منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قراءة في قصة انسان مسكين لخلف المشعان !!
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-31-2006, 03:54 AM   #2
عيد المطرفي
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية عيد المطرفي

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 18

عيد المطرفي غير متواجد حاليا

افتراضي


"
"
كان بالإمكان أن نقتل خلف المشعان ليخلو لنا النص ونتعمق في بنيته النصية على ضوء "موت المؤلف" ، وبذلك نقف على عتبات النص بلا سلطة قائله ،(وهي مقولة أي موت المؤلف، لا تعني ظاهر معناها اللغوي ، وهي لا تعني إلغاء المؤلف وحذفه من ذاكرة الثقافة . إنها تهدف إلى تحرير النص من سلطة الظرف المتمثل بالأب المهيمن : المؤلف، إنها تفتح النص على القارئ بما أن القارئ هدف أولي للنص، وتزيح المؤلف مؤقتا إلى أن يمتلئ النص بقارئه والقارئ بالنص ثم يصار بعد ذلك إلى استدعاء المؤلف ليحضر حفلة زفاف النص إلى قارئه ليبارك هذه العلاقة الجديدة وينتظر الولادة الآتية فرحا لابنه-حسب تعبير أبي تمام-أو شوارده- حسب المتنبي لكي يتزوج الابن ويتمدد في أسرة جديدة من النصوص الموازية ، ولكي تدخل الشاردة في خصام مع الخلق يجعلهم يسهرون حيث ينام المؤلف/ الأب سعيدا بمجد نصه وتاريخانيته المستديمة)1 ، ولكن مع ذلك فالشاعر بفكره الثاقب وشاعريته الفذه نزع سلطته عن النص طوعا ، واكتفى بأن يكون حاكيا مستترا خلف نصه من بداية القصيدة ، إذ يقول :" بحكي لكم" فاقتصرت مهمته على الحكاية من بداية النص ، ولا أدل من أن يأتي الفاعل في "بحكي" مضمرا ، وهو خلف المشعان ، ولا تخلو هذه الشاعرية الفذة من أن تعي دور المتلقي وأهمية الجمهور في العملية القرائية ، دون أدنى تدخل من الشاعر ولذلك قال: " لكم" ، وهو بذلك يفتح النص لمتلقيه ليفهمه كيفما شاء وحصر وظيفته في ايراد الأخبار مع وصف الشاعر لما رآه وصفا شخصيا ، ونحن في هذه المقاربة لا نريد أن نحلل ماقاله الشاعر في قصيدته ، ولا إلى مقصديته وإنما نحاول أن نستنطق مالم يقله النص، ونكشف عن المخبوء في ثناياه ، وكذلك ما سكت عنه في القصيدة الميلودرامية ، التي جسدت بطولة مأساوية ، وكذلك دراسة التراكيب دراسة أسلوبية ، من حيث حذف المسند أو المسند إليه وكذلك تقديمها أو تأخيرهما وما في ذلك من دلالة بلاغية ، وندرس كذلك التركيب الصوتي في القصيدة ، إذ أبدع الشاعر في توظيف الصوت أيما إبداع وفقا للحالة التي يرويها ويتكلم عنها.
ففي بداية القصيدة/القصة ، نجد حذف المسند إليه- قصة- في (قصة انسان مسكين)، والظاهر للقارئ أن الحذف لا يخلو من دلالة تتبين في أول شطر في البيت الأول وهي أنها ليست قصة إنسان مسكين ، وإنما قصة عنه ، أي ليست هي كل حياته ولكن جانبا من جوانب حياته ودليل ذلك أن الشاعر الفذ ، وظف حرف الجر ، لعلمه أن حياة هذا الشخص لا تصورها قصيدة/قصة ، فلذلك نسقط "قصة"ونجعل العنوان : إنسان مسكين ، لأن القصيدة أصلا كانت بلا عنوان ولا أدل من ذلك أنها كانت في صورة أخرى ، في موضع آخر قد يكون هو نص الولادة // ولادة النص ، وهو في مواقف كتبها الشاعر فكان المطلع : والموقف السابع عن انسان مسكين ، ولكن الذي يحلو لي كقارئ يمارس العملية القرائية للنص بلا سلطة الشاعر ، إذ تخلى لي خلف عنها –قرائيا- بعد أن حصر مهمته في الحكاية ، وكذلك ذاتيا أو شخصيا ، فلذلك يكون النص " بحكي لكم قصة عن انسان مسكين" . ونريد بداية أن نشير إجمالا إلى ما سكت عنه النص ومن ثم نعود لنؤيد ما ذهبنا إليه من بنية النص وتراكيبه الأسلوبية والصوتية كذلك.
إن الموضوع الاجتماعي للقصيدة/القصة ، هو الذي جعل القصيدة تتكلم بذاتها ، لأن هذه القصيدة/القصة ، هي واقع اجتماعي ، أو واقعة اجتماعية يعرفها الجميع ، والمتتبع لقصائد خلف يكاد يجزم أنه شاعر اجتماعي بالدرجة الأولى كـ حافظ ابراهيم- شاعر الشعب-، ولا أدل من ذلك نظرة عابرة على قصائده ، وقد لا أكون مبالغا إذا قلت : أن خلف تغلب الغيرية عليه وتتغلب غيريته على ذاتيته ، وإذا أردت البرهان فانظر إلى وصفه لمشاعر غيره في قصائده فتجدها قوية جدا ، بل وأقوى بزعمي منها عندما يتكلم عن ذاته.
وأجزم أن أغلب قصائده -إن لم تكن كلها هي نتاج موقف- ، وتمظهرا لشئ وقع عليه أو جرى له .
نعود إلى قصيدتنا//قصتنا ، لنسمع الحكاواتي ، يتربع في صدر المجلس ويحكي لنا هذه القصة الحزينة كالمنشدين اليونانيين وهم ينشدون الأساطير عن آلهاتهم ، ونحن نسمع ، والسماع له دور خطير في القصيدة/القصة ، لأننا بداية نتلقاها سماعا ، ولأن مأزق بطل القصة(حسين) ، كان بالسماع.
بداية بالإرث السلبي –الوصية الأبوية- إذ نعلم أن الوصية مسموعة كما أنها قد تكون غير ذلك ، ولكن الذي يجعلنا نجزم بسماعية الوصية ، هو قصرها الشديد إذ لم يترك لهم إلا رحمة ربهم ، ولا يخفى الدور السلبي لأب ، الذي يقر به الأب نفسه ولذلك قال :" ربهم" ، فأسند المضاف إليه، إلى ضميرهم الجمعي "هم" ، دون أن يشركهم ، وما ذاك إلا دلالة على أنه رحل وهو يدرك أنه خالي الوفاض من دون شي ، ولو أن يشرك زوجته وأولاده في رحمة يستنزلها لهم من ربه.
وتتكرر مأساة السماع صريحة كصراحة اسم بطل القصة (حسين) في هذا الشطر الذي لم يأت صريحا إلا في هذا الموضع المتضمن لمأساة السماع التي يعيشها حسين ، إذ يتجدد حزنه بعد سماعه:"و يا حسين ود الثوب، يا حسين هاته" .
ليأتي الشبح السمعي له بالضيق والضجر والشعور بالامتهان عندما يسمع (الوراعين) يعيرونه ، بأي صفة أو قذف يجعله يعود للبيت لكي ينقطع السماع عن أذنيه ويطلب الراحة ، إلا أن السماع يقف له بالمرصاد ، ليكرس المأساة في داخله ، فيسمع كلام أمه عن الفقر والدين ، لتضيق به الجهات الكونية ، جهتي الداخل وجهتي الخارج ، إلا أن خلف المشعان يتدخل في اللحظة الأخيرة ، ليصف شعور البطل/حسين ، وهو التدخل الوحيد في القصيدة/القصة ، منه بعد أن قصر مهمته على الحكاية كما مر معنا سابقا ، وما هذا إلا تأكيد على كلامي السابق من أن خلف شاعر غيري يبدع في وصف مشاعر غيره ويجسدها تجسيدا قلما نلحظه عند غيره من الشعراء ، وليته أخره قليلا ولكن اللحظة كانت تستدعي هذا التدخل خصوصا عند شاعر غيري كما نزعم ، ليقرر بمفارقة عجيبة وهذا اسلوب يتكرر في مفردات وقصائد خلف كثيرا- كأحمد مطر –وهو أسلوب المفارقة ، فالحياةهي الممات وقبل ذلك كانت تجاربه في حياته ناتجها الشين والشين ، وان راح يلعب عير وان رجع فالشكوى تملأ أذنيه ، تعددت مصادر الشقاء والبؤس واحد.
وبعد هذا التدخل الخارج عن البنية النصية ، يرجع غول السماع ليردي بطلنا/حسين ، في الهلكة ، بعد أن شكل السماع فهمه وتصوره ، وذلك متزامنا مع حالة حتمت على البطل أن يتخذ قرارا مصيريا ، تغيب فيه المنطقة الرمادية ليصبح الحل الأمثل ، إما السواد الخالص أو البياض الخالص ، (فقر الذيب/السواد ، غناته/ البياض) وبأسلوب المفارقة ذاته يصور لنا الطريق الذي وضع فيه البطل كل آماله بالغنى ، لتنقلب عليه طاولة الآمال وينقلب السحر على الساحر ويكون حظ المستقبل فعلا دمعة العين ، وما هذه الأبيات المحكية بعد تدخل خلف على الحكاية إلا دلالة استتباعية على صحة حكم خلف على مستقبل البطل/حسين . فكأنما أبا موسى أراد أن يقرر الجميع بصحة تدخله الوحيد على السرد الروائي . ويوكد صحة استنتاجه وتنبئه بمصير حسين ، والنتيجة واضحة هي سجن مدته أربع سنوات .. وهذا الرقم ليس بغريب علينا في القصيدة/القصة ، إذ تكرر في أكثر من موضع :
وكان (رابع) خواته.
ويضيق فيه الكون بـ(اربع) جهاته.
وصار له (اربع) سنين.
ولا يخلوالإصرار على هذا الرقم من دلالة ، لأن الرقم وظف توظيفا مقصودا ، فإن سلمنا بأن مجموع الأبناء أربع ، فما الجهات الأربع للكون ؟ ولماذا حددت جهات الكون بأنها أربع، مع أن الكون لا تحده الجهات المعروفة .. الشمال .. الجنوب ..الخ .
لأن الكون فضاء متسع لا يتحدد بجهة معينة . ؛ وقد تكون هذه الجهات جهتين داخليتين وجهتين خارجيتين بالنسبة لبطل القصة/القصيدة ، متمثلتين بــ 1- الجهة الداخلية ببعديها ؛ أ-هم أخواته . ب- كلام أمه عن الفقر.
2- الجهة الخارجية ببعديها؛ أ-تعيير الوراعين . ب- السماع بفقر الذيب أو غناته. والتوكيد الدلالي على مقصدية الرقم4 ودلالته
أنه مكث في سجنه أربع سنوات ، فهل يحدثنا القاضي : خلف لماذا حكم على بطله أربع سنوات؟! ، مع أن جريمة السرقة لا يكون حكمها ، أربع سنوات. لا نريد الإجابة من خارج النص ، وإنما نريد أن نفسر النص بالنص ، والقصة بالقصة ؛ قد تكون في المفارقة
المشعانية تفسيرا لهذا الرقم من داخل البنية النصية .
فنلحظ : حياته/مماته .. ود/هاته .. الشين/زين يجربه .. فقرالذيب/غناته..
ولا تخفى سلبية البنات –أخوات حسين- ، إذ كن ثقلا ينبئ به المسكوت عنه في القصيدة ، وغيابهن جلي وواضح ، إذ يغبن غيابا فعليا وتاما ، في المشهد المأساوي لحسين وأمه ، فهو وأمه كانا يقتسمان العمل ، وبالتأكيد كانت البنات عالة عليهما ، فالأم تعمل بالفساتين ، وحسين (يودي ويجيب) ، وبذلك يكون حسين وأمه قد اقتسما الشقاء والعذاب والشين والشين ، متمثلا بالعمل الشاق ، وكذلك وضاعة العمل .
ولكن الغريب في النص أنه غيب الأم تماما في نهاية القصة/القصيدة،وذلك أن (حسينا)، لما استزل رحمة ربه التي كانت هي رأس ماله التي ورثها من أبيه لا غير ، لم يذكر أمه التي طالما اقتسم واياها المر والمر والشين والشين على حد تعبير النص .
وإنما كان تفكيره منصبا على ثلاث أخوات له ، إذ أن الأم قد ماتت أيضا –وبدون وصية- ايجابية أو سلبية كانت . وماذا عساها أن تفعل وكل ما كانت ما تجيده صنعة تصنعها بيدها ، وماتت بموتها ، (صنع الفساتين) . ولم يبق للبنات سوى أخ أستنزل-كأبيه- رحمة ربه من أجلهن .
دراسة التراكيب : كانت الأفعال تحتل المرتبة الأولى في النص وهو توظيف جيد للجملة الفعلية التي تدل على التصعيد والحركة والتجدد والحدوث إذ تلحظ الأفعال من بداية النص ؛ بحكي ، ربا ، مات ، ترك ،..... الخ القصة/ القصيدة ، لتدل على الصراع بين الحدث وذاتها الفاعلة ولا أدل من ذلك وقوع الذات مضمرة في موضعي الفاعلية والمفعولية في مواضع كثيرة، ستتبين بالأرقام فيما يلي ، ولم تأت صريحة إلا في موضعين سيأخذان الرمزين أ، ب. في نفس موضع القصيدة .
ونلحظ حسن الاستخدام التركيبي والصوتي في القصيدة ، إذ أتت الجملة الإسمية (انسان مسكين) ولا تخفى دلالة الجملة الإسمية التي تفيد الثبوت والدوام ، لتدل أن الفقر ملازم لبطل القصة//القصيدة.
ولا أدل من ذلك أن كل طرفيها أتى منكرا ؛ إنسان .. ومسكين .. ولم تكتسب التعريف إلا بالإضافة ، لتوكد ملازمة الفقر والشقاء لبطل القصة الميلودرامية.

 

عيد المطرفي غير متصل   رد مع اقتباس