منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - وطنٌ بلا أبعاد
الموضوع: وطنٌ بلا أبعاد
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2019, 12:35 AM   #1
طاهر عبد المجيد
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية طاهر عبد المجيد

 







 

 مواضيع العضو
 
0 لا
0 هي ذي الحقيقة
0 معادلة
0 سؤال وجواب

معدل تقييم المستوى: 2032

طاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعةطاهر عبد المجيد لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي وطنٌ بلا أبعاد


وطنٌ بلا أبعاد
د. طاهر عبد المجيد

دعني من الحُلُمِ الذي ألقاني
يوماً وراء الشَّمس والقضبانِ

دعني ولا توقظ جراحي بعدما
واريتُ خلف جفونها أحزاني

واشربْ إذا ما شئتَ من خمر المُنى
كأساً ودع لي خمرة السلوانِ

لا شيء يُغري بالكلام وما الذي
سأقولهُ والسيف فوق لساني

وقصائدي حتى التي ما قلتها
صُلبت ومازالت على الصُلبانِ

ماذا أقولُ وعن يميني مُخْبِرٌ
يَزِنُ الحروف وعن شمالي ثانِ

يُلقي إلى صمتي بكلِّ شباكه
إن غاب في أمرٍ لبضع ثوانِ

قد وكِّلا بي والحقيقة لم تزل
تحبو إلى عقلي بلا برهانِ

ولطالما ساءلت نفسي هل هما
بَشَرَان مثلي أم هما مَلَكَانِ

يوماً سأَحمل للحساب صحيفتي
وأُساق بينهما إلى الميزانِ

أأقولُ إنِّي لم تعد لي فرصةٌ
للنُّطق ترقى بي عن الحيوانِ

إلا إذا يوماً مرضت وساقني
شبحٌ من الحمَّى إلى الهذيانِ

وتغادر الكلمات قلبي خلسةً
من قبل أن يُؤتى لها بمعاني

حتى إذا بلغتْ فمي علقتْ به
لتزيلها الفرشاة عن أسناني

أأقولُ إنَّ أصابعي يبستْ على
قلمي الذي يشكو من الغثيانِ

وقد استقاء مداده لما رأى
أن لا مفرَّ له من الإذعانِ

لا يملك القلم النظيف مفاصلاً
كي ينحني في حضرة السُّلطانِ

وأمام من ذَبحوا على أقدامه
أقلامهم شكلاً من القربانِ

الحرُّ في هذا الزَّمان مكبَّلٌ
بلسانه وبصمت كلِّ جبانِ

لمْ يبق من حرَّيتي إلا دمي
ودمي يكاد يجفُّ في شرياني

وكرامتي لو لم تصنها عزلتي
لقتلْت نفسي قبل أن تنهاني

حتى شعوري بالأمان نسيته
ونسيت طعم الدِّفء في الأحضانِ

لا مال عندي أستطيع ببعضه
أن أشتري وطناً بأيِّ مكانِ

أبداً ولا وطني يحسُّ بغربتي
في حضنه فيضمني بحنانِ

وطني هو الأرض التي أبعادها
حرِّيتي وكرامتي وأماني

فإذا الثَّلاثة أصبحت مفقودةً
فلم الحديث إذن عن الأوطانِ

وعن الذين يسيِّجون ترابها
بدمٍ يباع بأبخس الأثمانِ

* * *
لما ولدت وجدت نفسي ممسكاً
بحبال صوتي بعد أن أعياني

وكأنَّني أحسست منذ ولادتي
بخطورة الكلمات فوق لساني

هي صرختي الأولى وآخر صرخةٍ
صعدت إلى شفتي بلا استئذانِ

لم أدر حينئذٍ لماذا لم أكن
فَرِحاً بإسمي كالَّذي سمَّاني

حتى وجدت خطايَ توغل في المدى
كسفينةٍ تجري بلا قبطانِ

تلقي بها الأمواج من بحرٍ إلى
بحرٍ وما في الأفق من شطآنِ

لم أدر أن الأرض سوف يسوؤها
أنِّي بتكوين السؤال أعاني

ولسوف تستبِق السُّؤال ككوكبٍ
وتقول لي بهدوء شيخٍ فاني

يا أيُّها المنسيُّ في أحزانه
إنَّ الذي يشقيك قد أشقاني

فأنا وأنت وكلُّ شيءٍ حولنا
رغم اختلاف الرُّوح والأبدانِ

نمضي على درب الحياة لغايةٍ
رُسمت لنا في غاية الإتقانِ

والفرق فيما بيننا هو أنَّني
أدركتها ومضيت في دوراني

ورغبت عن حمل الأمانة حينما
عُرضت عليَّ وكان في إمكاني

لا شيء يشغلني وقد قرَّت بها
عيني سوى التَّسبيح للرَّحمن

ماذا أقول لها وكيف تجيبها
لغتي وكلُّ رصيدها حرفانِ

ألف وهاء آه ما أقساهما
إذ طالما في محنتي خَذَلاني

* * *
عقلي وقلبي منذ كان لقاؤنا
يوماً وراء طفولتي خصمانِ

يتحاوران وليس في لغتيهما
حرفٌ على معناه متَّفقانِ

عمري مضى وأنا أحاول جاهداً
إصلاح ذات البين فاتَّهماني

أنِّي أفتِّش فيهما عن راحتي
فتصالحا في السِّر واقتسماني

ولو انَّ عقلي قد أقرَّ بعجزه
لأعاد لي شيئاً من اطمئناني

ولو انَّ قلبي عاد عن أحلامه
ما ساءني زمنٌ من الأزمانِ

هي سرُّ مأساتي وسجن سعادتي
وبقيَّة الأمل الذي أبقاني

فهي التي أخشى إذا ألقيتها
أن لا يكون العيش في إمكاني

وهي التي أخشى إذا أبقيتها
أن ألتقي بالموت قبل أواني

متردِّدٌ والموت يطرح نفسه
حلاًّ وحيداً ربَّما واتاني

والعمر يجري آهِ من أيَّامه
لا شيء يوقفها عن الجريانِ

***
أنا كالحقيقة في بلادي خائفٌ
أحيا كسرٍّ ضاق بالكتمانِ

ويزيدني عشق الحقيقة غربةً
حتَّى عن الأحباب والخِلَّانِ

ماذا لقيت من الزَّمان وأهله
غير الجُّحود وقلَّة العرفانِ

ما من صديقٍ لا أشكُّ بحبِّه
ووفائه إلا وقد آذاني

بعبارةٍ ما كان يعلم أنَّها
وقعت كسهمٍ غاص في وجداني

وكم ابتسمت لكي أواري دمعتي
وأضمِّد الجرح الذي أدماني

وفؤادي المجروح يصرخ قائلاً
إن أنسَ لن أنسى سوى نسياني

ولقد صبرت على الأذى لا رغبةً
منِّي بفعل الخير والإحسانِ

أو طاعةً لله أو لرسوله
ولِما أتى في الصَّبر من قرآنِ

لكنَّني والخوف قيدٌ في يدي
خُيِّرت بين الصَّبر والغفرانِ

أما كتابي لست أذكر أنَّه
يوماً أساء إليَّ أو أبكاني

بل كان أكثر رقةً وتفهُّماً
من كلِّ أصحابي ومن إخواني

إذ طالما جالسته في وحدتي
ويداه بين يديَّ ترتعشانِ

وأنا بدفء حديثه متدثِّرٌ
في مضجعي الشَّتويِّ باطمئنانِ

حتى إذا هجم النعاس بجيشه
واستسلمت لمراده أجفاني

أبصرتُه عند الصَّباحِ ممدَّداً
وبجسمه المكشوف قد غطَّاني

* * *
آهٍ من الآه التي أَلِفَتْ فمي
وتوقَّدت ناراً بغير دُخَانِ

آهٍ لو أنَّ الموت يأتي زائراً
في غير موعده ولو لثوانِ

يأتي ليعرف أنَّني في غربتي
مَيْتٌ بقلَّة حيلتي وهواني

فإذا أتى أَجَلي تذكَّر أنَّني
مَيْتٌ فلم ينظر إلى عنواني

قد تضحك الأيَّام لي وتجيئني
بالحظِّ تحدوه المنى ليراني

ولربَّما الأيَّام تصدُق مرةً
في وعدها المرسوم في فنجاني

وتجيئني بالمستحيل مروَّضاً
سلِس القياد لكي يكون حصاني

وتبيح لي أسرارها كي أتَّقي
في رحلتي ما ليس في حسباني

وأعود من بعد الغياب وقد غدا
وجهي كوجهي والزمان زماني

وغدا بوسعي أن أعيش طفولتي
وصباي كالأطفال والصِّبيانِ

وأقول ما لو قلته في حينه
لم ينس قلبي عادة الخفقانِ

هي أمنياتٍ قد أموت لأجلها
يوماً وأرجع حاملاً جثماني

للموت طعمٌ واحدٌ لكنه
متعدِّد الأشكال والألوانِ

فلِم التردُّد في اختيار زمانه
ومكانه وطريقة الإتيانِ؟

لكنَّ أكثر ما يثير مخاوفي
ويزيدني ناراً على نيراني

هو أن يفاجئني الصباح ولا أرى
حولي سوى ظلِّي على الجدرانِ

وأرى وقد فات الأوان بأنَّني
ضيَّعت عمري واقفاً بمكاني

وجهي بما وعد السَّراب معفَّرٌ
ويداي بالأوهام ممسكتانِ

 

طاهر عبد المجيد غير متصل   رد مع اقتباس