منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذَاكِرَةٌ مُكَعَّبَةٌ | مُحَمَّدْ الْبْلُوِي
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2014, 09:57 AM   #3
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي نَائِلُ (لَوْنٌ خَدِيْجٌ، ورَائِحَةٌ نَيِّئَةٌ) | مُحَمَّدْ الْبلُوِي



نَائِلُ
(لَوْنٌ خَدِيْجٌ، ورَائِحَةٌ نَيِّئَةٌ)


مِنْ حَاسَّةِ الرَّسْمِ فَاضَ الْأَزْرَقُ عَلَى يَدِي الْـ تُشْبِهُ الشَّجَرَةَ وَيَدِكِ الْـ تُشْبِهُ النَّهْرَ، لَمْ تَكُنِ الْفِكْرَةُ أَنْ نَتَصَافَحَ فَنَغْرَقَ ولَا أَنْ نَتَعَانَقَ فَنَحْتَرِقَ، كُنْتُ أَظُنُّنَا بِالْحُبِّ سَنَشْتَعِلُ، وَكَانَ يَكْفِيْنَا مُرُوْرٌ عَابِرٌ يُحْدِثُ شَرَارَةً صَغِيْرَةً عِوَضًا عَنْ هَذَا الطُّوْفَانِ الْمُدَمِّرِ، مُرُوْرٌ يُشْبِهُ قُبْلَةً خَاطِفَةً عَلَى ثَغْرِ جَمْرَةٍ خَافِتَةٍ؛ لَا تُثَارُ؛ فتَضُرُّ.

حَسَنًا، حَسَنًا، لَقَدْ أَخْطَأْتُ؛ فَرُبَّمَا كَانَ مِنَ الْأَصْوَبِ الْقَوْلُ: يَدُكِ الشَّجَرَةُ، وَيَدِيْ النَّهْرُ. فَأَنَا مَنْ يَجْلِبُ الْمَاءَ وَيَحْلِبُ اللَّوْنَ، وأَنْتِ مَنْ يَطْرَحُ الثَّمَرَةَ ويَمُدُّ الظِّلَّ، وَأَظُنُّنِي أَخْطَأْتُ -أَيْضًا- إِذْ عَانَقْتُكِ بَدَلًا مِنَ الْفِكْرَةِ ذَاتِهَا؛ فَكَسَرْنَا الضَّوْءَ، وَغَرِقْنَا –لِلَحْظَةٍ- فِيْ عَسَلِ الْخَاصِرَةِ؛ أَوْ كِدْنَا.

فَلْتَعْلَمِيْ –يَا مَاجِدَةُ- أَنَّنِي لَمْ أَسْرِقْ أَحْلَامَ أَحَدٍ، كَمَا أَنَّنِي لَنْ أَحْرُسَ أَحْلامَ أَحَدٍ، وَلَا أَظُنُّنِيْ أَمْتَلِكُ مَا يَسْتَحِقُ السَّرِقَةَ أَوِ الْحِرَاسَةَ، كُنْتُ -فِيْمَا مَضَى- أَحْرُسُ "مَلَاكِيَ الْحَارِسَ" إِلَى أَنْ سَرَقَ نَفْسَهُ مِنِّي ومَضَى؛ فَانْطَفَأَ الزَّيْتُ فِي لَوْحَتِي الْمَاجِنَةِ وَتَبَخَّرَتِ الرُّؤَى. أَنَا الْأَعْمَى، وَذَاكِرَتِي مُكَعَّبَةٌ، أَشُمُّ رَائِحَةَ الْأَلْوَانِ، وَأَرَىْ مَلَامِحَ النُّوْرِ فِي وَجْهِ الظِّلَالِ، وَأَعِي –جَيِّدًا- مَا لَا يُقَالُ، وَأَقْرَأُ مَا لَا يُكْتَبُ، وَأَسْمَعُ الصَّمْتَ، وَأَلْمِسُ الصَّدَىْ، وَأَتَذَوَّقُ رَحَابَةَ الْمَدَىْ وَحِيْرَةَ الْخُطَى، وَأَتَخَيَّلُ شَكْلَ الظَّلَامِ فِيْ الظَّلَامِ وَشَكْلَهُ حِيْنَ يَنَامُ، وَأُضِيءُ؛ وَإِنْ لَمْ يَمْسَسْنِي شَوْقٌ، وَبِالشَّكِّ أَنْطَفِئُ؛ فَلِمَاذَا الْخَوْفُ أَنْكَصَكِ وَأَقْعَدَنِي الذَّنْبُ وَأَعْيَتْنِي الْحِيْرَةُ وَأَكَلَكِ الذِّئْبُ؟!.

أَرْمَلَةُ الْحُبِّ كَانَتْ مَيُّ، وَأَنْتِ فُسْتَانَهُ الْمُزَرْكَشَ؛ الَّذِي لَا تَعْرِفُ أَلْوَانُهُ الْحِيَادَ وَلَا الْحِدَادَ عَلَى أَحَدٍ، أَحْبَبْتُكِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتِ صَدِيْقَتِيْ الْوَحِيْدَةَ! وَكَرِهْتُكِ؛ كَمَا لَوْ كُنْتِ قَصِيْدَتِي الْهَزِيْلَةَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْكِ وَعَنْكِ أَدْبَرْتُ؛ كَمَا لَوْ كُنْتِ فُرْصَتِي الْأَخِيْرَةَ! لَمْ أُفَكِّرْ –كَثِيْرًا- بِأُنُوْثَتِكِ الْفَائِحَةِ، وَلَا هَمَّ قَمِيْصِي –لِلَحْظَةٍ- بِأَنْفَاسِ عِطْرِكِ السَّادِرِ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدْتُ –جَازِمًا- أَنَّكِ وَرْدَةٌ بَتُوْلٌ مِنْ نَارٍ وَنَادِرَةٌ. عَمَّا قَلِيْلٍ؛ نَلْتَقِي، عَمَّا قَلِيْلٍ؛ نَفْتَرِقُ، أَكَادُ أَشُمُّ رَائِحَةَ الْعِنَاقِ وَالْقُبَلِ، أَكَادُ أَرَانَا فِي صَفْحَةِ الْأَشْوَاقِ المُنْثَالَةِ نَفْتَرِقُ. وَهَذَا الَّذِي ظَنَنْتِهِ أَنَا؛ لَيْسَ أَنَا، وَهَذِيْ الَّتِي ظَنَنْتُهَا أَنْتِ؛ لَيْسَتْ أَنْتِ، فَقَطْ؛ تَشَابَهَتْ عَلَيْنَا فِي الظَّلَامِ الظِّلَالُ وَفِي النِّسْيَانِ الرُّسُوْمُ وَالسِّمَاتُ وَالأَسْمَاءُ.

سَتَفْقِدِيْنَ –يَوْمًا- ظِلَّكِ؛ فَأَنْسَاكِ، وَأَفْقِدُ ظِلِّي؛ فَتَتَذَكَّرِيْنَنِي، بَيْنَمَا الْآنَ؛ لَا أَحَدَ مِنَّا يَفْتَقِدُ الْآخَرَ؛ سِيَّانَ عِنْدَهُ غَابَ أَمْ حَضَرَ، وَلِلْغِيَابِ فِي قَلْبِي غُصَّتَانِ: غُصَّةٌ طَوَتْهَا الْغُرْبَةُ، وغُصَّةٌ تَحْنِيْهَا الْخَيْبَةُ. وَأَنَا بَيْنَ حَابِلٍ ونَابِلٍ؛ أَقْضِمُ أَصَابِعَ نَائِلَ، وَأَشْتُمُ -بِكُلِّ مَحَبَّةٍ- أُمَّهُ؛ أُمُّهُ الْـ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ، فَـ وُلِدَ خَدِيْجًا مِنْ صُلْبِ الْمِدَادِ وَرَحِمِ الْفِكْرَةِ، وَنَمَا يَتِيْمًا فِي قَلْبِ النَّخْلَةِ، وَكُنْتُ -كَالْأَبِ الْجَانِي- بِعُنْفٍ أَهُزُّهُ، ثُمَّ مِنْ عَقِبَيْهِ -فِي الرُّكْنِ الْمُعْتِمِ مِنَ الْقِصَّةِ- أُعَلِّقُهُ، وَأُحَاوِلُ بِالْكِتَابَةِ أَنْ أُرَوِّضَهُ، وَبِالْمِمْحَاةِ أَنْ أُعَلِّمَهُ؛ أُعَلِّمُهُ الْجِنَايَةَ وَالرِّمَايَةِ، لَعَلَّهُ إِذَا مَا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي؛ فَأَنْسَانِي أُمَّهُ.

يَا نَائِلُ: لَمْ تَجْرَحِ السَّنَابِلَ بِمِنْجَلِكَ الْمُسَالِمِ؛ فَلِمَ نَبَذَتْكَ الْحُقُوْلُ وَتَسَلَّطَتْ عَلَيْكَ الفَزَّاعَاتُ وَسَطَتِ الْجُحُوْرُ؟! وَأَنْتَ الْعُصْفُورُ الصَّائِمُ عَنِ الْحَبِّ وَالْحُبِّ؛ مُذْ بَذَرْتَ ضُلُوْعَكَ النُّوْرَ فِي أَرْضٍ بُوْرٍ، لَا تُنْبِتُ غَيْرَ الْعُقُوْقِ وَالْجُحُوْدِ! وَأَنْتَ الْفِكْرَةُ الْبِكْرُ؛ الَّتِي اِغْتَلْنَاهَا بِمَكْرٍ، ثُمَّ أَنْكَرْنَا الْجَرِيْمَةَ، وَأَصَابِعُنَا النَّصْلُ تُنَاغِيْ الطِّفْلَ فِيْكَ وَفِيْنَا، ثُمَّ تَرْضَعُ –طَعْنًا- مِنْ مَآقِيْنَا!.

يَا نَائِلُ: نَقْتُلُهُمْ أَبْطَالُ رِوَايَاتِنَا، نَقْتُلُهُمْ دُوْنَ رَحْمَةٍ، وَلِمُجَرَّدِ الْمُتْعَةِ، لِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، وَبِأَبْسَطِ الْأَدَوَاتِ؛ بِالْمِمْحَاةِ –مَثَلًا- أَوْ بِالثِّقَابِ، وَكَذَا يَقْتُلُوْنَنَا؛ إِذَا مَا تَمَكَّنُوْا مِنَّا وَتَسَلَّطُوْا عَلَيْنَا، وَبَعْضُهُمْ يَتَحَوَّلُ –فِي عُقُوْلِنَا- إِلَى شَيَاطِيْنَ تَؤُزُّنَا وتُفَجِّرُ فِيْنَا الْجُنُوْنَ والْفَوْضَى.

يَا نَائِلُ: كُلُّ أَلْوَانِ الْحُبِّ مُخَادِعَةٌ؛ حَتَّى الأَبْيَضَ! وَكُلُّ لُغَاتِهِ كَاذِبَةٌ؛ وَأَكْذَبُهَا الدَّمْعُ! ذَاكِرَتُهُ تَخُوْنُ، وَقَرِيْحَتُهُ تَخُوْنُ، وَدَوَاتُهُ، وَمِمْحَاتُهُ، وَأَصَابِعُهُ، وَأَضْلَاعُهُ، وَرَقَصَاتُهُ، وَشُمُوْعُهُ، وَقُبَلُهُ، وَعُطُوْرُهُ، وَمَرَايَاهُ، وَصُوَرُهُ، وَهَدَايَاهُ، وَوُرُوْدُهُ، وَسَجَائِرُهُ، وَجَرَائِدُهُ، وَمَقَاعِدُهُ، وَقَهْوَتُهُ، وَقَمَرُهُ، وَمَطَرُهُ، وَحَقَائِبُهُ، وَمَوَانِئُهُ...، كُلُّهَا، كُلُّهَا تَخُوْنُ! وَأَخْوَنُهَا جَمِيْعًا: شَالُ الْحَرِيْرِ، وَالْمَنْدِيْلُ، وَصُنْدُوْقُ الْبَرِيْدِ، وَالسَّرِيْرُ، وَعُلَبُ الدَّوَاءِ، وَالسُّعَالُ، وَالأَرْصِفَةُ الْـ تَقْذِفُ بِكَ بَغْتَةً فِي قَلْبِ الْعَاصِفَةِ، عَاصِفَة الْأَسْئِلَةِ الْغَبِيَّةِ؛ كَأَنْ تَسْأَلَ نَفْسَكَ -وَقَدْ سَحَقَتْكَ الصَّدْمَةُ-: مَا الَّذِي حَدَثَ؟!.


محمد سلمان البلوي

 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس