منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ثلاثون ليلة في ضيافة مقهى النثر
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2019, 05:09 PM   #11
سعيد مصبح الغافري
( شاعر وكاتب )

افتراضي


🔴 في رمضان فقط !!

في رمضان ، وكما الأفاعي التي تغير جلدها في الربيع بعد رحيل الشتاء ، تتغير بعض النفوس . تخلع عنها ثوبها الذي كانت فيه على طبيعتها وبساطتها وروحها المرحة . تصير أكثر تجهمية وعبوسا. أراها شخوصا أخرى بأرواح غريبة غير التي ألفتها وآنستها وارتحت لها . في رمضان تتغير هذه النفوس . تصير أكثر تزمتا بالدين وأكثر من على الظاهر في العبادات والأدعية. ورسائلها الوعظية وحدها صداع يومي أعيش جحيمه ليل نهار . أكلم أحدهم عن الرواية التي صادف انتهائي من قراءتها بداية أول يوم من شهر رمضان فيحوقل ويهز رأسه ويقطب جبينه ويرد بصوت أشبه بالمتحسف على مفقود فقده :
@ أستغفر الله . الله يهديك .
الله يهديني ؟! هل قراءة رواية دليل ضلالة واقتراف معصية و إثم يوجب غضب الله ويوجب علي التوبة . لكأني ضال من الضالين وهو ومن على شاكلته منزه من كل عيب و على هدى وتقوى وصلاح وعصمة. في رمضان فقط تقصر الثياب وتطلق اللحى حتى الصرة وتحمل مسابيح التهجد والتعبد . في رمضان فقط تنتشر رسائل الوعظ والأدعية و ( أرسل إلى 100 شخص لتنال بركة الله ورضاه وجنته ) وإذا لم ترسلها حلت عليك اللعنة والأمراض والفقر ويلاحقك سوء الحظ . في رمضان فقط يتذكر البعض من الميسورين جيوبهم المنتفخة ويبدأون في إرسال شيء من فتات ما يخزنونه إلى الفقراء والجوعى والمحتاجين مع كلمة أو ملاحظة أو تنبيه مرفق ( لا تنسوننا من دعائكم // واذكرونا بالخير بأسامينا والقابنا وألقاب عوائلنا وانجازاتنا ) كمن يعطي شيئا ويطمع في مقابل له . في رمضان فقط تنزل الرحمة وباقي الأشهر بيات شتوي لكل صور الخير والتآلف والإحسان . في رمضان فقط نعرف المسجد والقرآن والدعاء والاستغفار والصدقات الرمزية المتمظهرة على الناس . في رمضان فقط البعض يلبس مسوح الإيمان والورع والتقوى . وها. حاذر أن تمزح معه أو تناقشه في أمر إلا ما يخص فقط هذا الافيون المسمى الدين . في رمضان فقط نتذكر الله . وتترطب ألسنتنا بالأذكار آناء الليل وأطراف النهار . في رمضان فقط تستيقظ الروح التي رقدت لعام كامل تحت أغطية وشراشف المادة والحياة والغفلة والنوم الطويل . في رمضان فقط تنتعش الروحانيات والتدين وتصير بيوت الله عامرة وحية بذكره وقراءة كتابه والصلاة . في رمضان فقط نتذكر الجوع جوع بطوننا التي لا تتذكر جوع المحرومين ولا يهمها إلا جوعها هي وشبعها هي . في رمضان فقط تظهر مهارات ربات البيوت في الطبيخ ويبدأ موسم جرح مشاعر الناس بإستعراض صور عضلات المطابخ في مواقع التواصل الاجتماعي وماذا طبخت فلانة وماذا أعدت علانة من وجبات شهية للإفطار في تصرف مؤذ لكل فقير وبائس ومحروم .
عجيب . عجيب فعلا حال هذه الأمة التي تنام أحد عشر شهرا وتصحو في شهر واحد . وليتها تصحو لشيء يزيدها فعلا قربا من الله وقوة بالله. فالله حسب معرفتي ليس بقالة تفتح في وقت وتغلق في وقت . الله ليس حالة إيمانية مؤقتة تقتضيها مناسبة دينية أو شهر ديني معين بل هو رحلتك التي ينبض بها قلبك وروحك وجوارحك وسائر كيانك من لحظة أن كنت جنينا في بطن أمك فإلى لحظة ميلادك ثم حياتك ثم مماتك ثم بعثك ثم حسابك . هذا هو الله حين تستشعر بوجوده في كل لحظة وحين تفر إليه في كل خلوة. هل جربتم خلوة الليل مع الله ؟ هل جربتم لذة الإحساس بطعم الدمع المتأوه وهو يستغفر ويقر بذنوبه في ليل الصمت والتفكر العميق الذي يكون فيه المرء وحده بكل ضعفه وندمه وألمه وخجله مع ربه ؟ فيعترف له بأدق أدق أسرار معاصيه . هل جربتم ( يا رب . أذنبت وعصيت وعملت كذا وكذا وكذا .. يا رب مالي غيرك . نجني من ظلمة روحي وعذابات قلبي ومتاهة عقلي ) هل جربتم أن تنصتوا لوحدكم فقط لسماع القرآن وللآيات التي فيها كل تندم الروح وتحسف القلب ؟ هل أبكاكم القرآن في الخلوة الفارة إلى الله ؟
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
____________________

 

التوقيع

خذوا كل ما تقدسون ..
واتركوا لي فقط ثـالـوثـي المقدس :
وطن .. وفيروز .. وكتابة .

سعيد مصبح الغافري غير متصل   رد مع اقتباس