تخلّيت عني قبل أن أتعلم النطق وقبل أن أتمكن من تسمية الوجوه من حولي..
ابتعدت عني بحججٍ ربما لا أفهمها ولا أستوعبها، ولكني أدركت قبل حصولي على أية أجوبة بأنك قد احتجبت عني
وقررت الاختفاء من حياتي بلا ذنب مني ..
هجرتني تماماً، فلم أعرف وجهك إلا من الصور،
ولم أسمع صوتك إلا من بعض مقاطع الفيديو التي التقطتها والدتي لي معك،
ولا أذكر لك أية رائحة أو ضحكة أو حتى نبرة صوت..
كل ما أعرفه منك هو اسمك الذي يلي إسمي.. وقليل من صور هنا وهناك.
هجرتني.. فلم أستشعر لك وجودا أبدا،
لا بشخصك ولا بصوتك ولا بأي طرف منك..
تخلّيت عن حمل مسؤوليتي وقررت الاكتفاء بإخوتي الذين يكبروني سناً،
فهم هناك معك وأنا هنا مع والدتي.. لوحدي.
نبذتني إلى درجة أنني حين سألت أمي عنك رأيت في عينيها حيرة وبريقاً غريباً،
أدركت حين كبرت أن ذلك البريق الغريب كان دموعاً محبوسة، حرصت أمي ألا تهمرها أمامي..
وقد كان سؤالاً واحداً لم أكرره،
ولم أجد أسباباً تدفعني لتكراره رغم اشتهاري بتكرار رغباتي كمحاولة للحصول على ما أريد غالباً..
ولكني عُرفتُ بكبريائي كذلك منذ سن صغيرة.. فلم أسع إليك لأنك لم تسع إلي.
هكذا.. اكتفيت بأمي وأمها.. وعوّدتُ نفسي أن أفتخر بأن لي أمّين بدل الأم الواحدة..!
ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى عوضني الله بوالدٍ حقيقي..
فلم يكن زواج أمي بالنسبة لي إلا رحمة من عند ربي، رزقتني بأبٍ حنونٍ
وأنت.. في مرحلة ما كنت أكتب اسم زوج أمي بعد اسمي في محاولةٍ طفوليةٍ لتطبيق واقعٍ رأيته يستحق التوثيق..
ولكن أمي لم توافق على ذلك.. بل ضحكت واحتضنتني وفهمت منها أن الأسماء ليست كالأشخاص..
وأن المهم من الناس هم من يتواجدون بقربنا ويساندوننا ويمنحوننا الحب الغير مشروط..
حينها فقط.. شعرت بالشفقة عليك.. يا من هجرتني ونبذتني..
:::