[مطر الفيصل]

لاتعتقد أبداً أن ثقافتك هي مخزونك اللغوي ، لاتعتقد أبداً أنك عندما تقدم هذا الكمّ الهائل من الكلام
بطريقة برجوازية ، قدّمت خدمة لهذا العالم في توعيته ، لأنك ستتفاجأ أن أصغر نملة في هذا الكون الفسيح لديها ثقافة حتى الآن لم تصل إليها ..
لاتُعطى الأشياء هكذا ولاتؤخذ هكذا ، قدّم لهذا الكون خدمة عظيمة وجليلة في أن تكون أنسان أولاً ثُم مُربي ثانياً وتُقبَل حينها حتّى اخطاءك وتُعتبر أجتهاداً لم توفق فيه ..
لكنّها لاتُقبل بسياط الكلام ، ومساميره التي تنوي بها التثبيت لكنها تُحدِث خُرماً في الآخر لو زال بقي أثره [ الغير جيّد ]
عزيزي المثقف : لاتتباهى كثيراً بااطلاعك على الكتب ، لأن هناك تجارب حياة تروى ولا لم تُكتب تفوق ألف كتاب ، قد يصادفك عامل نظافة من جنسية غير عربية
وتجد منطقة أفضل من شخص لديه دكتوراة في اللغة العربية ، لأن الأول عصفت به الحياة وذاق مرارتها بكل أشكالها حتى جعلت منه رجلاً حكيماً زاهداً في الحياة
والثاني يُشعرك أن بينك وبينه سنة ضوئية ومسافة هائلة هو أخترعها وكان جاهلاً ومحصور الوعي وغير مدرك أن الثقافة ليست مجموعة من الكتب ، تُحفظ وتلقّن !
يحدث ذلك أحياناً على وجه الخصوص وليس العموم .. لكنه يحدث !
ياعزيزي الثقافة هي التغيير الذي تحدثه في الأجيال ولن يحدث هذا التغيير مالم يتقبلك الآخر أولاً ثم يتقبّل منك ثانياً ..
من العجيب أنك وضعت الحاجز وتُطالب بكسره ولاتريد كسره أيضاً ، لو كنت مثقف فعلاً لأدركت أن شهاداتك ومناصبك لك ، والآخر كل مايرجوه منك هو أنسانيتك ..
لو كنت مثقف فعلاً لفهمت أنك عندما تحج وتؤدي مناسك دينك تتساوى مع الغني والفقير والأمير والوزير والموظف الكادح وعامل النظافة ، لافرَق خارجي شكلاً
والفرق " في الجوهر " الذي لايعلمه إلا خالقك ومنشئ هذا الكون الفسيح ..
الثقافة ليست في أن ترى هؤولاء البشر " تلاميذك " بل " أخوانك " حينها فقط ستغيّر كل الأشياء من حولك لأنك تغيّرت من الداخل ..
الثقافة عندما تنحصر تصبح محدودة ، مؤطرة على أشياء مُحددة ، وهذه ليست ثقافة لأن الثقافة وعي لاينتهي تكتسبه كل يوم
من أعمق الأشياء وأبسط الأشياء أيضاً ، من أخبرك أن الثقافة تنتهي في تخصص علمي أو أدبي تتلقاه وتلقنه غيرك فهو حتماً مُخطئ ..
لأن الثقافة وعي مطلق ومرونة مطلقة ، تُربة خصبة صالحة للزراعة .. الثقافة تزداد كلما طال عمرك دقيقة ، لكنها تنقص حتماً
حينما ترى الآخر من فوق قمّة وهمية ليست موجودة إلا في خيالك وليس على أرض الواقع ..
الأبطال ليسوا المثقفين ، بل المغيرين ، وهم كثر ، قد تأتي في شكل مربياً فاضلاً أخرج جيل كامل من العظماء ، قد تأتي في شكل جندياً مرابطاً في آخر حدود وطنه يسهر على أمنها ، قد تكون في طبيباً أنقذ حياة مريض
قد تكون في أم تصحوا باكراً لتجهز ابناءها قبل الذهاب لطلب العلم وتقبّل جبينهم وتودعهم بدعاءها اليومي " أستودعتكم رب السماوات والأرض "
قد تكون الخ الخ .. لكنها حتماً لاتقتصر فقط في قراءة مجموعة الكتب ، هذا جزء يسير منها لكنها سلوك حياة كاملة ..