منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - يوتوبيا الشياطين (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-31-2018, 11:25 AM   #1
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي يوتوبيا الشياطين (رواية)


" لا أريد منك أن تقبل الجانب الخارق من هذه القصة أو ترفضه..
فقط أريد منك أن تفكر في كل هذا الذي تعتقد.. هل رفاقك هم رفاقك فعلاً..
ربما كانوا مثلك ضحية للشيطان.. وربما كانوا هم الشيطان ذاته في جثامين إنس.."
***

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة









1ـ شاب أخر

انفتح الباب ودخل منه ذلك الشاب..
ألقيت عليه نظرة طويلة فاحصة بينما وقف أمام مكتبي بانتظار أسئلتي.. كان وسيماً رغم الإرهاق والهالات
السوداء التي تحيط بعينيه وشعره المنكوش.. يرتدي حلة يبدو أنها كانت أنيقة ونظيفة قبل أن يحضروه إلينا..
فقضاء ليلة واحدة في زنزانة من أولئك كافية لتحويل عروس في ليلة زفافه إلى شحاذ من أولئك الذين يفترشون
الأرض أسفل الكباري..
نظرت في التقرير المعد أمامي عن نشاط الشاب الحزبي.. إنه عضو في حزب شيوعي في وقت أعلنت
فيه الدولة الحرب على اليساريين.. تلك الفترة التي أعقبت الوحدة مع سوريا..
شاب يساري وحزب شيوعي.. سألت نفسي: ألا يذكرك هذا بشيء؟..
بلى أذكر..
أذكر شاب أخر وصل لتلك الحالة المزرية بسبب سيره في نفس الطريق الذي أوصل هذا الشاب إلى هنا..
شاب أخر تم إنقاذه من بين براثن تلك الأفكار بما يشبه المعجزة..
والآن يعز علي أن أراه يروح ضحية لنفس تلك الأفكار..
أشرت له كي يجلس وسألته في هدوء لأخفف من اضطرابه:
ـ تشرب شيئاً ؟..
بدا الذعر في عينيه ففهمت أنه يظن عبارتي تلك شيفرة تعني المزيد من الضرب.. قال وهو يتحسس قفاه :
ـ لقد شربت بما فيه الكفاية..
ابتسمت برغمي وقلت له مشفقاً :
ـ لا تخف.. سأحضر لك عصيراً..
لم يصدق نفسه حينما وجد نفس المخبر الذي كان ينفخه
بالأمس يقدم له اليوم كوب من العصير المنعش.. قلت وأنا أراقبه وهو يرشف العصير متشككاً :
ـ هل أنت فعلاً شيوعي؟..
كنت أريد أن أتأكد أولاً قبل أن أبدأ معه حديثي.. لا أريد أن أضيع وقتي مع واحد أخر أجبره كرم المخبرين الزائد
على الاعتراف بأنه جيفارا نفسه..
وضع كوب العصير الفارغ على الطاولة ثم أجاب :
ـ لقد اعترفت بهذا للسادة الظرفاء بالخارج..
ـ أنا لا أريد ذلك الاعتراف.. أريد الحقيقة..
نظر لي بعينيه المنهكتين وقال في حيرة :
ـ الحقيقة! أنا أتمنى أن أصل للحقيقة..
كلهم يقولون نفس الشيء.. نريد الوصول للحقيقة.. وهي طريقة مناسبة للهروب من الحقيقة أحياناً..
ـ هل الأفكار اليسارية ستوصلك للحقيقة؟..
ـ الأفكار اليسارية أو الشيطان ذاته المهم أن أصل للحقيقة..
نعم.. أو الشيطان ذاته.. تلك الكلمات تمس مشارعي بشدة.. الآن تأكدت أن الشاب معتنق للأفكار الشيوعية فعلاً..
إنه زبون جيد إذن.. قلت له بنبرة أخوية لا تخلو من حزم :
ـ الشيطان لن يوصلك للحقيقة.. كما أنك كشيوعي يفترض فيك ألا تؤمن بالشيطان أصلاً..
ابتسم بركن فمه ولم يعلق.. لسان حاله يقول أنني اتعلق بمثل هذه الهنات التي تصدر من أمثاله على سبيل المبالغة..
أو العادة.. أو السهو.. معظم الملاحدة تجدهم يحلفون بالله سهواً.. هنا قررت أن أفاجئه فقلت له :
ـ تعرف أنا كنت شيوعياً مثلك..
ارتفع حاجبيه قليلاً ثم عاد ينخفضان دون تعليق..
ـ وأنت تذكرني بنفسي حينما كنت معتنقاً لتلك الأفكار الخائبة.. وكدت أروح ضحية لها..
لولا أن قدر الله لي النجاة في أخر لحظة..
نظر لي بمعنى : هل أتكلم ولي الأمان فنظرت له بمعنى : تكلم عليك الأمان.. قال بحذر :
ـ أنا لا أعتقد أن الشيوعية فكرة خائبة إنها دعوة لبناء مجتمع كامل متساوي خالي من المشاكل.. إنها... إنها...
وبدا كأنه يبحث عن وصف مناسب فقررت أن أكمل له عبارته لأريحه:
ـ اليوتوبيا..
قال كمن وجد ضالته :
ـ هي كذلك..
ابتسمت قائلاً :
ـ هل تعتقد أنني بحاجة لتلك المحاضرة عن مزايا الشيوعية.. لقد ذكرتني بالذي مضى..
عموماً يمكنني أن أثبت لك العكس فقط لو أنصت إلي جيداً..
كانت جفونه متثاقلة بسبب قلة النوم والجهد والخدمة الخمس نجوم التي نالها هنا..
ترى هل سيتحمل سماع حكايتي الغريبة؟..
إن لدي قصة أعجب من العجب مع الأفكار اليسارية.. ظننت أنني لن أحكيها لأحد من فرط غرابتها..
لكن يبدو أنها كانت مدخرة لوقت معلوم..
ولماذا أحكي له؟..
هذا الشاب على وشك فقدان مستقبله بسبب تهمة الانتماء للشيوعية..
هذا الأحمق سيقضي وقتاً طويلاً بالسجن قبل أن يفهم..
أن مجتمعنا المسلم لا مكان فيه للشيوعية أصلاً إلا تحت السلم كما يقولون..
ربما يصل أحدهم لمنصب في جريدة هنا أو مصلحة هناك.. لكنه سيظل يتعامل مع المجتمع على طريقة المنافقين..
همز ولمز للمعتقدات والثوابت من بعيد كلما لاحت فرصة وعندما يكشر المجتمع عن أنيابه..
يحيص حيصة الحمر..
لو أمكن معالجة هذا الشاب الأن وهنا.. من يدري ربما تغير مستقبله تماماً..
طلبت له كوب من القهوة المركزة ولاحظت تبرم المخبر الذي تحول لساعي خاص بذلك المعتقل الشاب..
لكنني تعمدت إزلاله كنوع من الانتقام لهذا الشاب اليافع البريء..
لماذا أرى أنه بريء؟..
الحقيقة أن البراءة هي السمة الغالبة على معظم هؤلاء الشباب المساكين..
الشاب يقلب بصره بيني وبين كوب القهوة الساخن في عدم فهم.. ثم يقول في حذر:
ـ حضرتك مختلف تماماً عن بقية الضباط هنا..
ـ ليس تماماً.. فقط أنا مررت بنفس تجربتك لذا أشعر بك أكثر منهم..
هم يرونك مجرم زنيم ومصدر تهديد وإزعاج للسلطات.. وأنا أراك مجرد ضحية لتيار فكري هدام..
نظر لي طويلاً ثم هز رأسه في حيرة متسائلاً :
ـ هل هذا يعني أنكم ستفرجون عني؟..
ـ هذا يتوقف على مدى استجابتك..
لاحت على وجهه ابتسامة عليلة وهو يسألني :
ـ ستجعلني أحلف على مصحف أنني طلقت الشيوعية بالثلاثة قبل أن تفرج عني؟..
قلت وأنا أبادله الابتسام :
ـ لا طبعاً.. سأحكي لك تجربتي الشخصية أولاً وسأترك لك الحكم في النهاية.. اعتبرها نوع من الدردشة..
وأشرت للقهوة الساخنة مردفاً :
ـ لكن اشرب قهوتك أولاً لأني أريدك يقظاً..
وأخذت نفساً عميقاً.. ثم بدأت أحكي..
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس