منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - سَاعَةٌ مِنَ التَّوَاصُلِ المُبَاشَرِ | [3] | أبعاد الإعلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-17-2015, 11:27 PM   #21
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي




وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته


تحيَّاتي لك وشكري الجزيل، أستاذة خديجة، وللقائمين على هذه الفعاليَّة، وللمشاركين والمتابعين.


كثيرًا ما صاح وجداننا في وجه إعلامنا: احترموا عقولنا، وارحموا حواسنا. وكثيرًا ما تساءلنا قاصدين تعليمنا: لماذا تنجح الأمم ونفشل؟! تتقدَّم ونتأخَّر؟! تبتكر ونُقلِّد؟! تقود ونتَّبع؟! ومع هذا فإنَّ ثمَّة مُخلصين ومُخلِّصين، وثمَّة إعلام ناجح، وتعليم فاعل؛ لكنَّهم مُقارنة بالسَّائد والغالب قليل. نحن أُمَّة "اقرأ"، في كتابنا العظيم علم وإعلام ونور وبرهان وتوجيه وتبيان ووعظ وإرشاد وتأديب وتهذيب وتوعية وتعبئة وقدوة حسنة وموعظة، ولنا تاريخ عريق وأمجاد؛ فلماذا نحن في تقهقر حضاري وتراجع وهوان اجتماعي ووهن؟!

تُشير بوصلة الاتهام إلى التَّعليم والتَّربية والإعلام، وأكثر ما تُشير إلينا؛ فإننا أصل الدَّاء والبلاء، ولو أنَّنا عارضنا وأعرضنا؛ لما تعرَّضنا لغائلة الحراب المسمومة والسَّهام المُسوَّمة، ولما عَرضتْ علينا وسائط التَّعليم ووسائل الإعلام هذا الهراء المقيت والغثاء، ولن يُغيِّر الله ما بنا حتَّى نُغيِّر ما بأنفسنا. وما دام حديثنا مُقتصرًا على الإعلام؛ فمعلوم أنَّه الإعلام علم؛ له أصوله وفروعه ومدارسه وفنونه، وله -أيضًا- ضوابطه وشروطه ومعاييره ومقاييسه وأخلاقياته وأدبياته، والأصل فيه أن يكون أمينًا وصادقًا ونافعًا ورافعًا ومسؤولًا ومنضبطًا ومُحصَّنًا من الخطأ والانحراف والكذب والافتراء والإباحيَّة والانحلال والانفلات والفوضى ونقيًّا من الإسفاف والاستخفاف والاستغلال والاستغفال والاحتيال والابتذال.



لا بأس في أنْ يسعى الإعلام إلى الرِّبح المشروع وإلى استقطاب الجمهور؛ إنَّما البأس والعيب أنْ يكون ذلك على حساب الجودة والحقيقة والمصداقيَّة والأمانة ومُخالفًا لأعراف المهنة وأدبياتها وأخلاقها، إذ يُمكن للإعلام -عُمومًا- أن يكون هدَّامًا في غياب الضَّمير أو الرَّقيب وفي ظلِّ انعدام الوعي أو ضحالته وضعف الوازع الدِّيني أو الأخلاقي واختلال القوانين والموازين والغايات والأهداف، وإنَّ من أعظم الأخطار وأفدح الأضرار وأبلغ الشرور؛ إسناد الأمر إلى غير أهله وجعله في غير موضعه وغير وقته وبغير أدواته المشروعة وسبله ووسائله.

ثمَّة إعلام جادٍّ ونافع، بعضه مُتخصِّص، وبعضه عُمومي، ولقد رأينا وسمعنا وقرأنا من بعض جهاته ما يُبهج النَّفس السَّويَّة ويُثلج الصَّدر ويدفع إلى التفاؤل والاستبشار والعزَّة والفخر، وثمَّة إعلام عابث هابط، بعضه مُسطَّح، وبعضه مُنبطح، وبعضه مُتلوِّن مُتقلِّب؛ يدسُّ السمَّ في الدَّسم والحنظل في العسل والسَّقم في البلسم، حينًا يتوجَّه بحرابه إلى الرَّجل، وحينًا إلى الطِّفل، وحينًا إلى المرأة؛ يعبث بغرائز الأول ويتلاعب برغباته وجيوبه وحساباته، ويُخرَّب ذائقة الثَّاني ويُدمِّر فطرته ويُعطِّل وعيه، ويُسخِّف من اهتمامات الأخيرة ويُسخرها لغايات مُشوَّهة ومشبوهة ويحضُّها على التَّقليد الأرعن والأعمى ويدفعها إلى التَّغريب والتَّبعيَّة بدعوى التَّحضُّر والحرِّيَّة. وفي المُجمل؛ يُمكننا القول: إنَّه الإعلام سلاح له أكثر من حدٍّ؛ وأداة التَّحكم بأيدينا، إما أنْ نسقط وننكب، وإمَّا أن نرتفع ونترفَّع، ولا عذر لنا.

أما حصَّة العلم والثَّقافة والأدب في إعلامنا المُعاصر؛ فهي مُتواضعة، وإنْ كان ثمَّة جهات إعلاميَّة، لا بأس بها، مُتخصِّصة في الإعداد والتَّوعية والتَّعبئة، يُعني بعضها بشرح المناهج المدرسيَّة، بشقَّيها النَّظري والتَّطبيقي، وبتقديم البرامج التَّعليميَّة والتَّثقيفيَّة والتَّوثيقيَّة والتَّربويَّة والتَّنمويَّة... وحتَّى الوطنيَّة، وبعضها الآخر يُعني بالشَّأن الدِّيني البحت أو التُّراثي أو الأدبي والثَّقافي، لكنَّها لا تشهد دعمًا كافيًا ومُواكبًا، ولا إقبالًا جماهيريًّا حاشدًا، ربَّما لخلل فيها وقصور، وربَّما بسبب شراسة هجمة الإعلام الإخباري المُتخصِّص والتَّرفيهي. والأكيد؛ أنَّه الإعلام يخضع -في الغالب- للتَّوجيه ويُمارس سلطة الانتقاء والإقصاء ويتلاعب بالتَّرويج والتَّسويق ويتعالى على الانتقاد والتَّصحيح.





 

محمد سلمان البلوي غير متصل