يمر الإنسان في حياته بالعديد من الاختبارات التي تثبت مدى صدقه وصحة آراءه ومواقفه، ومن منّا لم يمر بأحد هذه الاختبارات.
إن أعظم وأخطر هذه الاختبارات التي لا تضع آراءنا على المحك فحسب، بل وأخلاقنا أيضاً، هي (الحرية). فالحرية اختبارٌ أخلاقي، عنده تسقط الأقنعة، وتظهر الأوجه الحقيقية أو -بعبارة أصحّ- الأخلاق الحقيقية للأفراد ومدى مسؤوليتهم الأخلاقية على كلا المستويين الإيجابي والسلبي. يقول نيتشه في هذا السياق:"الحرية هي الرغبة بأن نكون مسؤولين عن أنفسنا".
ولعل ما يحدث في مجتمعنا حالياً هو من أقرب الأمثلة وأكثرها وضوحاً على ما سبق، فمن كانوا يحذرون من الحرية بالأمس دون أدنى وعي لخطورة هذا الموقف، أصبح الكثير من أتباعهم اليوم ممن فقدوا مسؤوليتهم الأخلاقية إما بسبب إسنادهم هذه المهمة لأشخاص آخرين أو اعتمادهم على ضيق هامش الحرية ذلك الوقت أو لكلا السببين، أصبحنا نراهم يفقدون أخلاقهم بعد الاتساع الهائل لذلك الهامش وهم الذين كانوا سابقاً يدّعون الشرف والفضيلة والرجولة وغيرة الرجل العربي. وخير مثالٍ على ذلك ما نراه من الازدواجية والتباين الواضح بين ما يرددونه من المواعظ أو إلقاءهم التهم على بعض أجهزة الدولة وبين الممارسات التي نشهدها من قبل هؤلاء الأفراد أنفسهم في الوقت الراهن.
وبالرغم من هذا كله، فأنا واثق تمام الثقة أن الأجيال القادمة ستتجاوز هذا الاختبار بعد أن نتجاوز نحن جميع الترسبات التي بقيت من أنقاض مرحلة مظلمة مرّ بها المجتمع السعودي في وقتٍ سابق، لأن المرحلة الحالية ما هي الا بمثابة الصقل لمهارة المجتمع السعودي على التأقلم مع المتغيرات ليتمكن من عيش حياة طبيعية في بيئة حضارية ومدنية تحتضن الجميع. وكما قال سمو ولي العهد:"الشعب لديه الكثير من المبادئ والركائز لأنه عاش في الصحراء ومنها أخذ الدهاء الذي مكنه من التأقلم مع العيش في الصحراء، والعزيمة الجبارة التي تجعله يصل إلى ما يريد". وسنصل إلى ما نريد.