منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - اللؤلؤ المنثور . الجزء الخامس
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2015, 12:44 PM   #1
سلمان ملوح
( كاتب )

افتراضي اللؤلؤ المنثور . الجزء الخامس


وإني لواجِدٌ لنفسي عذراً في قصوري في علمي الشعر والأدَب ؛ فإنّ البيئة التي نشأتُ بها لا تُعين على ذلك ولا تجري فيها قواعد الطّلَب ! ولم يكن لي معين على ذلك سوى كتبي التي أقتنيها وأمضي الساعات في تأملها واستظهار ما استحسنه منها , وأولُ ما وجدتُ في نفسي حباً لذلك وميولاً إليه كان في المرحلة المتوسطة من دراستي , فقد وجدتني شغوفاً بحفظ الأشعار طروباً لها , ولم تكن ساعة أحب إلي في المدرسة من (مادة) النصوص والتعبير , ولم أكن أقنع بما لدى من كتب مدرسية ؛ فكنت أفتش في كتب أخي كذلك , وأذكر أنني وقعت مرة على كتاب نصوص فيه القصيدة التي تنسب إلى السموأل بن عاديا ؛

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
فأخذت أعجب لها وأستظهرها حتى حفظتها , وكنت إبّان ذلك أسمع كثيراً عن المعلقات وأنها من أعجب الشعر , فما زلت متشوقا إليها , متلهفا للاطلاع عليها ,
وفي إحدى العطل الصيفية زرت المكتبة مع أخي وابتعت نسخة منها بشرح الزوزني , فشرعت في حفظها مبتدئاً بمعلقة امرئ القيس حتى أتيت عليها كلها , وكان من حولي لا يرون عملاً أسخف , ولا سعياً أضل مما أنا عليه ! ولكن ما عساه أن يفعل الهاوي بهواه , والمبتلى ببلواه
لا تعذل المشتاق في أشواقه ... حتى يكون حشاك في أحشائه
وما زالوا يزهّدونني في هذه الصناعة , ويعدّونها إضاعة للوقت ومتلفة للجهد ! فلا أزيد على ما قال كثّير :
وسعى إلي بعيب عزة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالها
وبعد أن قضيت وطراً من المعلقات انصرفت لقراءة وحفظ المقامات , مقامات البديع بشرح محمد محيي الدين , ومقامات الحريري بشرح الشريسي ... ثم العقد الفريد ثم الكامل ثم زهر الآداب ... وهكذا لا أبرح ساحة كتاب حتى أحل بساحة آخر ! وكنت آنذاك أكتب شيئاً أسميه شعراً , وشيئاً آخر أسميه مقامات , , وأحسبني لجهلي المعري في لزومياته , والحريري في مقاماته , وأبعث به إلى أستاذي الفاضل فيجيزه لي في الصحيفة ! وما علمت شيئا نفعني وحفزني على الكتابة مثل إجازته لي! , ثم التحقت بكلية اللغة العربية وأتقنت ما لا بد لمتعاطي الأدب من إتقانه مثل النحو والتصريف والعروض وعلوم البلاغة وغيرها , وعرض لي يومئذ عارض صرفني عن الكتابة فغبرت على ذلك بضع سنين , ثم عرض لي آخر صرفني إليها فنظمت قصيدة وبعثت بها إلى أستاذي فأجازها لي وأظنه استحسنها :
غَرُّوك يا عَذب اللمى حتى أتيتَ مُحرّما
إذ خُنتَ قلباً صادقاً ونقضتَ عهداً مبرما
أوجدت أوفى من هواي وأوفى مني وأدوما
أوجدت أهدى من غرامي وأهدى مني مُغرماً
أوجدت أصدق أو أحن عليك مني وأرحما
بل أوهموه بغير قلبي في الهوى فتوهّما
ورَمَوه عن سفح الوفاء إلى الخيانة فارتما
أتبيعُ من أعطاك عهداً في هواك وأقسما
وتزيدُه فوق الخيانة فريَة وتجرُّما
تباً لحبّ تدّعيه فليس أقسى وأظلما
ليس الذي خان العشير كمن وفاه وأكرما
والله خير الشاهدين وليس ينسى مُجرما
ولسوف تعلم من خسرت وتقضي عمرك مندَما
جرح الخيانة في فؤادي سوف يلقى مُلائما
لكنّ عارَك باقيٌ حتى تموت محطما
ثم نظمت على أثرها واحدة ظلّت حبيسة الأدراج , ولم تسعد بنقد أستاذي :
في مثل هذا اليوم خنت(ي) عاشقا ... وكذًبتِ زوجاً مخلصاً لك صادقا
وحَلَلتِ من عُقَد المحبة مُحكَماً ... وبقيتُ في عُقَد المحبة عالقا
كيف السلوُّ ولا أزال مراعياً ... في كل ليل منك طيفاً طارقا
يجتاحني في مضجعي ويغطني ... حتى أعاني منه جهداً خانقا
ما كنت أحسبها تخون وإنني ... لبقدر حبي كنت فيها واثقا
ما كنت أحسب يوم يجمعنا الهوى ... أن سوف تصبح بعد عام طالقا
لله أيام الهوى ونعيمها ... أيام كان الجو صفواً رائقا
أيام نرتع في الرياض تصافياً ... وأشف من شفتيك عذباً بارقا
هل تذكرين مقالة الحب التي ... غلفتها بالورد أحمرَ غامقا
هل تذكرين مقامنا في بيتكم ... تحت الدجى نخشى الرقيب الخانقا
إذ كان يوصد دونكِ أبوابه ... ويظن ذلك دون وصلك عائقا
حتى إذا أرخى المساء ستاره ... أقبلت في شوق إليكِ مسارقا
لله درك من ليالٍ عشتها ... مرت عليّ حسبتهنّ دقائقا
ودعتها تبكي عليّ بحسرة ... وتقول لا أقوى أراك مفارقا
فضممتها ووردت منهل ريقها ... أطفي به جمراً بقلبي حارقا
ودعتها وظننتُ أني عائدٌ ... لكن قضى الرحمن أمراً سابقا
وهذا آخر نظم لي , وكان قبل سبع عجاف ! والحمد لله على كل حال .

 

سلمان ملوح غير متصل   رد مع اقتباس