منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - " مُهم ـل "
الموضوع: " مُهم ـل "
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2020, 02:38 AM   #59
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


.


" رسالة.. "


الأول من نيسان 1991
أخي العزيز شاكر
تحيات كثيرة وحارة


آخر رسالة كتبتها إليك في أول تموز الماضي ، قبل سفرك إلى الولايات المتحدة، وتوقعت أن تجيبني على تلك الرسالة قبل السفر، أو على الأقل بعد عودتك؛ وهاقد مرت شهور طويلة ، حافلة ، ولم أسمع صوتك. أقدر بعض الأسباب. لكن ، مع ذلك ، كنت أمني نفسي أن أسمع صوتك مهما كان حزيناً ومثقلاً. والآن أجد ضرورة لأن أبادر. طبيعي كان أفضل لو قدر لنا أن نلتقي، أن نتحدث طويلاً ، وفي كل القضايا ، منذ أن خلق الله الأرض ، ثم الإنسان، إلى أن أصبح إنساننا مثل ما نراه الآنّ لكن باعتبار أن لقاء مثل هذا صعب وبعيد، على الأقل في الوقت الحاضر، فلا أقل من كلمات نتبادلها، مع معرفتنا أن مثل هذه الكلمات ستكون عاجزة رثة، وربما لا تقوى شيئاً. خاصة وأن ما حدث خلال الشهور الماضية أكبر من أن تحيط به الكلمات، ولم نستطع أن نستوعب بعد. إنه كابوس ثقيل أسود، مليء بالنتوءات والخفايا. ولذلك لا يمكن أن يقال ، أن يلخص، وهذا ما يجعل وقعه أصعب.
أقدر ، بداية، أنك موزع ومشتت ، وربما متعب، بحكم المكان، فبين أن تكون جغرافياً ، في مكان ويكون قلبك وفكرك في أماكن أخرى، وبين أن تكون رؤيتك للأشياء من خلال العينين فإنك تراها من خلال الأذنين، ومن خلال تلك الآلة الصماء، الراديو، التي تقول كل شيء ولا تقول شيئاً في نفس الوقت، وبين أن تؤمل أمراً ما يحدث ، كالمعجزة، في اللحظة الأخيرة، تتهادى الحجارة المسحورة لتردم كل شيء.
لقد كانت فترة شديدة الصعوبة، أقدر وأحس، وربما أعرف، لكن ما دام غيرنا الذي يقرر لنا كيف يجب أن تكون، وهو وحده الذي يفرض، فإننا الآن في حالة أشد صعوبة من السابق، لأننا غادرنا الوهم أو دخلنا فيه من جديد، وهذا ما يجعل الأمور مختلفة عن السابق.
وأعرف كيف أقول الأشياء، أو أية أشياء يجب أن تقال الآن. وهذا ما يزيدنا حيرة ويلجم ألسنتنا.
أعتقد أنه لم يتم لجيل على مر التاريخ أن يكون مثل جيلنا، أن نكون شهوداً على أخطر ما وقع في التاريخ: قيام الإمبراطوريات وانهيارها؛ نهوض الأحلام ثم انكسارها؛ انفتاح أبواب المستقبل أمامنا ثم انسدادها وغيابها؛ وآلاف الوقائع والمشاهد الأخرى. كل ذلك وقع أمام أنظارنا، رأيناه، لمسناه، تذوقنا لحظات الأمر ثم مرارة الخيبة. أي جيل في التاريخ عاش هذا الكم الهائل من الأحداث والوقائع والأحلام والهزائم؟
لايزال الجرح ساخناً، ولذلك يفترض أن لا يتحدث الإنسان كثيراً قبل أن يلملم نفسه ويداوي جراحه، ولذلك أترك الكثير الآن، إلى أن نقوى على أن نجري حديثاً موزوناً أقل انفعالاً وألماً.
الشيء الوحيد الذي أنقذني خلال الفترة الماضية أنني انكببت على العمل كما لم أفعل من قبل. كان خلاصي الوحيد، واستطعت أن أنجز رواية جديدة، هي امتداد لشرق المتوسط، وقد أعطيتها أيضاً نفس التسمية تقريباً، إذ سميتها: "الآن... هنا، أو، شرق المتوسط مرة أخرى" ويفترض أن تصدر خلال شهرين، وأبعد تقدير في منتصف حزيران، وحالما تصدر سوف أرسلها إليك.
وماذا أيضاً؟
مشتاق أن أسمع أخبارك ، وأن أعرف في أية حالة أنت، وماذا تعمل الآن، وما هي مشاريعك للمستقبل. أرجو أن لا تتأخر في الكتابة إليّ.
أفكر بالسفر، وربما أسافر في شهر مارس القادم ، لا أعرف كم ستطول السفرة، ولكن عليّ مراجعة الطبيب، وأيضاً للاستراحة، ولكن حتى ذلك التاريخ آمل ان تبقى على اتصال.
وكما ذكرت في بداية الرسالة: لا أريد من الكتابة الآن سوى أن أطمئن عليك وأن أسمع أخبارك، ولأشعرك أيضاً أنني لا زلت حياً، وربما قوياً أيضاً، وإلى أن تكتب إليّ أرجو أن تكون في صحة جيدة، وكذلك العائلة والأهل جميعاً والأصدقاء، ولا تنس أن تبلغ تحياتي للدكتور المقالح وأيضاً الزعبي. مع عميق مودتي.


_عبدالرحمن منيف


,

 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس