منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بعد منتصف المغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-24-2016, 02:19 AM   #1
صالحه حسين
( عذبة الروح )

الصورة الرمزية صالحه حسين

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

صالحه حسين واحد الرائعةصالحه حسين واحد الرائعةصالحه حسين واحد الرائعةصالحه حسين واحد الرائعةصالحه حسين واحد الرائعةصالحه حسين واحد الرائعةصالحه حسين واحد الرائعة

افتراضي بعد منتصف المغيب


كالطائر المحموم تُلقي بيديكَ الذَّابلتين على عنقي ، وأنا أرفعُ كزهرة اللَّيلكِ صوب القمر رأسي ، أستمعُ لأنينكَ المتصدِّع ، وكالرَّذاذ المنعش أُرطِّبُ قلبكَ المتيبِّس . كنتُ مفتونة بخريف عينيكَ حدَّ السُّكْر الشَّهي أو الشِّعر ، وكالأُمِّ الرَّؤوم أحنو عليكَ ، وأسقيكَ من رحيق روحي .

‏لم يكنْ المساءُ غافلاً ، حين افترقنا ، ولا كانَ المطرُ غائباً، لكن عيناكَ المُتصحِّرتان لم تُبصرا تسرُّبَ السرابِ إلى قلبي ، ولا التقطتْ أذناكَ الصمَّاء حشرجات النور في صدري . سلبتني ابتساماتي النَّديَّة .. حتى راحتْ قدماي تضربان الغيم المُتعرِّج في سمائكَ .. ليستقيم ماء الحياة في عروقكَ ، ثم إليَّ يجري عائداً بالفرح الرَّيَّانِ وبالشوق الثَّمل . وعندما فشلتُ.. أدركتُ كم أنا وحيدة .. للحدِّ الذي لا أجد معه أحداً أخبره أنني لستُ بخير !

‏ربما كنتُ يوماً ذات صرح مُمرَّد بالزُّمرِّد ، عندما كانَ صمتكَ يسألني : من أكثرنا مطراً.. ؟!

‏لجأتُ لحائط تتحرَّش بظلِّه الرَّطب أوراق الشجر المُلتهبة ، لألتقط لأنفاسك الحرَّى صورة تذكارية .. وهي تحوم من حولي كرياح الخماسين ، وخبَّأتها في شقوق جدران الذاكرة الواهنة ، وبين طيَّات الكتب المهترئة .

‏لم أتهيَّأ للعزلة ، لكنني الآن وحيدة ، أحرُثُ صَمت الأماكن ، أُرتِّبُهُ في جُيوبِ السكون ، وأهزُّ جذع الروح لتتساقط منها الخيبة على صفحات قلبي .. كِسفاً من ذهول أو فُتاتاً من أُفول ، وأنتزعُ الكلمات عُنوةً من شفاه لا تُجيد التعبير .

‏" لقد أسمعتَ لو ناديت حيّاً !". حين أَسقطتُ ندائي الصاخب في شفق سمعكَ وأُفق مداك .. رددتَ عليَّ بابتسامة باهتة ، ثم أدبرتَ مع الغروب مُلوِّحاً حتى ابتلعكَ الغياب . لو أنكَ فقط تتذكَّر : كم كنتُ أُبلِّلُ خريفكَ بالمطر.. وبالسَّمُوم كم كنتَ تحرق ربيعي وتُجفِّف ينابيع عيني !

‏على طرف آخر موجة من أمواج صداكَ خبَّأت غيم نبضاتي ، فقد أحتاجها يوماً ، إذا ما راهنتَ قلبكَ على قلبي ، وقد يكون الغياب آخر أبواب الرحيل ، لكنكَ استعجلتَ الولوج فيه .. قبل أن ترتوي من حزني .

‏أستهلكُ كثيراً من الصبر .. كلما فاحتْ رائحة غضبي ، وأُحاولُ أن أُكمِّم شعوري بالسَّخط .. كلما تذكَّرتُ ذنبي ، وعلى وهمي أقاضي نفسي ، فتتجعَّد ملامحي ، ويترهَّل صوتي ، فلم تكن أنتَ قدري ، ولا كنتُ أنا قدركَ ، إلَّا أنكَ قتلتني بالحبِّ و به أحييتكَ .

‏تلسعني ندوبُ ذنوبي في صحوي ، وفي نومي تتغرغرُ أحلامي بألمي ، وأغصُّ بالآه حدَّ الاختناق ، وأكتمُ بقايا عتاب ينقحُ كالجرح المُندمل تحت جلدي ، كلما دفنته بالتجاهل انبثق يلومني ، وكلما ألقمته ثدي التغافل أفاق فعضَّ ذاكرتي ، وخافقي يضطربُ كلما حصَّنتُ نفسي بتعاويذ النسيان ضد الأحزان . كيف لم ينتبه قلبي العالق في شباكك الحريرية لعنكبوت نواياك ؟ وكيف لم تفطنْ روحي العفيفة لحرباء الرغبة الناعمة المندسَّة تحت قميصك ؟

‏ها أنا أزمزم الماء المندلق من شفاه الغيم ، وأمضغ الضوء نيِّئاً كلما تنفَّس الصبح ، وبيد الندم المرِّ أنتزعُ خنجر الصدى الصدئ من فمي ، لأغرس زنابق الغناء العذب في قلبي . وها أنا كلما سمعتُ صوتاً مريباً يناديني من تحت الماء أو من وراء أعمدة الهواء .. صبغته بالأحمر قبل أن يرميني موج الآه على أكتاف الوجع . وما زلتُ أُخلِّصُني ومن وحل الأمس انتزعني .. لأستنشق عبير الحاضر وأريج الحياة ، وأترك لحطب الذكريات متعة الاحتراق البطيء .. ولجذوة ضلوعي لذة الانطفاء الهادئ في الظل . صوتك يتبخَّر ، فدعني أنام ملء جفوني ، وهبني هجعة أستريح فيها من قوافل الخيبات وقوافي الخذلان ، ولا تتذكَّرني .

 

التوقيع

صالحه حسين غير متصل   رد مع اقتباس