منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - اِسْتعبَادُ الأَرْض
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2013, 11:06 PM   #1
جميلة الراشد
( كاتبة )

Lightbulb اِسْتعبَادُ الأَرْض


اِسْتعبَادُ الأَرْض

لَا زلنَا أوفيَاءَ لِبِلَادٍ تُشعِلُنَا بقنابلَ مُسيلَةٍ للحياةِ؛ نتألَّمُ ونشعرُ ببَدْءِ / بُطْءِ مُحاكماتٍ عقليَّةٍ نرفِّهُ بها عنْ مصائبِنَا ولصوصِ القبور.!

أكَانَ علَى الأرْضِ أنْ تجمَعَ موتاها حتَّى نعودَ لِحِرْفَةِ الوجُود؟!
أكانَ على "رُقْعَة الفردوسِ" أنْ تظلَّ بين السَّاعاتِ المتعَاقبَةِ، مثلَ سَنابلَ مُصْفرَّةٍ تَحُومُ حولَها الشبهَاتُ الثَلَاثُ: "النَّارُ، الثأرُ، الوحشةُ" كعَواطفَ بوذيةٍ شاحبَةِ الأشداق؟!

إنَّ الحريةَ التي تتحَكَّمُ في أنفسِنَا المُتأرجِحةِ بالليلِ المُظلِمِ؛ لنْ ترعَى أنفَاسَها دونَ أن يؤخَذَ من جوانبِ الضوءِ شيءٌ.. تعقدُ المتشابِهاتِ رُغمَ ضَخَامةِ المَاضِي، وتحفِرُ للنقَائِضِ شموسًا تمنَحُ الضوءَ بشتَّى أطيافِه، وتُواسِي غضبَةَ الأمنياتِ كمَا نُحيي لياليَ الأندلسِ المُرمضَةَ الثقيلَة.!

لَا تكادُ الأرْضُ تختلِفُ عمَّا رآه الأقدمون.. مَا زالَ يتناوبُ عليهَا ملوكٌ وَسَادةٌ تخفِتُ العينانِ حين تنظرانِ إليهم، وأنهم قد شقّوا البحرَ بصَوَارِيهِم بطولَةً ودهَاءً.!
مَا زالَ الدمُ فيها لَا يُسْتَبدَلُ بِحَياةٍ إلَا حينَ تُوضَعُ الأوتَادُ لِتَكْحَتَ أمانيَ الشعبِ البَائسِ بـ فِكرةِ الخلودِ، والمُغَالِي بامتلَاكِ عظمَةِ الحيَاةِ.!

خلودُهُم البسيطُ لَمْ يكنْ كسُلطةِ الفَراعِنَةِ ونفوذِ كسرَى وقيصَر.. تستشْرِفُ نفوسُهم لفيضِ أدلَّةٍ لَا تحجُبُ عنهم نخبَ النجومِ حتَّى وإنْ انتفَضَتْ هَرَمًا.. حياتُهم الأبديَّةُ عَيْشٌ باتحادٍ لَا يستطيعُ الموتُ بتْرَه، ولَا يقدِرُ على فَكِّ لِحَامِه جُوْقاتٌ جنائِزيَّة.!

في ذاكَ الطريقِ الأحمرِ، المُزْهِر بنشوةٍ أُدِّيَتْ بأعوادِ خشبٍ ممزوجةٍ رائحتُها بثيابِهِم؛ تجدَّدَتْ تصورَاتٌ كانوا يَلْمَحُونهَا على سقفِ الخيامِ، وأخيلةٌ تُرسِلُهم إلى قداسَةِ الأرْضِ القديمَةِ قبْلَ أن يسْتغرقَ في تسويرِهَا قُطَّاعُ الطُرقِ المحتشدونَ جهلًا.!

أيامٌ عِجَافٌ، وجنونٌ أتَى علَى بَكْرةِ أحلَامهم، واحتِمَاءٌ بغِربَالٍ هتَكَ سِتْرَ الخيامِ المتنازَعِ عليها.. هي أزمنَةٌ حطَّتْ برحَالِهَا عليهم فجْأةً حتى دفعتْهُم إلى أرْذَلِ العمر/ الحلم.!

اسْتُعْبِدَتِ الأرْضُ مذ مُنِحَتْ الأكبادُ المهتوكةُ عوزًا إليهِم.. مذْ أتَتْ أصابعُهم العشْرُ -المُوغِلَةُ كالخيزرانِ الصُلْبِ- علَى انتمَاءٍ طاهِرٍ عاهَدَهَم على سِلْمٍ وَهُويَّة.!
انتُهِكَتْ فصولُ العمرِ بكاملِ رُجولتهَا، ولَا سجلَّ يَرْوي، ولَا عصْرَ ليُدَوِّيَ بمجْدِ السنين.!

إيهٍ يا أرضَ النبيِّ، يا آهةَ النهْرِ العظيم..
لِشِدَّةِ ما اهتَاجَ الليلُ بأكفانهِ، والبنادقُ بأصواتِها، والشعبُ بجوعِه وفقرِه؛ سكَنتُكِ كعِطْرٍ منْفيٍّ، ودمْعٍ سخِيٍّ.. أرْقدُ على حدودِكِ عَدْلًا لأوقِدَهُ عُروبَةً.. أُطفِئُ ومْضَ الزمنِ الكالحِ تمييزًا وانسحَابًا..
وبفَزَعٍ بدوِيٍّ أبْسُطُ على داركِ المحمومةِ طُمأنينةً وانعتَاقًا تبَارَكا بِـ اسمِ النبي؛ فلَا تلومي لَعَنَاتِي ما دامَتْ تحملُ مذاقَ الجنَّة.!

تُرَى..
مَنْ يُحَاكِمُ منْ رَمى رغبةَ العِزِّ بـ "الرِّدَّة"؟!

على كلٍّ..
هي أيامٌ سيَنْقضِي جحيمُها كمَا ينقضِي العِطرُ سريعًا من مِعْصِمِ الرِّيح.!



جميلة عيسى الرَّاشِد.

 

التوقيع

"في جمال النفس يكون كل شيء جميلًا، إذ تلقي النفس عليه من ألوانها, فتنقلب الدار الصغيرة قصرًا لأنها في سعة النفس لا في مساحتها هي، وتعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على الظمأ، ويظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحور العين في السموات، ويبدو الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنة سابحة في الهواء".
الرافعي*

جميلة الراشد غير متصل   رد مع اقتباس