هي المدينة التي تجتازك وأنت تسكنها بكل بساطة !
تتعداك وتهدر مشاعرك بركضها وبسكونها , تجعلك تمثالاً فيها لايبارح أضيق ميادينها إن لم يكن أوحدها و تغييييب ..
شقيقةٌ للبحر , تتسول من شواطئها بعض مايفيض من أحلام جدة ويأتي هائجاً مع الموج .. كأنها خُلقت للبحث عن مسمى لها أكبر من كلمة مدينة ,
هي التي تحلم بذلك جاهدة , ولم تصل للحلم تماماً ..
في طريقك لهذه البلد بالذات ستمنح ذاكرتك البصرية راحةً من مدى الجدران الإسمنتيه , حيث لا تيجان لها ,
رأس حيلتها بناياتٍ من طابقٍ واحد , طينيةٌ على الأغلب..هناك ستفاجأ بالسقف قريباً من متناولك كقلوبِ أهل الدار ..
أناس تنقصهم الأجنحة كي تكتمل جاذبية الملائكة .
مازلت أحتفظ بشاهدٍ لذيذٍ في شكل قُبل على جبيني لنسوةٍ كبيراتٍ تجاوزن أمي عمراً وتعباً ,
على آذانهنّ خصلة من الريحان كبيرة , وفي ثيابهنّ نسيمٌ للكادي , يُهذبنّ شعرهنّ كما كانت جدتي تفعلها استعانةً بمنقوع بذور السفرجل , ويرتدين بساتين لانهاية لأوراقها .. .. ..
لا أعرف أي شعور يتقمصني كلما أدرت لها ظهري ..!
أشعر بمرارة الخسارة , وأسأل نفسي لماذا!؟ مالذي ينقص مدينةٍ أسكنها ومالذي تزيد به هذه برغم زهد المكان ؟
أهي حميمة جدرانها ؟ طيبة شوارعها , والإشاعات الساذجة التي تنطلق منها وتتبخر من أفواه الصبية ؟
هل تعبر عن حُقبةٍ من العهد الجميل بما تملكه من بساطةٍ ليست لأرض أخرى دخلتها ؟ ..
كيف تشكلني بيوتها ؟ مالذي تضخه فيّ محالها المتأخرة عن الموضة , عرباتها الزهيدة جداً , و" خارجاتها " المختصرة ؟
تلك التي أفتقدها والتي ستنبهك للمنسيات , للألعاب التي استغنينا عنها بالمحمول وبرامج الهواتف الذكية , وجنون الأبعاد الثلاثية ..
هناك تحديداً ستنجذب إلى لوح " الكيرَم " والسّمر الطويل بصحبة زجاجات "البيبسي" قديمة التصميم ,
ستنجذب إلى " الضُومنه " وصراخ الفتيات في حالات النكسة المفاجأة و تَلَقِي الأحكام الخبيثة ,
و ستنتبه إلى وجهك شاحباً يطل على الأمس من نافذة عتيقة للحنين .........
إنها " الليث " مزارع الربيان , ومواطن الكثبان , والنكبات الغير محسوبة على الوطن ..