منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - يوتوبيا الشياطين (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2018, 09:30 AM   #9
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


7ـ النزيف

قلت لها في بلاهة :
ـ ماذا ..؟
ـ مازال ...الـ... لقد.. عاد..
هرشت مؤخرة رأسي متسائلاً :
ـ وهل هذا طبيعي ؟
ـ لا أدري ..
ـ الطبيب يدري ..
هنا انفتحت أبواب الجحيم، وخرجت الشياطين تغزو سحنة الفتاة البريئة، وتطاير
الزبد من شدقيها وهي تصيح:
ـ تريدني أن أذهب للحكيم ..هذا محال .. هذه معرة كبيرة ..كيف؟.. كيف؟..
وضع عندك عشرات من (كيف ) هذه حتى تصل بها إلى المريخ ..
غاية ما هنالك هو أن والدتها ستستدعي الداية والتي سيكون اسمها ـ غالبا ـ أم شيء ما،
كي تفحصها وهو ما كان سيثير جنوني حتما، هذا ما كان ينقصني، علوش أخر في قالب انثوي ..
تباً للريف الذي يتعامل مع جسد الانثى بتلك الحساسية الساذجة الموروثة من القرون الغابرة!..
الواحدة من هؤلاء تتصور نفسها مطمعاً لكل ذكر متحمس حتى وإن كان مجرد طبيب لا يعبأ
غالباً إلا بفاتورة الكشف الفلكية التي سيدفعها الزوج المسكين. كنا في القاهرة قد تحللنا
بقدر كافي من تلك القيود الشرقية بفضل الانفتاح على العالم المتحضر، لكن المجتمع
الريفي مازال يرسف في أغلال الماضي.
وكان يوم عرضت فاطمة على الطبيب يوماً مشهوداً وأسوداً في تاريخ أل جابر الصوالحي ..
الفتاة عادت منهارة كأنما تعرضت للاغتصاب ..وعدت أنا محتاراً مشوشاً تدوي في أذني كلمات
الطبيب :
ـ لا شيء .. زوجتك تتدلل عليك ...
ـ والدماء ...؟
ـ الفتيات يتحججن بما هو أكثر من ذلك..
هل هذا هو كل شيء؟
هل خدعت الفتاة القروية ضابط النقطة الفذ..
إذن فقد ولى عهد الدبلوماسية وأتى عهد الحديد والنار ..
لم تكن بحالة مزاجية جيدة بعد زيارة الطبيب لكنني كنت حانقاً جداً ومصراً جداً، سمعت
كثيراً عن مكر الفلاحين، واليوم أعاينه وأراه متجسداً في تلكم الفتاة التي تدعي
السذاجة والبراءة الخادعة ..
لكنني لم أكد أمسك كتفيها حتى انهارت كالبالون الفارغ من الهواء، انفلتت من
بين ذراعي وخرت إلى الأرض..
لم أقبل أن أخدع مرتين فأهويت إليها حانقا وقبل أن أتفوه بكلمة ارتطمت عيني
ببقعة الدم التي تتسع وتتسع من تحتها ..
رفعت بصري ملتاعاً إلى وجهها فهالتني الصفرة التي بدأت تغزو بشرتها . تباً
حتى المتنورون أمثالي يرتكبون الحماقات القاتلة..
" لا شيء .. زوجتك تتدلل عليك .."
ترددت كلمات الطبيب الأحمق في رأسي وأنا اتحرك أمام غرفتها ذهاباً وإيابا...
ماركس لماذا تركتني؟ أنت ميت أصلاً فليس لديك عذر لتختفي عني كل هذه المدة؟
لقد تركتها بالداخل ومعها أمها، حضرت مع والدها الحاج جابر نزولاً عن رغبتها في
استدعاء أمها لتكون بجوارها، لكنني غير مستعد لحلول أمها الخرافية، ولن أحتمل أكثر،
عقلي قد تحول إلى خلية نحل نشطة لا تكف عن الطنين ..
ترى ما الذي يجري لي؟ ماذا أصاب فاطمة ؟ هذا نزيف وليس حيض، لكن النزيف يأتي
أحياناً للمتزوجين حديثاً لكننا لم نتزوج عملياً بعد..
الطبيب يعلن لي أنه لا سبب منطقي لذلك النزف، وهل علي أن أبحث عن سبب
خارج حدود المنطق ؟
لكن الحاج جابر عاجلني بالضربة القاضية..
ـ إنه علوش ..
التفت إليه في حدة ، كان جالساً على أحد المقاعد وقد أراح رأسه على كفيه المشبكتين
واستطرد بصوت متحشرج :
ـ هذا انتقامه منا ...لأنك تحديته..
كنت قد نسيت ذلك الاسم تماماً، وها هو ذا يقتحم على حياتي في أحلك الأوقات، فقط ليزيد
الطين بلة ..
وتداعت في ذهني ذكريات كابوس لم تندمل آثاره في نفسي بعد، مطاردة كلب أسود
لا ظل له، بيت طيني ورائحة خبيثة، وجه علوش المرحب والمائدة الخشبية و...
والساعة الرملية!..
بلى الساعة الرملية التي تحوي سائلاً أحمراً كالدم، لا بل هو دم، دم ينساب من أعلى لأسفل!..
لا ااااااااااه.....
لا يمكن أن يكون هو من وراء كل ذلك ..
أنا الذي تحديته وكان ينبغي له أن يوجه سهامه إلي، لا إلى فاطمة، هذا لو كان يملك
سهاماً أصلاً ، إنها الصدفة تلعب لعبتها مع العقول التي عششت فيها الخرافة وباضت
وفرخت ..
ـ وما ذنب فاطمة ؟ كان المفترض أن ينتقم مني أنا..
قلتها في حدة للحاج جابر فنظر لي بعين زائغة كأنه يبحث عن رد يقنعني والسلام، ثم
إنه أطرق إلى الأرض في أسى، لعله يلعنني الأن في نفسه ويلعن اليوم الذي تزوجت
فيه ابنته، إلعني كما تشاء فقناعاتي لم ولن تهتز ..
لكن الأيام التالية وجهت لي المزيد من اللطمات..
النزيف لا يأتي إلا حينما أحاول الاقتراب منها، مجرد التفكير في ممارسة حياة زوجية
طبيعية يعني عودة النزيف مرة أخرى ...
لا شيء يفسر ما نحن فيه ، تفسيراً علمياً منطقياً..
الجنون..
أحدهم يدفعني لحافة الجنون، أحدهم يغلق كل الأبواب ويترك لك باباً واحداً ..
باباً واحداً لكنك تتجنب حتى مجرد التفكير فيه ..
ووقفت أرمق الكتب المصفوفة في رفوف مكتبتي المتواضعة، كتب اليسار التي غرقت
فيها حتى شحمة أذني، وكأني انتظر منها الجواب، لكن لا جواب، لا فائدة، حتى
ماركس اتضح لي أنه وهم صنعه خيالي، لماذا لا تكون كل تلك الأفكار كذلك، مجرد
أوهام وسراب..
وطاشت يدي في الرفوف وتناثرت الكتب على الأرض لتدهسها قدمي بكل الحقد
والغيظ، وأخذت أنظر لاهثاً لأرفف المكتبة فوجدت كتاباً واحداً قد بقى صامداً، لم يهتز
ولم تطله بطشة يدي ..

***

قبل أن ترحل سأعطيك شيئاً ..
أغمضت عيني متوقعاً العطية التقليدية في مثل تلك المناسبات ..
وسرعان ما دس أبي المصحف المزركش في يدي..

***

نعم أتذكر..
إنه الكتاب الوحيد الذي لم يتهاوى مع بقية الكتب ..
لكن لماذا .. ؟
ولماذا احتفظت به رغماً عني وكأن هناك قوة ما دفعتني للإبقاء عليه، وسط كل
هذا الكم من الكتب التي تتنافى أفكارها مع ثوابته...
ترى ما كنه تلك القوى؟..
وهل لديها حل لمعضلتي؟..
لقد تحول عش الزوجية إلى حفرة من حفر جهنم..
صرت عصبيا انفجر عند أدنى كلمة ..كنت كالصخرة التي تتدحرج حثيثاً نحو
هاوية بلا قرار ..
وتأملت في المرآة لحيتي التي نمت والسواد تحت عيني التي ترمقني بنظرة
حادة مفزعة.. هذا وجه شيطان زنيم وليس وجه (عريس).
ـ أنا لا أصدق أن الشيخ علوش هو السبب ..
علوش مرة أخرى، أنا لم أعد أحتمل، قررت ألا أرد، فلا أضمن أن يفلت الزمام من قبضتي و...
لكنها تابعت بحذر :
ـ لم يكن ليؤذيني فهو الذي جلبك إلي..
طبعاً كان هذا كافياً كي انفجر فيها كاللغم..
ـ تباً لك ولعلوش معاً..
بعدها لم أشعر بنفسي، المسكينة تلقت شحنة الغضب التي ما كان لها أن تتلقاها،
وما كان لها أن تحتمل صفعات وركلات ضابط شرطة محنك مثلي..
وحينما تهاوت على الأرض استفقت على الكارثة .. لقد عاد لها النزيف ليشترك
معي في القضاء عليها..
أهويت إليها، هززتها عدة مرات لكنها لم تستجب، صرخت في أذنها، ردي علي،
وضعت أذني على صدرها لأسمع دقات قلبها، دفنت وجهي في صدرها، صرخت باسمها...
فاطمة البريئة الندية، التي أشعرتني بآدميتي وأن لقلبي وظيفة أخرى غير ضخ الدماء ..
فاطمة الزهرة اليانعة التي سحقتها يد قاسية ..
فاطمة البسمة الرقيقة سقطت ضحية للعند والكبر والقسوة.
ذئب ضاري لا يرحم هذا هو ما كنته، لا فرق بيني وبين علوش..
علوش!
علوش هو الباب الذي رفضت طرقه، والأن أنا مستعد لما هو أكثر ..
من أجل فاطمة..
حملتها حملاً إلى حيث غرفة النوم ووضعتها بحرص على الفراش، هناك خيط أحمر
يتبعني حيثما سرت، تباً الفتاة تتفلت مني..
همست في أذنها:
ـ تماسكي يا فاطمة حتى أعود.. تماسكي أرجوك..
وغادرت كالسهم قاصداً الشخص الذي تسبب في مأساتي..

***

حمام دم ..
طوال الطريق الذي قطعته بسيارتي من البندر إلى كفور الصوالح والكلمة تدوي في عقلي..
سيارتي!
هل كانت لي سيارة؟ لم أعد أركز جيداً.. ولم يكن لدي الوقت ولا البال الرائق
للتركيز في هذه الأمور ..
المهم أن هناك سيارة وسأصل بها للوغد علوش، بعد دقائق، بعد ثوان، بعد...
قمت بتوجيه أقسى ركلة ممكنة للباب الذي لم يحتمل وانفتح على مصرعيه فإذ
بالشيطان يعدو في فزع ناحية باب أخر خلفي..
لكن رصاصة مدوية استقرت في فخذه جعلته يبرك كما يبرك الجمل أمام الباب ..
كان مساعد الشيطان عطوة ينام فوق دكة بجوار الباب فنهض مذعوراً من نومه، عقله
لم يستوعب بعد ما يجري، حينما رآني أمامه فتح فمه ليقول شيئاً أو ليصرخ لكنني
عاجلته بطلقة هشمت أسنانه وخرجت من قفاه..
وسقط من فوره كالحجر فتجاوزته بسرعة لأصل إلى علوش الذي صرخ حينما قبضت
على ياقته ودفعته ليرتطم بالمنضدة..
انقلبت المنضدة وتناثر من تحتها موقد كيروسين وبعض اللفائف من ورق وجلد
ومساحيق لا أدري كنهها و...
وشيء أخر أثار عند رؤيته الرجفة في أوصالي ..
إنها الساعة الرملية التي رأيتها في الكابوس..
بيد مرتجفة رفعتها وتأملتها عن قرب..
ـ لم يكن مجرد كابوس إذن ..
ثم التفت إلى علوش مستطرداً :
ـ كنت أنت السبب في كل ذلك .. وإن كنت لا أدري كيف.. ودفعت فاطمة ثمن عبثك ..
لكنك ستخبرني كيف اتخلص من تلك اللعنة ..
عض شفته السفلى في ألم وهو يتحسس فخذه ثم رفع طرفه إلي في مقت مستطرداً
بنبرة لا تخلو من سخرية:
ـ إذن فقد آمنت أخيراً ..
تلقى ركلة عاتية في فخذه المصابة فشق صراخه سكون الليل وصدع جنباته، وجذبته
من شعره الجعد وضربت رأسه بالمنضدة صائحاً :
ـ سوف أجعلك تنزف كل قطرة من دمك أمام عينيك.. لو لم توقف نزيف فاطمة ..
قال لاهثاً بطريقة تجمع بين الألم والنشوة:
ـ الساعة الرملية وسيلة لا يتوصل إليها إلا المحنكون أمثالي، الساعة الرملية المليئة بسائل
خليط يشبه سائل الحياة.. نوع من الأعمال السفلية التي تصنع للنساء كي تظل الواحدة
منهن تنزف دون سبب كلما اقترب منها زوجها ..النهاية محتومة ..الفراق أو الموت نزفاً..
كان هذا هو انتقامي .. الوحيد الذي يستطيع إنقاذها هو أنت .. ابتعد عنها.. اتركها وشأنها..
دفعت فوهة مسدسي في ثقب الطلقة الغائر بفخذه فصرخ كالنساء .. وهدر صوتي كهزيم الرعد في أذنيه :
ـ تريد أن أطلقها ويكون هذا إعلان هزيمتي أمامك..
ـ هل تستطيع أن تفعلها من أجل فاطمة..
أظلمت أمامي الموجودات..
يمكنني أن أنقذ فاطمة، وأخسر اليوتوبيا التي جئت من أجلها..
رأيته يبتسم في جشع قائلاً :
ـ لا تستطيع؟!.. هه؟!..
ببطء ارتفع سلاحي في وجهه فتجمدت الابتسامة على وجهه، قلت له في برود :
ـ إذا لم يكن باستطاعتك إنقاذ فاطمة فما الجدوى من بقائك على قيد الحياة..
قال في سرعة :
ـ بل أنت الذي لا يريد أن ينقذها في الحقيقة.. هذا لأنك مثلي تماماً.. كل منا يحمل بداخله نفس
القدر من الشر.. لكن الفارق بيني وبينك هو أنك تكابر ولا تريد أن تعترف.. كلانا يستحق القتل..
عليك أن تصوب هذا السلاح إلى رأسك أولاً..
قلت بنفس البرود وسبابتي تداعب الزناد:
ـ لو فعلت كيف سأقتلك بعدها؟..
قال وهو يبتسم في خبث :
ـ ألم تسأل نفسك لماذا لم أوذيك أنت ؟
صمت برهة وأنا اتردد في نسف جمجمته..
نعم، لماذا لم يؤذيني أنا؟
خفضت يدي فالتمعت عين علوش الباقية بنظرة انتصار تقول أن لدى صاحبها الكثير من
الأسرار لم تكشف بعد.

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس