منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قطرات اليراع
الموضوع: قطرات اليراع
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2019, 06:06 AM   #205
سامي الشريم
( كاتب )

الصورة الرمزية سامي الشريم

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 47

سامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعةسامي الشريم لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي ليلة في فينسيا (1)




كما لو أنّي أسبح في فضاء الخيال، غير مُصدِّق بأنّي هنا في هذه المدينة العائمة فوق الماء كما تعوم طيور البجع في قلب الأنهار. المدينة التي انبجست منها موسيقى السمفونية، وتمخضت بأنبل النّاس، ذو النفس الحسّاسة، وصاحب الأنامل التي تضارع أجنحة الأثير، عازف الكمان فيفالدي. إنّها المدينة الخالدة بخلود الحُبِّ والجمال، التي كم وددتُ في مسرح أحلامي اللذيذة أن أكون ضمن سُكانها الأصليين من فرطِ حُبِّي لها وافتتاني بها.
هأنذا أجوب طرقات عشيقتي "فينيسيا" مُذ باكورة الصباح، سائرًا بتؤده بين أزقتها الضيقة التي هي أقرب شبهًا من صدور أعداء الأوطان. أمشي بين منازلها المُزدانة بالشفق الأزرق وبعرائس الفجر، وأرنو يمنة ويسرة إلى نوافذها التي تشبه أعين الحوريات. ذاهبًا إلى منزل صديقي جيروم، رفيق الغُربة، الّذي دعاني إلى حضور حفل زفافه هذا المساء.
وأنا في طريقي أسير في هذه المدينة الأكثر نورًا وإشراقًا في العالم، كنتُ أمتّع ناظري في كلّ شيء بهيّ يصادفني في دربي، أتلكأ عنده لدقائق طويلة كما لو أنّي كنتُ أحدّقّ في جمال العالم أجمع، أو كأني أصوّر امرأة رائعة الطلعة ومن ورائها حقول أزهار عبّاد الشمس.
إنّ فينيسيا بلا مِراء مُدهشة جدًا، إنّها بلد المفاجآت والانبهارات. في كلّ مكان تطأه قدما إنسان هناك، لا بدّ أن ثمّة شيء ما يشدّ انتباهه، ويروي عطش قلبه بالبهجة والنضارة.
رأيتُ أشياءً فائقة الحسن والبهاء، وسمعتُ أنغامًا وألحانًا لم تتسلّل إلى أذني قبل ذلك اليوم. نظرتُ إلى النهار وهو يضحك على زرقة الماء، وإلى تلك الزوارق التي لا حدّ لها والتي تقوم مقام العربات والسيّارات. رأيتُ الطيور في كلّ مكانٍ، في السماء، وعلى الأرض، وفوق الأبنية، وفوق أعمدة الإنارة. ورأيتُ راقصات بثياب غجرية ترافقهن الجوقات الموسيقية إلى حيث يذهبنّ في كلّ اتجاه في البلد. وسمعتُ أناشيد البحر تتلى كصلوات القديسين.
إنّني هنا بلا غرو في أحضان ابنة النعيم والفرح.

بما أنّني من محترفي التجارب، ومن عُشّاق السفر، فأودّ أن أبوح لكم أمرًا أدركته مُنذُ سنوات بعيدة أثناء ترحالي بين المُدن في القارة العجوز، أمرًا لا يبصره جميع السيَّاح ورجال الأعمال المنشغلين عادةً بظواهر الأشياء، والمحرومين دائمًا من لذّة اكتشاف البواطن العميقة، ومن الانتفاع بالكنوز الثمينة والخيرات الفريدة.
إنّ المُدن مثل الكائنات الحيّة، لكلِّ مدينةٍ ملامحها المختلفة، وروحها التي تتفرّد بها وتميّزها عن غيرها، ولكنها لا تسفر عن تلك الروح سوى إزاء مُولعي الغُربة، والأحرار من الشُّعراء والأدباء. فكم مرّة أدمنتُ السفر إلى بلدانٍ دون سواها من أجلِ أن أملأ قلبي وناظري بفرادة روحها النديّة.
لنرجع إلى فينيسيا، إلى هذه الصبية الحسناء التي يفوح منها أريج الحياة، إلى إلهة الحُبّ التي تشفي عذابات الإنسان، وتطرح أتراحه بين يديها، إلى هذه السخيّة جدًا والنبيلة التي تستقبل آلاف السيّاح يوميًا بصدرٍ مفتوح، وترحّب بهم كما يرحّب القمر برواد الفضاء.
هأنذا أقف خاشعًا أمام أبهى مشاهد الحياة، إزاء رجل عجوز قد بانت على سحنته أمارات الشيخوخة. يجلس مُنفردًا مثل تمثال أبي الهول، مطرقًا بصره في صمتٍ رهيب إلى تلك الزوارق المُحاطة بمئات من النوارس. لا أدري ماذا يفكّر به الآن؟ أو ما الشيء الّذي يُحدِّث به نفسه؟ ولكن أتراه يقول في حُزن: "المركب بي أو بدوني سوف يواصل الإبحار، كما الحياة بي أو بدوني سوف تسير.".

 

التوقيع



لا تسلني كيف غدوا غير مرئيين في حياتي، ولكنني أستطيع أن أحكي لك البداية لقد كانوا مثل الشموس الساطعات.

http://ask.fm/Sami_Alshurem

سامي الشريم غير متصل   رد مع اقتباس