منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قِصصٌ تُروى .
الموضوع: قِصصٌ تُروى .
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-07-2011, 10:53 PM   #39
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي


رحمة

من أين هبت العاصفة ؟! البارحة لم أعرف طعما للنوم ، ظللت أتقلب على الفراش كان سطح البيت يصدر أصواتا مرعبة أخافت الصغار.وفي ضوء القنديل الخافت، رحت أسرد عليهم القصة تلو الأخرى السندباد / بنت الوالي / علاء الدين / "الجني والعطبة" دون فائدة ..ظلوا يبكون في حضني حتى هدأت وسكن الرعد،لم يبق من ثورتها سوى القطرات التي تسقط الآن من شقوق السطح عبر الخشب المتهالك قطرة قطرة،وزعت بعض الأواني والقدور حولي حتى لا يبتل فراش الصبية ورحت أغطيهم جيدا خشية البرد ، ناموا جميعا وهم يحلمون بالمطر.


* * *

تشعل موقد الطبخ بعناية..تتناثرعيدان الكبريت من بين أصابعها.. علبة الزيت فارغة لن تستطيع إعداد البيض لهم ، جمعت ثلاثا منها فقط ، مدت يدها الحذرة تحت ريش الدجاج .فأطلقت صيحات احتجاج .. أيقظت الديك الأحمر..صفق جناحيه وصاح .
_ أمي ماذا تفعلين هل توقف المطر؟
_ نعم هيا قومي وأيقظي اخوتك .
قفزت من فراشها .. ألقت بالوسادة على يحيون .. ركلت رأس نصر ..جذبت ميا من جديلتها فصرخت متألمة : ماه
.
عالجت مزلاج الباب بكلتي يديها.. فانفتح. خرجت راكضة إلى البئر.. باغتها النسيم البارد فارتعشت كيمامة.
_ حاذري من الطين يا رحمة.
رأت صباحا مختلفا .. الزرقة تخيم على المكان .. الجبل يبدو متوضئا ..والساقية ممتلئة.لا حاجة لسوق الماء من البئر ..التربة رطبة .. وأوراق الأشجار طرية .. التيس (اللمبعبع) سيد قطيع الشياه قادهاباكرا هذا الصباح .. فاعتلت قمة الجرف الصخري ..وشرعت تلتهم براعم"الحميضة"
...يخرج أخوة رحمة.. يلاحقونها .ليبدأ السباق المعتاد إلى السدرة .. "المرجيحة"
في انتظار من يلاعبها .. تصل قبلهم..ترتقيها بسرعة،تتشبث بالحبل المفتول بذراعيها وتدفع الأرض برجلها لترتفع فيالهواء.
_ رحمة نزلي دورنا.. دورنا .
_ أول اتفقوا دور من .. بعدين أنزل .
تتركهم في حيرتهم .. ينشغلون بالتعارك .. و تستمر هي في اللعب .. تعلو بها (الرنجوحة) وتعلو وتعلو فتعلو معهاضحكاتها الصباحية الحلوة كمطر الشتاء ...يداعب "النفاف"
وجهها فتشدو عصفورة الشجر:" سيل سيل سيليه.. وحمامة فوق لوميه " .
من عرشها تستطيع رؤية بيوتات القرية أسفل الرابية على مرمى البصر.. الرجال بدءوا عملهم في حقول النخيل و"القت" والذرة .. النساء يطفن بصواني التمر والقهوة "والكميم"
..ترتفع رحمة عاليا ثم تنزلق بهاالأرجوحة..ينقطع الحبل فجأة.. فتسقط بقوة .. تسكن الأرض يتعفر وجهها بوحل لزج .. يتمزق ثوبها .. تتقيأ دما عبيطا للحظات ثم تحلق في السماء.


* * *

رأيتها بشعر أملس فاحم يصل حدالركبة .. ..تمشطها عجوز طويلة وسط جنائن الريحان، يراقص خصلاتها هواء بارد .
_آ آ آ ه.. البنية "مغصوبة" .
_ أخذوها أولاد الذين.....
دفنوها أمس .. عواش صاحت كثيرا .. صرخت .. حاولت منعهم من تكفينها .. قالت: إنها ستعود مع أبيها المغيب منذ سنين.


* * *

تضمهم في أحضانها .. تمسح دموعهم .. توصيهم بالهدوء والحذر من الغرباء (العجوز الطويلة التي رأيتها في المنام ,هي الحارس.. أختكم ما ماتت .. لكنها مغيبة .. وإذا قدرنا نقبض الظالم .. اينفك العمل وترجع مع أبيكم .. وإذا ظهروا قبالة البيت .. لا تخافوا .. اصرخوا بأعلى صوت..والباقي علي)


- * * *

عندما هبط الليل.. سقط المطرعنيفا.. قرقع السطح .. هاج الدجاج .. استغاثت الأغنام..علا نباح كلاب الوادي..تشاجرت القطط....أضاء البرق قمة الجبل .. وسدرة النبق.. قصف الرعد.. سمعت ميّا أنين "المرجيحة".. كأن رحمة لا تزال تتأرجح عليها.. نصر شم رائحة زعفرانها خلف "درس الهوش"

.. تململت وأصدرت ثغاء حزينا.. يحيون رأى من شق الباب وسط وميض البرق ظل شبحين قرب البئر.. كان الظل لرجل ضخم يمشط رأس بنت صغيرة ..تشبه رحمة..لم يخافوا .. احتضنوني بقوة .. سهروا معي ..طلبواالاستماع إلى قصصي كلها .. أشعلت النار في قطع الخشب .. تدفأنا جيدا .. مدوا أكفهم إلى حرارتها .. ثم دسوها تحت الأردية الثقيلة..جنبا إلى جنب.


* * *

في الصباح تبادل الأهالي التحاياوالتهاني بهطول المطر مع الغرباء.
_ كيف أنتم والرحمة؟
_" رحمة ساده وباده على عباده"
وأخذوا يرنون بأبصارهم ، صوب "العلاية" ، حيث بدا بيت عواش وأولادها ،وحيدا مسكونا بالصمت.


تمت

لـ القاص العماني : سمير العريمي

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس