منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-18-2019, 10:26 PM   #14
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(2)

عفاف كانت زوجة وأم..
زوجة لرجل يعمل ضابطاً في الجيش الأممي.. يدعى حسن..
وأم لطفل جميل في السادسة أصر والده على تسميته عماد الدين لسبب غير مفهوم..
زوجها كان طبيعياً حتى قرر أن ينغمس في قراءة كتب الماضي.. فغاب عن حاضره.. وكانت عفاف تخبره أنها تنتظر اليوم الذي سيعرضونه في متحف للحفريات بفارغ الصبر..
كانت تدرك أنه قد بدأ يبغض النظام العالمي وكل ما يمت إليه بصلة منذ انغمس في القراءة.. زوجها هو الوحيد الذي ما زال يملك كتباً حقيقية في عالم الإلكترونات السابحة والعوالم الافتراضية.. وكان بحكم كونه في الجيش الأممي يخضع لنظام شرائح مستقل غير شرائح المدنيين .. وتعرف أنهم قريباً جداً سوف يستدعونه ويحاسبونه على أفكاره المعادية التي لا يمكن كبحها.. سيحاكم بتهمة الخيانة ويضرب بالرصاص .. ربما سيجعله هذا سعيداً فعلى الأقل سيموت بوسيلة قديمة.. لن يقضي بسكتة قلبية كما هو الحال مع المدنيين المتمردين..
هكذا كانت عفاف تعد نفسها لحمل لقب أرملة من قديم.. لكن زوجها قرر أن يرحل بدون صخب.. لا تهم خيانة ولا رمي بالرصاص..
واستيقظ عماد الصغير يوماً ليجد فراش أبيه خاوياً.. واستغرب لماذا لم تبك أمه وهي تعلمه بالخبر.. ولماذا اختفت كتب أبيه مع رحيله عن العالم..
هل كانت تنتظر وفاته بفارغ الصبر لتتخلص من كل ما يمت له بصلة ؟
حينما كانت تنظر في عيني ولدها كانت ترى نظرة انكسار تثير أعصابها.. كانت تردد في نفسها بغيظ : أفهم أنه قد صار ظهرك مكشوفاً للعراء.. مهما دثرتك بالأغطية الثقيلة.. فغطاء الوالد لا يعوض.. أفهم هذا ولا أجد لك حلاً إلا أن تسكت عينيك التي ترمقني بها بهذه الطريقة..
ـ لماذا مات والدي؟
قالت له وهي تقلب بصرها في إعلانات المرئي :
ـ كل الناس يموتون..
ـ ويذهبون إلى الجنة..
تركت النظر في الشاشة بعد أن اكتشفت أن ولدها بدأ يستعمل عقل الطفل الجهنمي في جلب المتاعب عن طريق الأسئلة المستفزة.. قالت: :
ـ الطيبون منهم فقط، و المزعجين يذهبون لهيدز..
ـ وأبي كان طيباً؟
قالت من بين أسنانها :
ـ أكيد..
ـ متى أراه ثانية؟
ـ اطلب له الرحمة.. وغداً حينما نموت جميعاً سنلتقي جميعاً في الجنة..
ـ ولماذا نؤجل عمل اليوم للغد؟
أغلقت المرئي بعصبية..
لعلها الآن تدرك فائدة الأب في حياة الأسرة.. فهو الشخص الذي كان سيريحها من كم الأسئلة والاستفسارات التي تنهال على رأسها الآن.. هذا يذكرها باختبار لمادة لم تذاكر منها سوى صفحة واحدة من أول الكتاب وصفحة من أخره.. وعليها أن تستنج ما بينهما..
لكن عذابها هذا لم يطل.. لأن عذاب أكبر كان بانتظارها.. كان طفلها الوحيد على موعد مع المرض الذي سيعجل به..
سيكون لديها متسع من الوقت لتجن.. لتظل تنهش مرتبة الفراش التي ترقد عليها جثته.. جثة تركها السلالي اللعين هيكلاً عظمياً مدهون بالشمع..
في الأيام التالية سيكون لديها متسع من الوقت لتكره نفسها وتكره النظام العالمي الذي تحيا فيه، وستتمنى لو شاركت في هدمه على رؤوس من فيه..
لم تكد تفكر في هذا حتى فوجئت بأن كل شرائحها الذكية معطلة.. وحينما غادرت وحدتها متجهة إلى أقرب مركز معتمد للصيانة فوجئت بذلك الزائر الودود على باب دارها..
ـ الشرائح الذكية لا تعمل في وجودنا..
ـ من أنتم؟
ـ نحن العدو رقم واحد للنخبة الأممية..
قالت وهي تبتسم ابتسامة غامضة :
ـ لقد وقعتم على منافس جيد لكم في كراهية النخبة..
كانت جملتها تلك بمثابة توقيع على عقد انضمامها للرفاق..
نزعوا عنها شرائحها وأخبروها أنها سترحل إلى مقاطعة أخرى
لتبدأ فيها من جديد..
قال لها الودود :
ـ في تارتاروس حيث ستذهبين.. توجد أسرة من أعرق أسر الرفاق.. ستكونين واحدة منهم.. عسى أن يعوضك هذا عن حياتك الأسرية التي دمرت في إلوسيوم..

***

في تارتاروس نسب التلوث مرتفعة جداً.. لذا لن يمكنك السير خطوتين في الهواء الطلق بدون قناع واقي على وجهك..
والبعض كذلك كان يحمل على ظهره أنابيب أكسجين للطوارئ.. والجو أصفر مكفهر كوجه الزمنى، والزحام شديد ودرجات الحرارة مرتفعة بفعل التلوث والعوادم..
هذا هو المكان الذي اختير لباسم ليبدأ فيه من جديد..
إنه انحدار في مستوى المعيشة بلا شك، لكنه انحدار من أجل القضية.. هكذا قالوا له هناك.. وهكذا مضى في طريقه بحذر كي لا يصطدم بأحد بسبب قناعه الذي يرى منه بالكاد.. الجو العام هنا يذكره بجو الحروب الكيماوية القديمة..
المقاطعات الأسوأ هي الملاذ الآمن للرفاق دائماً، فمع ارتفاع نسب التلوث والعوادم تخف قبضة النظام العالمي، ويدب العطب في أجهزته الذكية.. وهذا هو كل ما يريده الرفاق..
يخيل إليه أنهم توصلوا لاتفاق ضمني بينهم وبين النخبة ههنا.. لكم الاسم ولنا نحن الإدارة الحقيقية.. فمن يعبأ بمشاكل تلك المقاطعات التي هي على شفا البركان..
كان على وشك فقدان الوعي حينما قابل عارف لأول مرة..
كان طويل القامة ضخم الجثة وعضلاته تعلن عن نفسها من تحت الثياب.. تبادل معه كلمة السر بالإشارة، لأنهم لن يستطيعوا الكلام من وراء الأقنعة.. لذا يلتزم جميع المواطنين هنا بتعلم لغة الصم والبكم للتفاهم في الطرق العامة..
سيتولى عارف تدريبه وأقلمته على حياته الجديدة.. سيكون رفيقه الأكبر، أي أستاذه ومعلمه..
بعد التعارف اصطحبه إلى فندق لوتس حيث سيقيمان سوياً.. حينما دخلا إلى اللوبي سلموا أقنعتهم لأحد العاملين ووقفوا يتنفسون هواءً نقياً نوعاً ما.. هناك فلاتر تقوم بتنقية الهواء بالداخل حتى يتمكن البشر من التحرر من الأقنعة المرهقة والتخفف من حمل أنابيب الأكسجين..
صاحبة الفندق عاهرة قديمة وجاسوسة نشطة لصالح شرطة النظام العالمي .. اسمها ليليان.. يمكنك أن ترى في عينيها وتجاعيد وجهها تاريخها الأسود المليء بالمآسي والويلات..
قال له عارف فيما بعد أنه فخور لكونه يعمل تحت سمع وبصر تلك البومة العجوز.. ليس من السهل خداع العقارب كما هو معلوم..
لكن لماذا نسكن في فندق صاحبته عميلة للشرطة؟
الجواب أن هذا ليس من شأنك أنت، لكل مقام مقال..
المكان بالداخل لا يشجع على الإقامة فهو قاتم وغير نظيف.. كاد يصارح عارف برأيه لكنه فوجئ به يقول وهو يغمز بعينه كأنه سمع أفكاره:
ـ هذا أرقى فندق في تارتاروس كلها..
طبعاً ابتلع باسم ريقه ولم يعقب..
بعد أن أكلا طعاماً لا يقل شناعة عن المكان طلب منه عارف أن ينام قليلاً قبل أن يبدأ التدريب.. نام باسم قليلاً جداً حتى اضطر عارف في النهاية إلى هزه في عنف كي يهب من فراشه مفزوعاً وهو يصيح:
ـ من أنت؟
تجاهل عارف سؤاله وهو يقول ببرود :
ـ لم أطلب منك أن تموت هنا.. قم فلدينا عمل طويل..
علمه الرفيق عارف كيف ينظف المكان الذي يسكن فيه من أجهزة التنصت التقليدية.. كان يتمنى لو علمه كيف ينظف المكان من الحشرات والأتربة والبقع الصفراء كذلك ، لكن هذا لم يكن يوماً من اختصاصهم .. الرفاق يريدون تنظيف العالم من النخبة التي تحكمه بالحديد والنار.. أما القذارة فستزول بالتدريج مع زوال الطغاة..
بعد درس التنظيف بدأ عارف يلقنه أساليب الرفاق في التخفي.. كيفية المراقبة والهروب من المراقبة..
ولما تحول عقل باسم إلى خلية نحل طنان قال له عارف :
ـ لنواصل غداً..
ـ هل تستعدون للحرب ههنا؟
قالها باسم مداعباً، لكن عارف لم يبتسم كعادته.. قال :
ـ أنت لم تنضم لفريق الكشافة المدرسية..
هز باسم رأسه محبطاً بمعنى بلى.. الحقيقة أنه لم يتصور التمرد بهذه المشقة..
كان يسمع عن عملياتهم من خلال النشرات فيمتلئ بالإثارة كأنه يتابع مباراة كرة قدم لفريقه الأثير.. ولما صار جزء من الفريق نفسه تبين له أن صناعة الإثارة ليست مثيرة دائماً..
إنه يتلقى تدريبات غاية في الغرابة والخطورة.. كيف تصنع متفجرات من الطعام الذي تطهوه لك الأخت ليليان؟.. كيف يمكنك تحويل مسكنك لجحيم لو تمت مداهمتك في أي لحظة؟.. هؤلاء محترفون للغاية في التدمير.. تخيل باسم أنهم ربما يفكرون في تدمير نصف الكرة الأرضية حتى يتمكنوا من حكم النصف الأخر ببال رائق..
بعد عدة أيام من التدريبات القاسية والمتواصلة قال له عارف أن عليهما زيارة الأسرة الكبيرة في تارتاروس .. هذا يعني أن باسم قد اجتاز تدريبات القبول الأولية داخل الأسرة بنجاح .. وأنه قد حان الوقت لمقابلة ربها..

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس