منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-2019, 08:14 PM   #9
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


(6)

لم يتصور إيهاب يوماً أنه سيتعرض لموقف كهذا.. ولا في أسوأ كوابيسه حالكة السواد..
أكيد (س-600) ينتقم منه شر انتقام..
لكن رب ضرة نافعة.. فقد جعله هذا يصاب بسعار حيواني.. سيأكل حنجرة أول وغد يفكر في الاقتراب منه.. صحيح انه فقد كل أسلحته الحديثة لكن من قال انه سيستسلم لهذا المصير المشين؟
رآهم يتخففون من ثيابهم ويريحون أسيافهم على الأرض فازداد جنونه.. وبدون تفكير وثب على أقرب قراب منه، وبمجمع قبضتيه سل منه السيف بالغ الثقل..
ـ سأفصل رأس من يقترب مني عن جسده..
تبادلوا النظرات ثم انفجروا في الضحك الشيطاني إياه..
إنهم لا يبالون به.. الأمر يبدو لهم أقرب إلى رجفة ذبابة تحتضر.. ربما جرح واحد أو اثنين ثم.. لا وقت للمجازفة إذن .. لابد أن يحدد هدف واحد ويوجه له ضربة واحدة ..
وبدون تردد دار على عقبيه وهوى بالسيف على رأس بافوميت نفسه..
هنا انفتحت أبواب الجحيم..
دخان أزرق كثيف تصاعد من مكان الرأس المبتور مع صوت خوار حيواني امتزج بصرخات الفرسان الذين روعهم المشهد.. رأس صنم يتكلم ويطلق خوار ثور ذبيح حينما تبتر رأسه، ويتصاعد من موضع البتر دخان أزرق .. هذا سحر أسود لا شك فيه.. الحقيقة التي اكتشفها من خلال تجربتين في النطاق النظيف، أنه لا يوجد نطاق نظيف في هذا العالم، أنت محصور إما بين جنون التكنولوجيا الحديثة وملوثاتها، أو هوس العودة للماضي المظلم بكل وثنيته ودجله وسحره ..
حينما نظر إيهاب للفرسان أدرك فداحة الأمر بالنسبة إليهم .. إنهم ينتفضون.. يتشنجون.. ينتفون شعورهم كالثكالى، ويتمرغون في الأرض.. ترى ما هي العقوبة الجهنمية التي تليق به بعد ما فعل؟
لم ينتظر ليفكر.. كان عليه استغلال الدخان الكثيف وحالة الجنون التي انتابت فرسان الهيكل كي..
كي يسترد أسلحته التي سلبوها منه وكوموها في جانب.. كي يستدير إليهم بكل مقت وتقزز.. كي ينظر لهم نظرة الوداع وهو يضغط على زناد سلاحه الألي..
كي يراهم وهم يتساقطون كالذباب تحت قدميه..
ـ موتوا.. موتوا..
ووقف ينتفض والدخان يتصاعد من فوهة سلاحه بانتظار رسالة من القيادة تعلمه بنجاح المهمة..
" أيها الشرطي.. خطر المتمردين لم ينتهي بعد.. لقم سلاحك وكن على حذر.."
ـ تباً..
قالها وهو يلقم سلاحه وعينه تجوب المكان من حوله.. لا شيء سوى جثث.. ورأس تيس مقطوع.. و..
هنا بدأ يلاحظ..
رأس التيس المقطوعة ليست على ما يرام.. هناك شيء يبرز بالتدريج من عند العنق.. بل أشياء.. وبدون تفكير صوب ناحية الرأس قبل أن يستكمل نموه الغريب وأطلق النار..
لكن الرأس لم ينتظره.. سرعان ما تحرك على ما يشبه الأقدام متوارياً خلف أحد الأعمدة..
" دمر رأس الشر"
أنه لا يحب المفاجئات في العمل.. لكن ليس لديه حل أخر حتى يخرج من هنا سالماً.. تقدم من العمود الذي توارى خلفه الرأس وقلبه ينبض بعنف.. ثم دار بحذر من حوله وهو يكتم أنفاسه وأصبعه السبابة يداعب الزناد..
هنا شعر أن الدنيا قد أظلمت فجأة أمامه فتراجع تلقائياً وهو يصيح في فزع..
الخوار المريع يصم أذنيه والمشهد الأبشع يذهل عقله عن الاستيعاب. لقد نبت للرأس جسد ضخم له فراء كفراء الدب.. لقد عاد للحياة كالعنقاء لينتقم.. الوثبة الهائلة التي قطعها المسخ كانت لا تتناسب مع حجمه الهائل.. وسرعان ما كان يجثم فوق أنفاس إيهاب..
دوت عدة طلقات مكتومة بعدها طار المسخ من فوق إيهاب وهو يطلق خواراً متألماً.. ونهض الاخير من تحته وهو يعب الهواء عباً..
إنه لا يموت.. سرعان ما يعاود الهجوم بضراوة أشد.. لكن لاحظ إيهاب أن حجمة قد قل عن ذي قبل..
وقفز إيهاب جانباً متفادياً الوثبة العارمة وهو يطلق الرصاص..
إن مؤشر صحة إيهاب يتضاءل.. لقد أصيب من جراء هجوم ذلك الكيان المريع، لكنه في المقابل يفقد المزيد من حجمه وقوته..
لا بأس أنت تقترب يا إيهاب.. أخيراً صار المسخ يزحف وهو يجر أطرافه الأربع.. بدا حجمه أقرب للجدي الحقيقي.. فقرر إيهاب أن يوفر طلقاته ويتعامل معه على أنه مجرد جدي ضال..
انتزع مديته ووثب فوقه فاطلق الرأس ثغاء أقرب للبكاء.. بسرعة مرر المدية من تحت الذقن المدبب ولم يتوقف حتى انتزع الرأس كاملة.. حينما رفعها عالياً اكتشف أن جسد المسخ تحول إلى بقعة سوداء بلا معالم.. شعر إيهاب بأنه يقف في بركة وحل ..
" دمر رأس الشر"
فهم الرسالة هذه المرة.. لن يكرر خطأه.. أخرج قنبلة يدوية ونزع صمامها، ثم حشرها في فم التيس ورماها بعيداً..
لم يكد يدوي الانفجار حتى ظهرت له عبارة " تمت المهمة بنجاح "
و ساد الظلام..
***
تأمل (س-600) التقرير الرقمي الذي قدمه له إيهاب فور عودته إلى الوحدة وبدا راضياً من إضاءته البنفسجية..
ـ ممتاز يا إيهاب.. لكن لماذا ترغب في طلب نقل من وحدتك؟
قال إيهاب وهو يتذكر رحلته المرة من النطاق المشئوم حتى وصل إلى هنا بثياب الرهبان :
ـ لقد تعبت..
قال (س – 600) بلهجة استخفاف معدنية :
ـ هذه طبيعة عمل الشرطة في أي وحدة أخرى..
كان يتمنى لو صارحه بأن هذه طبيعة من يعمل مع روبوت مثله، لكنه آثر السلامة قائلاً :
ـ أريد أن أعود للأعمال المكتبية..
ـ خسارة.. أنت ضابط ممتاز..
ـ مهمتي الأخيرة كانت مباراة اعتزال..
ـ حسناً.. سأقبل طلب نقلك لكن بشرط.. أن تقبل مهمة أخيرة.. مهمة أخيرة من أجلي..
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس