منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - يوتوبيا الشياطين (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-27-2018, 10:16 AM   #11
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


9ـ شيطاني

قلت لماركس من بين أسناني :
ـ كنت شيطاني منذ البداية.. وأنا الذي حسبتك ملهمي ..
ابتسم في تواضع قائلاً :
ـ كنت ملهمك بالفعل .. وما زلت ..
صاح علوش وهو يضغط على فخذه ليوقف النزيف :
ـ الأن يمكننا أن نتفاهم..
التفت إليه في حدة. كان يرى ماركس مثلما أراه تماماً. لم أكن زبونه
الوحيد في هذا العالم. أثار هذا جنوني، فصرخت مصوباً إليه مسدسي:
ـ لا تفاهم بين الذئاب..
شعرت بكف ماركس الباردة على عاتقي وبصوته ينساب في أذني :
ـ بل حتى الذئاب تتفاهم يا رفيق..
انتفضت ملتفتاً إليه..
ـ لا تلمسني!
لوح بكفه متفهماً.. ثم قال بتؤدة :
ـ دعني أشرح لك.. أنت وعلوش كنتما مشروعا عائلتي المجيدة.. أنت تراني
كارل ماركس وهو يراني واحداً من الأسياد.. لكن هذا لا يغير شيء من الحقيقة..
لقد لعبت الصدفة دورها في تواجدك مع علوش في مكان واحد.. ولقد حاولت
منعك قدر الإمكان من التصادم معه لاختلافكم الظاهري في الأفكار. إن عالمنا
عبارة عن شبكة ضخمة متشعبة لا يمكن تصور أبعادها ولا مدى نفوذها في العالم..
أحياناً تقتضي المصلحة ألا يعلم عملائنا عن بعضهم البعض شيئا، وهذا هو
ما قد يؤدي أحياناً لما نحن فيه الآن..
وسكت برهة مطرقاً، ثم عاد ورفع رأسه قائلاً في بغض:
ـ بالرغم من ذلك كان بالإمكان تلافي الصدام بينكما.. لكن فاطمة كانت هي بداية
النهاية، إنها فتاة على فطرتها والفطرة هي أشد ما يزعج أمثالنا.. لا ندري كيف
همتما بها حباً؟ المفترض أن كلاكما بلا قلب تقريباً.. وكان الصدام المتوقع..
الآن تفهم لماذا حاولت إثنائك عن الزواج منها لكنك ركبت رأسك..
ونظر لعلوش مردفاً :
ـ وهو كذلك ركب رأسه..
ثم عاد لي مردفاً وهو يغمز بعينه:
ـ لكنني لم أمكنه منك ..
صاح علوش وهو يحجل على قدم واحدة كالغراب :
ـ هو الذي جار على منطقة نفوذي.. أنا لن أتنازل عن حقي..
تجاهله ماركس وواصل الكلام معي:
ـ كان لابد من مكاشفة.. بعد مفاوضات ونقاشات طويلة بين مجلس إدارة العائلة
الكريمة توصلنا إلى حل وسط..
وضم كفيه إلى صدره مردفاً :
ـ ستعودان للعمل سوياً كفريق عمل واحد وإن بدا في الظاهر أن ثمة تعارض بينكما..
رفع علوش كفه الملوث بالدم وقال :
ـ قبل أي شيء أنا لي حق عرب عنده..
قال ماركس في صرامة مباغتة :
ـ لا وقت للضغائن..
قلت لهما في غيظ :
ـ تتكلمان وكأننا شركاء في تجارة.. لا في إضلال البشر..
رفع ماركس سبابته في وجهي قائلاً :
ـ إنها أربح تجارة ممكنة يا رفيق..
تراجعت للخلف قائلاً في حزم :
ـ أنا لدي عرض أخر..
وقبل أن يفهما شيئاً أنطلقت رصاصة لتخترق جبهة ماركس، وأخرى نسفت
عين علوش المتبقية..

***

وقفت مشدوهاً أتأمل اللوحة الدموية التي رسمتها بنفسي في قلب بيت علوش الطيني ..
الدم وشظايا الجمجمة ورقائق المخ البيضاء تلطخ الجدار الطيني وراء علوش ..
علوش الذي كان منذ ثوان يتأملني في تلذذ ..
صار جثة تعسة فقدت عينها اليمنى مقابل صفقة مع الأسياد وفقدت اليسرى بطلقة
من مسدس خادم أخر من خدامهم، دجال أخر وإن كان من نوع خاص ..
لأول مرة في حياتي أجرب شعور القاتل..
هنا سمعت ضحكة ماركس..
كان ممدداً على الأرض لكنه تمكن من رفع رأسه متسائلاً :
ـ هل كنت مقنعاً؟..
صوبت إليه مسدسي بسرعة لكنه اعتدل في خفة وقال رافعاً كفيه كالمستسلم :
ـ لا تحاول فليس لدي أداء مسرحي أفضل من هذا..
قلت له في غل :
ـ لماذا لا تموت يا ابن الـ...
طقطق بلسانه محذراً ثم نفض الغبار عن ثيابه وتجاوز جثة علوش
وهو يرمقه باشمئزاز قائلاً :
ـ الحقيقة أنا أوافقك على شطر عرضك الأخر..
هنا سمعت تلك الحركة الخفيفة من ورائي فالتفت لأراه ..
بالفعل لم يكن له ظل وهو يعبر الباب المهشم ويتجه حثيثاً إلى حيث جثة علوش..
الكلب الأسود الذي يلغ في دم الأضحية التي يتقرب بها للأسياد ..ترى هل قرر
الأسياد اعتبار دم علوش مقدم لصفقة جديدة معي ..ولما لا.. أشعر أنني ضعيف
جداً في هذا العالم الكابوسي.. وربما كان الرضوخ له ما يبرره..
كذلك الإغراء يبدو شديداً ..ذلك العالم المجهول الذي يفتح أبوابه أمامك لتدخل ..
نظرت إلى ماركس فرأيته يبتسم لي في ود قائلاً :
ـ لم يبق غيرك.. إن العائلة تراهن عليك الآن..
هنالك في ذلك الجزء الغامض من نفسي تنمو تلك البقعة البيضاء وتتسع..
تتسع على حساب الأسود القاتم..
وتدوي كلمات ماركس من قلب الظلام النفسي المشوب :
ـ يمكنك أن تؤدي لنا المشروعين معاً.. ستصير في النهار الضابط مجدي
اليساري المادي صاحب السلطة الزمانية.. وفي الليل ستكون لك السلطة
الروحية على قلوب أهل القرية.. ستمارس ما كان يمارسه علوش.. هل نحن متفقين؟..
لكن أمي تقف وهي تلوح بالمغرفة في يدها متوعدة..
ـ إياك يا مجدي..
الكلب الأسود يرفع رأسه ويطلق عواء متململاً.. إنه ينتظر
الرد.. كاميليا تنتظر الرد أيضاً.. رئيسي المباشر يوقع لي على قرار نقلي للجحيم..
ماركس يدور حولي هو يضحك في جشع.. أبي يضع المصحف في يدي..
حاول أن تثبت أنك ابني حقاً..
الكلب يعوي في جنون.. وماركس يتراجع في ذعر..
ـ لا ..
قلتها صارخاً بكل الحنق والغل الذي يعتمل في نفسي.. قلتها بمزيج غريب من
الحقد والبغض والنشوة، نشوة عصيان هؤلاء الشياطين..
ولو لمرة واحدة، حتى وإن كانت الأخيرة..
وفي لحظة اختفى الكلب الأسود اللعين، لكن ماركس ظل واقفاً مستنداً للجدار بلامبالاة..
لو كانت النظرات تحرق لتحول ماركس إلى رماد الأن.. لكن إذا كان الرصاص
لا يقتله فهل تقتله النظرات؟!..
وانحنيت ملتقطاً موقد الكيروسين..
نظر لي ماركس في برود قائلاً :
ـ ماذا تظن نفسك فاعلاً ؟..
تجاهلته وقمت بإفراغ الموقد على كل شيء تقريباً في ذلك البيت الشيطاني الكريه ..
هنا بدأ يصيح :
ـ أنت تدمر اليوتوبيا .. تدمر نفسك..
التفت إليه ممسكاً بعود ثقاب مشتعل وقلت له ببرود قاسي:
ـ بلى...
لقد تحررت منك يا ماركس.. تحررت منكم يا سادة الجحيم.. تحررت من نفسي الخبيثة..
سأحرق النار بالنار..
جريت إلى باب الكوخ وألسنة اللهب ترقص رقصة الجنون من خلفي فقط لأجده موصداً..
لقد حطمته برصاصة من مسدسي منذ قليل كيف صار موصداً كأن هناك من وضع حجراً وراءه..
حاولت مستميتاً فتح الباب حتى بدأت أشعر بلفح النيران يلسع ظهري..
ضحكات ماركس الرهيبة تأتي من لا مكان.. لم أعد أرى تقريباً من شدة النيران
والدخان، ولم يعد باستطاعتي الصراخ طالباً النجدة لأن السعال حال بيني وبين الصياح..
هذه هي النهاية إذن.. ربما كانت نهاية عادلة لوغد مثلي..

***

لكن هناك تلك الدكة الخشبية التي كان يستلقي عليها فأر علوش المذعور.. لو أقمتها
على الجدار فهي صالحة للتسلق و...
ساعدني يا إلهي..
كانت ثقيلة جداً.. وكادت عروقي تنفجر حتى أقمتها ثم أرحتها على الجدار بحيث
صارت مائلة عليه بظهرها.. هذا سيسمح لي بالتسلق على أرجلها الخشبية..
بدأت أتسلق حتى وصلت لحافة الجدار.. وهناك وقفت لأعب بعض الهواء الخالي
من الأدخنة التي أفعمت خياشيمي.. فلم أراع إلا والأرض تميد من تحتي..
لقد بدأت الدكة تتهاوى.. ربما أكلتها النيران أو أن ماركس قرر مداعبتي مداعبة أخيرة..
وبتلقائية وثبت محتضناً حافة الجدار العلوية وتخليت عن الدكة الخشبية لتهوي وسط النيران..
تعذبت كثيراً حتى استطعت الصعود فوق الجدار.. نظرت لأسفل بعين دامعة من أثر
الدخان.. ستكون وثبة بارتفاع طابق.. لا توجد شجرة واحدة يمكنني التعلق بأفرعها..
لا أريد أن أنجو من الحريق لتدق عنقي..
ودون تردد وثبت من فوق الجدار وكورت جسدي لامتصاص الصدمة لكن
مع ذلك شعرت بكل مفاصلي تئن.. قمت من على الأرض مغبراً وتأملت
الدخان يتصاعد من قلب البيت الشيطاني.. في تلك اللحظات شعرت أن الذي
يحترق ليس مجرد بيت علوش..
بل شيء أخر عشت أسيراً له منذ نعومة أظفاري.
و همست بصوت مرتجف:
ـ فلتسقط اليوتوبيا ..
وتوجهت إلى سيارتي بخطى مترنحة..
لقد بدت لي كفراش وسير يدعوك للراحة بعد يوم عاصف.. لكنه فراش لا يسمح لك بالنوم
أبداً ما دمت ستقود.. ألقيت جسدي خلف عجلة القيادة وأدرت المقود.. طبعاً لم تتحرك..
ضغطت على أسناني وأعدت المحاولة لكن السيارة لم تغير رأيها كما لكم لم أن تتوقعوا..
لم ينته الأمر بعد.. هناك من أتلف شيئاً بالسيا...
ـ مازال هناك اقتراح ثالث..
التفت في رعب لأجد ماركس جالساً في المقعد الخلفي كعهدي به لكنه هذه المرة
قد احترق نصف وجهه.. ونصف وجهه السليم كان يرمقني بنظرة شيطانية عابثة..

***

حاولت فتح باب السيارة فلم يستجب.. كل الأبواب لا تستجيب في هذه الليلة السوداء..
لقد صرت سجيناً مرة أخرى مع ماركس .. وسمعت صوته يلومني بلهجة أبوية مزعجة :
ـ لم يكن هذا هو العشم فيك.. أنا صنعتك من لا شيء.. أنا الذي ربيتك في الحقيقة..
لو كان لي ابن فهو أنت.. لكنه الجحود البشري الذي لا حد له..
قلت له وأنا أصر على أسناني فتكاد تنفلق :
ـ كيف الخلاص منك يا ابن الـ...
طقطق بلسانه (الذي لم يحترق فيما يبدو) وقال :
ـ يبدو أنني لم أحسن تربيتك جيداً.. على العموم أنا شيطان من عائلة محترمة جداً..
ولن أسمح لك بالإهانات.. دعنا نتحرك بعيداً عن هذا الجو الصاخب.. وبعيداً
عن عيون إخوتي الأعزاء كذلك ..
وانطلقت السيارة بلا حول مني ولا قوة كأن هناك سائق أخر يقودها غير مرئي..
كانت تجربة ممتازة.. ولولا الرعب الذي كان يعصف بي لاستمتعت بذلك جداً..
قلت له في شرود :
ـ لا أدري كيف خدعتني كل تلك الفترة ؟..
قال في مرح وهو يرتب على عاتقي :
ـ كما قلت لا وقت للضغائن يا عزيزي.. لو كنت مكانك لسألت نفسي ألف سؤال..
ما حقيقة الشخص الذي يحدثك طوال الوقت ولا يراه غيرك.. ويدعي أنه موجود
لأنه فكرة خالدة.. هل هذا يناسب شخصية مادية ملحدة؟.. أشياء كثيرة كان
ينبغي أن تنتبه لها.. حتى هذه السيارة التي نستقلها الآن.. كيف حصلت عليها
هكذا فجأة وبدون مقدمات؟.. إنها هدية زواجك من بابا ماركس.. كنت أعرف
أنك ستحتاجها كي تصل بسرعة لهنا.
كلما تكلم ذلك الشيطان كلما أشعرني بمدى حماقتي.. قلت له في سخرية مريرة :
ـ الحقيقة أن أفضالك علي قد فاقت الحد!..
قال وهو يبتسم في فخر :
ـ لكن هناك سر صغير وراء تقبلك لكل هذه المتناقضات.. كنت ألعب على بقايا الإيمان
الفطري بداخلك.. ما زلت ترتبط بجذورك التي نشأت فيها والتي تعتقد في وجود
عالم غيب وقوى خفية ستجعلك تصدق..
ـ ألا يوجد بشري غيري لتغويه؟..
برقت عينه السليمة في جشع وقال بصوت كالفحيح :
ـ الأسرة لا تفرط في عملائها بهذه السهولة..
ونظر لي بجانب وجهه الذي لم يتشوه نظرة افتتان مريعة وهمس كأنه يحلم :
ـ كانت الأمور تسير على ما يرام لولا تدخلات الأقدار..
قلت في هدوء لا يتناسب مع الموقف :
ـ ما دام هناك أقدار لا محيص عنها.. إذن فهناك من يقدر..
هز ماركس رأسه في بطء قائلاً :
ـ أكيد أي بني..
ابتسمت قائلاً في سخرية :
ـ ماركس الشيطان يؤمن بوجود الخالق..
ـ طبعاً يا بني.. الإلحاد أحمق فكرة زرعناها في عقول البشر وبالرغم من ذلك وجدت
رواجاً عالمياً مدهشاً..
هكذا بكل صفاقة يتكلم شيطاني المريد..
إنني أتضائل..
وواصل ثرثرته المحببة للنفس:
ـ صار الإلحاد هو موضة العصر.. الحصان الرابح الذي ينبغي أن نراهن عليه..
أنا أعتقد أن الدجل والسحر الأسود لن يكون له مكان إلا في المتاحف.. لكن بعض
أفراد العائلة ما يزال يعتقد أن الطرق القديمة لها رواج بين البشر..
طبعاً هو يهمز بقية أسرته اللطيفة دون تصريح..
قلت له بامتعاض مصطنع :
ـ هؤلاء شياطين رجعين لو أردت رأيي..
تجاهل سخريتي قائلاً :
ـ إننا نمارس مهمتنا الأبدية منذ فجر الزمان.. الإضلال.
قلت له وأنا أفكر في أكل حنجرته إن كان له واحدة :
ـ هل تعتقد أنني سأطيعك بعد كل هذا..
أشار بكفه لما حولنا قائلاً باستخفاف :
ـ العالم كله في قبضتنا منذ فجر التاريخ ألا تنظر حولك.. ليس أمامك طريق أخر..
عليك أن تنضم للجانب المنتصر..
ـ هذا هو عالمكم الشرير الذي تقودون زمامه.. وليس عالمي المثالي الذي أبحث عنه..
ـ عالمك المثالي هو اليوتوبيا التي صنعتها لك..
ـ حلال عليك.. دعني وشأني وإلا حررت لك محضر بإزعاج السلطات..
قهقه وهو يضرب ظهري بكفه فارتجفت أوصالي كأن ماساً كهربائياً قد مر عبر أعصابي..
وسمعته يقول بلهجة لزجة:
ـ لقد عادت إليك روحك المرحة التي كنت أحبها كثيراً.. إننا نقترب مرة أخرى من بعضنا البعض..
لم يعد لدي سوى السخرية المريرة فيما يبدو .. فهو كائن لا يمكن الخلاص منه بالطرق
التقليدية.. ومن يدري ربما قتلته من الضحك!.. قلت له بتعاسة :
ـ نقترب من بعضنا مرة أخرى!.. اسمع أيها الشيطان.. أنا رجل متزوج وأخاف
على سمعتي بشدة..
صدعت ضحكته المدوية عالمي كله وعاد التيار الكهربي يسري من كفه الباردة
إلى عمودي الفقري.. واضح أنني أقتل نفسي بطريق غير مباشر..
ـ مرح.. مرح..
ثم مسح دموعاً وهمية وأردف :
ـ لكنك على وشك فقدان زواجك يا مسكين..
فاطمة!.. لقد نسيتها في غمرة الذعر اللامعقول.. نظرت إليه في خواء والسيارة تنهب
الطريق السريع بين الحقول.. الشعور بالعجز التام أمام ذلك الكيان المريع، يقتلني كمداً..
هو وإخوته كانوا سبب شقائي.. هو وإخوته لابد أن يدفعوا الثمن حتى لو كان في ذلك هلاكي..
لكن كيف؟..
قلت شارداً:
ـ زواجي هو أفضل وأسوأ شيء حدث لي في حياتي..
ـ مفارقة عجيبة.. لكنها ممكنة.. والأعجب أن زواجك يمكن أن يستمر..
التفت إليه وقلبي يدق كالطبل.. فرأيت على وجهه ابتسامة منتصرة وهو يردف :
ـ فقط لو فكرت في مواصلة مشروعنا الذي بدأناه سوياً.. لقد فكرت في الأمر.. من الحماقة أن
تطلب من ضابط محترم أن يكون شيوعياً بالنهار ودجال بالليل..
قلت له في غباء :
ـ ألن يغضب هذا العرض إخوتك؟..
لوح بكفه قائلاً :
ـ ربما.. لكن أنا متأكد أنهم يوماً ما سيقتنعون بوجهة نظري تلك .. المهم الآن فكر في
مستقبلك أنت مع فاطمة..
ـ لكن فاطمة... علوش أكد لي أن...
ـ هذا عبث أطفال.. لا تشغل بالك.. فلولاي لفتك بك علوش منذ زمان..
وفرقع بأصبعيه مكملاً :
ـ سيتوقف نزف فاطمة وستعود لطبيعتها..
فاطمة يمكنها أن تنجو من النزف وتعيش.. لكنها ستعيش مع مسخ.. أو سنفترق..
وتتركني اتعذب بفراقها..
هذا لو عاشت بعد ما فعلته بها..
وربما ظل ذلك الشيطان يطاردني ما حييت كاللعنة الأبدية..
يا للمفارقة..
السيارة تميل بحرفية عالية مع ميل الطريق.. لو كنت أنا الذي يقود الآن لما مر
الأمر بسلام.. تباً!، لماذا أهرب من المواجهة إلى تلك التفاصيل التافهة..
يا إلهي.. أين المفر؟

***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس