منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - محمد عابد الجابري
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2006, 09:44 PM   #14
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 25

سلطان ربيع غير متواجد حاليا

افتراضي




العام والخاص في غياب الديمقراطية
في العالم العربي والإسلامي
محمد عابد الجابري


"غياب الديمقراطية" يجب أن لا يؤخذ كخاصية في الأقطار العربية والإسلامية وحدها دون غيرها، فمعظم بلدان العالم الثالث لا تتوافر فيها الديمقراطية بالصورة التي نجدها في البلدان الغربية، وهكذا يشكل "المظهر العام" في مسألة "غياب الديمقراطية في عصرنا". بمعنى أنه ما دام "غياب الديمقراطية" ظاهرة تعم جميع أقطار العالم الثالث –تقريبا- بما فيها الأقطار العربية الإسلامية، فإنه من الضروري البحث أولا عن عوامل غيابها على هذا المستوى.

"العالم الثالث" عبارة وضعت عندما كان العالم كله يتقاسمه قطبان: الغرب الرأسمالي من جهة والكتلة الشيوعية من جهة أخرى. إنها تسمية تنتمي إلى مرحلة الحرب الباردة التي تميزت، من جملة ما تميزت به، بالتنافس بين هذين القطبين، وكان الموضوع الرئيسي للتنافس بينهما هو هذا "العالم الثالث". وقد استعمل كل قطب من وسائل التأثير في أقطار هذا "العالم" ما يناسب غرضه، وقد كان، في الحقيقة، غرضا واحدا يتلخص في حرص كل طرف على استتباع أو تحييد هذا القطر أو ذلك. لقد اعتمد الغرب في الغالب أسلوب الانقلابات العسكرية وإقامة أنظمة دكتاتورة في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقية، أنظمة ترتبط به ارتباطا علنيا أو سريا وتستمد وجودها وقوتها منه. والضحية هي الديمقراطية والحريات العامة، سواء كانت من قبل موجودة على شكل ما، أو كانت غير موجودة إلا على صورة إمكانية ومشروع! أما الطرف الآخر المتنافس مع الغرب في "الحرب الباردة"، (الاتحاد السوفيتي أساسا)، فقد سلك مسلكا آخر في سعيه إلى اكتساب مواقع في هذا "العالم الثالث". يتعلق الأمر هذه المرة بخلق أحزاب شيوعية أو تقديم الدعم للموجود منها، والترويج لإيديولوجية "ديكتاتورية الطبقة العاملة" وانتقاد الديمقراطية البرجوازية والتشهير بها. ولعلنا نذكر أنه إلى ما قبل ثلاثين سنة فقط كانت سمعة "الديمقراطية والحريات العامة" سيئة جدا، في العالم الثالث وضمنه العالم العربي والإسلامي.

وإلى جانب الديكتاتوريات التي قامت بتحريك من المعسكر الغربي من جهة، والأحزاب والأنظمة التي كانت تدور في الفلك السوفيتي من جهة أخرى، كانت هناك أنظمة حكم وطني، عمدت إلى تأجيل الديمقراطية أو تجميدها بدعوى أن الحياة السياسية التي تعتمد الليبرالية تفتح الباب للعمالة للمعسكرين المتنافسين، وفي ذلك خيانة للمصالح الوطنية والقضايا القومية.

يمكن القول إذن إن "الحرب الباردة" هي المسؤولية إلى حد كبير عن غياب الديمقراطية في العالم الثالث عموما. أما قبل الحرب البادرة فإن معظم بلدان هذا العالم كانت ترزح كلها –تقريبا- تحت الحكم المباشر أو غير المباشر للاستعمار. وباستثناء الهند التي قامت فيها ديمقراطية لم يقف ضدها المستعمر الإنجليزي، لغرض في نفسه، فإن الأغلبية الساحقة من البلدان المستعمرة، والتي كانت قد وضعت تحت نوع من الاستعمار المخفف (حماية، انتداب) لم تكن في وضع يسمح لها بالاتجاه نحو حياة سياسية مؤسسة على الديمقراطية والحريات العامة. فالحكم الاستعماري هو أصلا عكس هذا الاتجاه. والبلدان التي أراد المستعمر إقامة نوع من الحياة "الدستورية الديمقراطية" فيها لم يكن هدف من ذلك الديمقراطية لذاتها بل إضفاء "الشرعية الديمقراطية" المزيفة على الاستعمار الاستيطاني، أعني تحويل المعمرين إلى مواطنين، إلى أهل البلد! وهذا ما وقفت ضده الحركات الوطنية في كثير من بلدان العالم الثالث، فكان "تأجيل الديمقراطية" في الحقيقة رفضا لتحويل الاستيطان إلى مواطنة.

وإذا نحن انتقلنا الآن إلى ما يخص الأقطار العربية والإسلامية، وهو ما أسميناه بمظهر "الخاص" في "غياب الديمقراطية" على صعيد هذه الأقطار، أمكن أن نسجل أولا بعض ردود الفعل التي أثارها التدخل الاستعماري الأوربي إذ قامت حركات وتيارات توظف، في كفاحها ضد الاستعمار، الشعور الديني سواء في صورته العقدية العامة أو في صوره المحلية كالطرق الصوفية. وكانت حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده أكثر هذه التيارات دعوة إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح، لاستدعاء مقومات تأكيد الذات ووسائل التعبئة. وهكذا طرحت التجربة الحضارية الإسلامية في مقابل الحضارة الغربية ومنتجاتها، وقام سجال في الموضوع بين هذا التيار وتيارات أخرى داخل العالم الإسلامي وخارجه، سجال قدمت فيه "الشورى" الإسلامية بديلا للديمقراطية الغربية. ومنذ ذلك الوقت والجدال متواصل حول هذه المسألة.

على أن الذين يطرحون الشورى بديلا للديمقراطية لا يفعلون ذلك من منظور يضع الديمقراطية، ككل ولا كأجزاء، في منطقة المحرمات الدينية بل هم يعبرون عن مخاوف ترجع إلى ظروف مرحلية، مخاوف لا يصرحون بها وبمبرراتها الحقيقة، وإنما يسكتون عنها أو يعبرون عنها بما ليست هي إياه، تماما كما يحدث في كل صراع إيديولوجي. فالمسألة إذن تنتمي إلى مجال الصراع الاجتماعي وبالتحديد "صراع النخب". ومعلوم أن من الظواهر البارزة في العالم العربي والإسلامي ظاهرة الصراع بين نخبتين لكل منهما مرجعية ورؤية خاصة:

- نخبة ترتبط بالمرجعية الأوربية الحديثة التي ترسخ فيها نموذج خاص في الحكم هو ما يعبر عنه بالديمقراطية، أي الحكم الذي يعتمد في شرعيته على رأي الأغلبية من الشعب والمعبر عنه بواسطة انتخابات حرة نزيهة. ونخبة ترتبط بالتراث العربي الإسلامي، وبنوع الحكم الذي تكرَّّّّّّس فيه كنموذج ومثال، على عهد ّالسلف الصالح".

النخبة الأولى تبرر اختيارها بكون العالم الإسلامي يواجه تحديات الحداثة وأنه بدون الانخراط في العالم المعاصر وتبني الأسس التي قامت عليها الحداثة الأوربية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لا يمكن أن يتقدم ولا أن يحتل المكانة اللائقة به وبوزنه التاريخي وإمكانياته في الحاضر والمستقبل.

أما النخبة الثانية فتنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى: هي ترى أن العالم الإسلامي يواجه فعلا تحديات، وعلى رأسها الوجه الأخر لهذه "الحداثة" والمتمثل في الاستعمار والهيمنة والتوسع والاختراق الثقافي وغيره. ومن هنا كانت المهمة المطروحة باستعجال هي التصدي لهذا الوجه السلبي للحداثة الأوربية وذلك بتعبئة الشعوب لمقاومة التدخلات الأجنبية الاستعمارية. أما بعد ذلك، فالحكم الصالح الذي تمدنا به تجربة "السلف الصالح" هو المعتمد على الشورى الإسلامية التي تقيم على رأس الدولة "خليفة" يتصف بجملة صفات أهمها الحزم والعدل، ومن هنا مفهوم "المستبد العادل" الذي يتطلب منا وقفة خاصة.

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس