه..
وهي لن تسمح له بذلك..
ومازال الفتى يتساءل متى أظلمت من حوله الموجودات؟..
عندما ماتت أمه وتركته وحيداً..
أم عندما طرد من عمله للمرة الثالثة..
ـ أنت فاشل ابن فاشل..
نظر لصاحب العمل في غل :
ـ هل كنت تعرف والدي؟
دفعه صاحب العمل خارجاً وهو يسبه :
ـ وهل يخفى القمر.. الحمار الذي ترك زوجته وفر إلى قاع المدينة ولم يعد.. لعله الأن ينتظرك هناك مع الظلاميين.. أذهب إليه فمن شابه أباه ما ظلم
أم لعلها أظلمت حقاً عندما عاد إلى الغرفة التي يسكن بها ليجد حاجياته قد ألقيت في الشارع بجوار الرصيف.. صاحب البيت كان عملياً.. وحينما رفع طرفه إلى نافذة حجرته رأى وجه الساكن الجديد يطل عليه منها..
حمل حاجياته على كتفه وانطلق هائماً على وجهه..
لا يكاد يرى أي بصيص من ضوء.. ظلام.. ظلام.. ليل سرمدي يزحف على كل شبر من عالمه لا يترك له أي أمل في نهار جديد.
الظلام هو أصل الأشياء
تباً لصاحب العمل.. تباً لصاحب البيت.. تباً للعالم أجمع..
عملياً لا يوجد مكان يأوي إليه غير.. غير قاع المدينة..
قاع المدينة!
لكنه لم يرتجف هذه المرة.. ولم لا.. قاع المدينة المكان الوحيد الذي لن يطرده منه أحد.. ولن يطالبه بأجر مقابل البقاء..
الشيطان يسكن هناك
فكر أنه لم يتعامل طوال حياته إلا مع شياطين.. حتى أمه التي كانت تخوفه من الشيطان.. كانت شيطان أخر في صورة أم.. ماتت ولم يستفد منها إلا الرعب من قاع المدينة التي ابتلعت أبيه..
ما الذي يخيف في قاع المدينة؟.. الظلام؟
الظلام هو أصل الأشياء
لا يدري لماذا بدا له والده في تلك اللحظة عبقرياً..
تأمل اللافتات التحذيرية التي يضعها رجال السلطة لمنع الزائرين وابتسم في مقت.. هو لا يخشى ما يحذرون.. أي جحيم سيلقاه سيكون أفضل بالتأكيد من الجحيم الذي لفظه..
ـ قف..
تجمدت الدماء في عروقه.. استدار حيث الصوت فرأى دورية جوالة من دوريات السلطة التي تحوم حول القاع لمنع الحمقى من التوغل..
كان قد اتخذ قراره.. لن يعود..
وهكذا ألقى بأحماله وانطلق يعدو بجنون..
ـ قف.. قف..
لن يتوقف.. لن يتراجع.. لقد اتخذ قراره.. سيلحق بوالده..
سيهبط إلى باطن الأرض.. لن يعود.. لن يعود.. لن يعود..
إلا............
لينتقم...
***
شعر بقدمه تنزلق في إحدى الفجوات..
حاول التشبث بشيء.. أي شيء.. لكن سرعة انزلاقه مع المفاجأة أفقدته التحكم بنفسه.. فراغ مظلم دامس غاص فيه لثوان..
ثم تدحرج جسده على ما يشبه المنحدر.. شعر بوخذات عديدة في جسده.. وحينما سكن جسده أخيراً تحسس نفسه فأدرك أنه قد جرح في أكثر من موضع..
ظلام دامس ورائحة عضوية خانقة.. إنه في إحدى ممرات الصرف الصحي لقاع المدينة والتي لم تعد تستعمل منذ عقود..
هي الآن مسكن الطائفة الظلامية التي يخشاها سكان السطح..
بالرغم من ذلك لم يشعر بالخوف.. حتى وقلبه يدق بعنف.. إنها دقات تخبره أنه قريب جداً منه..
ـ أبي !
صرخ فتردد صدى صرخته عبر ممرات الصرف العتيقة..
ـ أبي!
صرخ وهو يتوغل أكثر وأكثر...
ـ أبي!
صرخ وهو يسمع صوت تلك الحركة الخافتة بجواره.. إن لم يكن فأراً فماذا عساه يكون؟
ـ أبي!
صرخ وهو يتساءل عن تلك الأنفاس الكريهة التي تلفح وجهه الآن.. إن لم تكن أنفاسهم فماذا عساها تكون؟..
ـ أبي!
ـ شششششششششش
توقف عن الصياح وتوقف قلبه عن النبض.. أغمض عينيه.. وبدأ يسمع الصوت الهامس في أذنيه :
ـ لا تلوث الظلام..
ومن قلبه تمنى أن تكون النهاية أسرع وأرحم.. ولأول مرة في حياته يشعر بالرضا..
بعد قليل سيلقى والده..
***


 

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس