منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - جماعة الجمجمة (السندباد الفقري)
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2018, 09:21 AM   #8
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(3)
جمجمة .. أثنان .. ثلاثة


وكنت لا أدري أن الوغد العجوز يقلب قمرتي رأساً على عقب.. الشهاب حيث تركته يبحث
كالمحموم عن شيء ما ..شيء ما ينغص على الخاتون سيرها ..شيء ما ابتلي به الربان
وصار يسيطر على كل حواسه..
أين أنت أيتها اللعينة ؟..
هنا شعر بالقبضة المضطربة تمسك بعاتقه .. التفت في لوعة ثم أطلق زفرة حارة :
ـ أهو أنت ظننتك السندبا......
قاطعه حميد وكل خلجة من خلجاته ترتجف :
ـ الأمر جد خطير أيها الشهاب..السندباد يبحر باتجاه القراصنة يزعم أنه يبغي مطاردتهم ..
ـ هراء ... إنها تسيطر عليه .. ستجعله يتجه لحتفه.. لكن أين هي؟..
وركل فراشي بقدمه محنقاً ثم وثب متألماً على ساق واحدة كاللقلق ..
لكن حميد بوصفه صديقي اللدود فهو يعرف أين يخبئ صديقه حاجياته.. الكوة السحرية
طبعاً وهل هناك غيرها..
هذه أفة من أفات الصداقة المزمنة ..
وأمام عيني الشهاب المذهولتين أخرج حميد الجمجمة المشؤمة..
ـ لقد قلبت القمرة رأساً على عقب.
قالها الشهاب في ضيق فابتسم حميد وهو يقول بلهجة منتصرة:
ـ هذه فائدة الصداقة ...
قالها حميد في ثقة لكنه لم يدر لماذا تغير لون الشهاب فجأة
وشحب وهو ينظر لنقطة ما وراء كتفه، وقبل أن يستوعب دوت كلماتي في أذنه ملتهبة :
ـ بل هذه هى نهاية الصداقة ...
أذكر وقتها وأنا أقف على باب القمرة أتأمل تلك المهزلة،
أنني كنت أحمل في قلبي كل حقد وغل الدنيا لأقرب البحارة لقلبي ..
حميد والشهاب ...

***

ببطء ناول حميد جمجمتي الأثيرة للشهاب ولمحت في عينيه نظرة متحدية وهو يقول بثبات :
ـ تخلص منها أيها الشهاب ...
كشرت عن أنيابي وأنا أزئر بتوحش :
ـ خونة ..
صاح الشهاب بصوت مبحوح وهو يضم الجمجمة إلى صدره:
ـ بل نحن ننقذك منها ..إنها تستحوذ عليك ...
تقدمت منهم في بطء وانا أسد عليهم المخرج من القمرة قائلاً:
ـ بل بريق الذهب هو ما أدار رؤوسكم وجعلكم تنقلبون علي.
صاح حميد وهو يحول بيني وبين الوصول للشهاب :
ـ قلت تخلص منها أيها الشهاب ..
ونظر لي في تحد مستطرداً :
ـ ودعه لي .. سأتدبر أنا أمره ..
صرخت في توحش وأنا أثب عليه :
ـ تعال إلى إذن يا توأم روحي ..
وتعانقنا تعانقاً حاراً ملتهباً أمام عيني الشهاب الجاحظتين ...
عناق من نوع خاص.. بالتحديد هو للعصر أقرب منه للعناق..
كان حميد يجذبني بعيداً عن الباب ليسمح بعبور الشهاب لكنني دفنت ركبتي بين
أضلعه فتهاوى
وهو يشهق والتفت جهة الشهاب الذي لم يجد الفرصة للمروق من باب القمرة ووقف
يرتجف أمامي كورقة ..
ـ الأن دورك يا كومة العظام النخرة ..
قلتها وأنا استعد للوثوب عليه لكن حميد عاد متحمساً وقد تحول لإعصار جارف أحاط بخصري
وأزاحني من طريق الشهاب ..
وتكومنا في ركن القمرة وعظامنا تئن ..
ولم ينتظر الأخير..
وسرعان ما وثب خارج القمرة في نفس اللحظة التي صرخت فيها من بين أسناني
وأنا اخمش حميد في وجهه :
ـ لن تفلتا مني ..
صرخ حميد وهو يدفع إصبعيه السبابة والوسطى في فتحتي أنفي :
ـ بل أنت الذي لن يفلت من ضربتي الخطافية تلك ..
لكنني أرجعت رأسي للوراء قليلاً فأدخل الأحمق إصبعيه في فمي بدلاً من أنفي وسرعان
ما تلقى أقسى عضة من أسناني الحادة ومكث يتلوى من شدة الألم ..
ولم أنتظره حتى يفرغ من ألامه قمت بتسديد ركلة عاتية إلى ضلوعه ووثبت من فوقه خلف الشهاب ..
كنت هائجاً كالوحش الجريح غاضباًً مفعماً بالحقد والكراهية
فلو طالت يدي ذلك العجوز فلن يتبقى منه ما يصلح لتلميع حذائي ..
وهكذا سللت سيفي من قرابه ولوحت به مرتين في الهواء ثم...
كان مشهداً لا ينسى..
الشهاب يعدو ناحية حافة الخاتون وهو يحمل الجمجمة الذهبية فوق رأسه بكلتا يديه، وأنا
من وراءه ألوح بسيفي والزبد يتطاير من أشداقي ..
وصرخت في البحارة :
ـ أوقفوا اللص ..لقد سرق جمجمتي ...
هنا شعرت أنني أرتفع لأعلى .. لأعلى ..
وحينما نظرت لأسفل رأيت من يحملني كالطفل ..
ـ حتى أنت يا سبع البحار ..
قلتها وسيفي يضرب يمينا ويساراً في محاولة يائسة لإصابة سبع البحار الذي انضم لقائمة
الخونة، لكنه قبض على ساعدي وثبته عالياً وسمعته يقول متألماً :
ـ سامحني يا سيدي ..أنا مضطر لهذا.. فقط لحمايتك ...
صحت وأنا أحاول التملص من جبل العضلات المحيط بي :
ـ الكل خائن .. الكل سيعاقب و...
ونظرت في لوعة ناحية الشهاب الذي وقف عند حافة الخاتون رافعاً الجمجمة
بكلتا كفيه عالياً و..
ووثب قلبي من بين أضلعي والشهاب يلقيها بكل ما أوتي من قوة وبلا تردد....
في الماء ..
وأمام عيناي غاصت جمجمتي الذهبية في المحيط ..
وردد المحيط صدى صرختي الملتاعة ..

***

لا شيء سوى الصمت ..
هذا هو ما تحول إليه المشهد الذي كان ملتهباً منذ لحظات..
الشهاب يحاول أن يستجمع أنفاسه المتلاحقة جوار الحافة...
حميد جاء يجر قدمه جراً بعد صراعي معه وحينما ألقى نظرة على الموقف سقط على ظهره
وهو يتنفس الصعداء ...
رشيد جاء وهو يحتضن تنتن وتنتون والدهشة والذهول لا يفارقان سحنته..
البحارة لا يفهمون حرفاً مما يجري ..
ساعد سبع البحار المحيط بخاصرتي يتراخى ببطء ويده الأخرى تفلت ساعدي الذي يحمل السيف ..
لا أستطيع أن أصف شعوري بدقة بعد أن عادت قدماي تلامس سطح الخاتون ..
خواء ..
لا أدري ما الذي ينبغي علي فعله ..
كأنني طفل تركه أبوه يواجه موقفاً أكبر منه وهو الأن في حيص بيص ..
لم يعد للحقد والغضب وسائر المشاعر التي استولت على
وجداني أي وجود.. فجأة هدأ كل شيء مع غياب الجمجمة الذهبية في قاع المحيط ..
هل حقاً كنت واقعاً تحت تأثير شيء ما أم أنني هدأت حينما تأكدت من سلامة نية الشهاب
وحميد لما ألقوا الجمجمة في الماء.. لن يسرق أحمق جمجمة ذهبية ليلقيها في اليم ..
لقد سيطرت عليهما فكرة الاستحواذ الشيطاني هذه و...
لكن لما المكابرة يا سندباد ؟..
أنت لم تكن أنت ..
وأنت تدرك هذا جيداً ..
الأن عليك أن تتوارى عن الجميع ..
لتختلي بنفسك ولتحاول أن تتوضأ وتصلي ركعتين لخالقك فتهدأ بعدها نفسك ..
لقد أنقذني الرفاق من كيان شرير لا أدري كنهه ولا أحد منهم ينتظر مني كلمة شكر أو اعتذار ..
أنهم متفهمون فأنت لم تكن أنت..
لقد قاتلت حميد أعز أصحابي وكدت أفتك بالشهاب الذي
علمني ركوب البحر ..
كل هذا كان كثير .. كثيراً جداً ...
أكثر مما يحتمل ..

***

لكن ترى هل هذه هي النهاية ؟

***

جلست في قمرتي أقلب في سجلاتي وأدون بعض الملاحظات
حينما طرق الباب ..
ـ أدخل يا حميد ...
بالفعل دخل الأخير وهذا لا يعود لكوني عرافاً.. فقط أنا أعرف طرقته..
كان يبتسم في ود لكنني كنت من داخلي أتمزق كلما تذكرت ما كان وما جرى ..
ولم يكن وحده كان الشهاب يقف خلفه :
ـ سندباد إلى متى ستختلي بنفسك الخاتون لن تقود نفسها بنفسها ...
انشغلت بالسجلات متحاشياً النظر إليهما وقلت للشهاب:
ـ لم يكن ما مر سهلاً ..
قال حميد :
ـ ومنذ متى ونحن نمر بمغامرات سهلة.؟..
أزحت سجلاتي جانباً وجذبت نفس عميق ثم أطلقت زفرة حارة أودعتها كل انفعالاتي ..
ثم قلت في شرود :
ـ لا أدري ..لماذا يحدث هذا لي فقط .. لماذا يبدأ بي أكلة لحوم البشر دوناً عن سائر البحارة؟
ولماذا تختارني الجمجمة الشيطانية دوناً عن سائر البحارة وتقرر الاستحواذ على عقلي؟
تنحنح حميد وهو يداري تبسمه فنظرت له في غل جعله يقول في سرعة :
ـ بالنسبة لأكلة البشر لعلك كنت تبدو لهم أسمن من بقية البحارة .
نظرت له في سماجة على حين عاجلني الشهاب بقوله :
ـ أما بالنسبة لجمجمة الشيطان الذهبية ..فاختيارها لك لأنك
الربان .. ولو سيطرت عليك فقد سيطرت على كل من تحتك .
ابتسمت لهما في غيظ قائلاً :
ـ واضح أن كل المصائب التي تنصب على رأسي لها تبريراتها المناسبة حتى لو سقط قلع
من قلاع الخاتون فوق
رأسي فلن أندهش فربما كان السر في جاذبيتي الشديدة أو أي هراء أخر .
لكمني الشهاب في كتفي كعادته السمجة وهو يقول في مرح :
ـ المهم أن تلك الجمجمة المشؤمة قد ذهبت إلى غير رجعة
سلمت لنا يا سندباد .
هنا ..
وهنا فقط أضاء عقلي المكدود بشموس عديدة...
وذكريات قريبة ..

***

ـ جماعة الجمجمة ليسوا قراصنة عاديين ..
ـ إنهم جماعة شيطانية ...
ـ إنهم يفتكون بالبحارة تعسي الحظ عن طريق جماجم نارية
يقذفونها على المراكب والسفن فتشتعل فيها النيران ...

***

هنا شق شيئاً ما الهواء بجواري وارتطم بصاري الخاتون ..
بعدها لم أرى سوى الشرر يتطاير ولم أسمع سوى الرعد
يصم أذنيا ...

***

قذيفة ثانية تمرق من جوارنا لكنها تخطئ الهدف وتغوص في قلب المحيط ..

***

رشيد يحمل تنتن وتنتون إلى قاع السفينة ويغلق الكوة من وراءه بإحكام قبل أن تهوى القذيفة الثالثة
فوق الكوة وتتناثر الشظايا في كل مكان ...

***

ومرة رابعة تشق الهواء قذيفة أنفاط وترتج الخاتون ويفقد البعض توازنه ...

***

وأمام عيني المذهولتين كشف جزء من الخرقة ليريني إياه :
ـ سندباد ...هذا ما تخلف من انفاط القراصنة ..

***

وانتفضت قائماً مثل الزنبرك وصحت مثل الديك :
ـ يا إلهي الذي في السماء .. هناك قذيفتان أصابتا الخاتون سوى القذيفة التي أصابت الصاري ..
قال الشهاب في غباء :
ـ وماذا في هذا؟
صاح حميد وقد فهم :
ـ رباه .. هذا يعني أن ...
وقطع عبارته وضرب جبهته بكفه.. نظرت للشهاب موضحاً في مرارة :
- لقد رمانا القراصنة بأربع قذائف .. واحدة غاصت في المحيط، وواحدة استقرت
في الصاري، وواحدة كادت تفتك برشيد وتنتن وتنتون عند الكوة الموصلة للقاع، وواحدة
أصابت مؤخرة السفينة وجعلتها ترتج بعنف، كان هناك ثلاث قذائف بثلاث جماجم أصابوا
الخاتون، تخلصنا من واحدة وبقت جمجمتين طليقتين الأن على سطح الخاتون جمجمتين
سقطتا من حساباتنا وهما الأن تعبثان في عقل أحدهم .

***
يتبع

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس