هناك
في الأراضي البعيدة
حيث تنزف السماء ظلاماً
وتفوح رائحة الموت من أزهار الخريف
مقاتلٌ مصلوب تدلت عظامه
تُرِكَ ليكون الرجل الأخير في المكان المفقود
تاريخه توارى خلف الجبال والسحب
يزوره القمر ليلةً كل عام
في طريقٍ متعرج وشواهد تبعدك عن مكانه
لاشيء ينبؤك بوجود الفارس المغدور
حتى تراه مكبلاً بالأصفاد
رغم هذه الوحشية العبوسة
تعشعش الطيور بين أضلعه
يشعرها بدفءٍ وأمان
إياك أن تقترب منه فقد يكون فخاً
هكذا تحدث نفسك حين تراه
تمر بحذر بينه وبين الجبل الشامخ
هو لوحةٌ أبدعت المأساة مزج ألوانها
أو ربما حُلُمٌ صاغ الفقد كتابة أحداثه
تشعر به يناديك فتركض هارباً
لازلت تسمع صوت خطاه يتبعك
حتى تصل إلى مواطن النور خلف جبال الموت
لاتغيب صورته من ذهنك ولا يهدأ قلبك
والآن يتسرب إليك الخيال كيف مات
من هو وبأي ذنبٍ قُتل
لاتملك تفاصيلاً سوى إيمانك المطلق بوجوده
لقد كان مهيباً تخاف البحار من مجدافه
تصمت الأرض حين يطؤها
حتى بعد موته تخاف الأرض أن يسقط عليها
وتتساءل هل كان من قوم عاد أم فارساً من عصور روما أم كان من قوم موسى
ربما كان هرقل أو من جاهلية الأوثان
يتشقق رأسك من الحيرة في أي حقبةٍ وُلِد
وتتمنى لو أنك عشت الحياة منذ الأزل لتكون شاهداً على قتله
ليته كان من وحي الخيال أو لم يكن
حين تقرأ في كتب التاريخ تستوقفك مشاهد تشبهه
كثيراً ما يتكرر اقلوه واصلبوه ولو كان طفلاً أو كهلاً
تجد أن القتل في الزمان الغابر لايحتاج إلى سبب وجيه أو إجماعِ أهل الشورى
وكم من أشجارٍ معمرة صُلِبَت عليها حكاياتٌ غامضة
وكذا البحر لازال يحتفظ عميقاً بهياكل مهشمة
"سيعيدُ الله كلاً منهمُ *** وسيجزي فاعلاً ماقد فَعَل" ( ابن الوردي)
كل ماكان جهلاً أنارته الشرائع السماوية ولكن
لايزال فرساننا يصلبون ونساؤنا قهراً يموتون وأطفالنا في عمر الزهور يشيخون
أين الخلل ؟!