منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - تأملات في التصوير الخيالي الذاتي المكتسب من القراءة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2019, 09:07 AM   #2
عامر بن محمد
( شاعر وكاتب )

افتراضي


رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي والبؤساء الفرنسي فيكتور هوجو ..
هي من القصص التي قرأتها قبل أن تسطو تصورات ومنتجات التمثيل التلفزيوني والسينمائي على ذاكرتي الخيالية
ويحيطها بأدوات تصوره الحسي الذي خلق واقع مشاهد مفروض ، مثال توضيحي للفكرة :

لو حدثت شخص في اوائل القرن التاسع عشر وما قبله او شخص لم يشاهد افلام الفضاء وكائناته لو حدثته عن مخلوقات فضائية تعيش في كواكب بعيدة في مجرتنا او خارجها قامت بالاتصال بنا في كوكب الأرض وطلبنا منه أن يصف أشكال تلك الكائنات وزيها ولغتها فسيكون جوابه حسب تصوره الذهني الخاص به عن كيفية وماهية تلك الكائنات ووسائل اتصالها ومواصلاتها لوصفها حسب مشاهداته المحسوسة لأنواع الكائنات الحية في تركيبتها الجسدية مع اضافات من محض خياله قد تختلف عن تصورات مائة شخص في نفس مستواه المعرفي لو طرحنا عليهم نفس الطلب فستكون النتيجة مختلفة في تصور كل فرد منهم وإن اتفقت على بديهيات منطقية اساسية مثل انهم كائنات حية تحتاج تنفس وجسد وحواس وجوارح ...الخ ولكن تجد الاختلاف في هيئتها الشكلية لانه لم يرى قط مخلوق غير أرضي مخلوق فضائي هنا يستعمل آلة التصوير لخلق الصور التي تكتسب هيئتها من خياله ..

ولكن لو طرحنا سؤالنا هذا على شاب معاصر في حاضرنا مشبع بعدد كبير من مشاهدت افلام الكائنات الفضائية لكان تصويره معتمد على مشاهداته السينمائية والدرامية لنماذج استوعبتها وخزنتها ذاكرته الخيالية فلا يجد بد من استخدام أحد النماذج كقالب ملموس في خياله ..

نفس الفكرة تصاحب القارئ لرسالة التوابع والزوابع

خلاصة القصة يتصور المؤلف أنه قام برحلة خيالية ممتعة الى وادي عبقر ـ وادي الجن للشعراء ـ ليلقى توابع الشعراء، لأن كل شاعر كان له تابع من الجن، قد علمه الشعر ، فيسمعهم من شعره، فينال منهم إجازة النظم والخطابة ليثبت لنفسه و للقارئ أنه أشعر اهل زمانه متفوق على اقرانه المعاصرين لا بل ويختار نخبة من كبار الشعراء على مختلف العصور يتجول ويرتجل القريض مع توابعهم ، يسمع منهم ويسمعون منه انها رحلة خيالية ممتعة لعالم غيبي وإن كانت ذات طابع وموضوع واحد وهو الشعر بغض النظر عن جودته او رداءته لا تعالج اي مواضيع غير مادته الشعرية والحقيقة ان الفكرة بحد ذاتها مشوقه ، وقل ماتجد مطلع على الأدب والشعر العربي لم يمر على هذه الرسالة التمثيلية التى تعطي قارئها امكانية اطلاق خياله الذاتي في تفاعل مع الخيال الموجه في أحداث القصة وتجعله يعمل تصور كامل عن الجن وعالمهم ودوابهم والبيئة التي يعيشون .

ولو عملنا بنفس المثال السابق في اختبار تصور الكائنات الفضائية على ثلاثة أشخاص أخذوا يقرأون رسالة التوابع والزوابع مع فروقات واختلافات في الكم المعرفي لديهم مثلا :

الأول : من قوم يؤمنون بوجود الجن في خياله صور مطبوعة اكتسبها إما بالقراءة من مصدر ما او من قصص شعبية وأساطير خرافية عن اشكال الجن وتفاصيل عالمهم .

الثاني : من قوم لا يؤمنون بوجود الجن اصلا وليس لديه أي تصور مسبق عن ماهية هذا الكائن المسمى جن .

الثالث : من المعاصرين الذين شاهدوا افلام ومسلسلات تجسد أشكال الجن وأحوالهم

هل تخيلت كيف سيكون جواب كل منهم لو قلنا له صف لنا أشكال الجن وعالمهم

الأول.. سيخرج بصورة مخزنة في ذاكرته .
الثاني … سوف يرسم صورة خاصة به نتيجة أعمال خياله الذاتي قد تتفق جزئيا مع الأول او تختلف كليا باستحداث شكل وماهية قد لا تخطر ببال احد المهم انه سيخرج لنا صورة من انتاج خياله
الثالث : سينصرف خياله الى واحد من النماذج التمثيلية التى شاهدها او يجمع بين اكثر من نموذج ولكنه سيخرج صورة متوقعه مألوفة من مشاهداته .
واذا تناول القارئ من غير سابقة مشاهد تمثيلية لرواية البؤساء للفرنسي فيكتور هوجو التي كتبها عام ١٨٦٢ والتي يستعرض فيها طبيعة الخير والشر والقانون في قصة أخاذة تظهر فيها معالم باريس، الأخلاق، الفلسفة، القانون، العدالة، الدين وطبيعة الرومانسية والحب العائلي لاشك انه سيبحر معه بخياله ويعيش تصوير دقيق للأحداث ويستخدم مهاراته في صناعة الخيال لتحل محل الموسيقية التصويرية في مشهد معين بغض النظر عن نوعه فخياله سيخلق تصور لحظي يستعيض به عن التصوير الموسيقي او اللفظي فتكون ردت فعله عند الاثارة مع املاء الكاتب فيسمع أصوات الشخصيات في خياله تعبيراتها اللفظية في التفخيم او الترقيق وكأن النص المكتوب ينطق بلسان كل شخصيات الرواية على حسب دورها ، الشرير صوته قوي مفزع صاخب وصوت اليتيم رقيق مكسور والطيب صوته هادئ يبعث الطمئنينة ومشهد الظلم يحبس الأنفاس وكأنها لزمه موسيقية والمشهد المفرح الراقص يخلق له الخيال اجواء سعيدة مرحة قد لا يستطيع أن يجاريه في اخراجه الخيالي للمشهد أعظم مؤلف موسيقي ليعبر عن اللحظة .. لذلك قلنا سابقا ان الروائيين الغربيين أتقنوا وأبدعوا في استنهاض خيال القارئ ووعيه في تنسيق النص وكأنه يصور اهات المحب يشعر بخفقان قلبه ويعيش اللحظة تفاصيل أعمق حسب الحبكة التعبيرية للكاتب فيجعل علامات الاستفهام كأنها حية مشاهده مسموعة وهي عند القارئ العجل السطحي الذي لا يعمل خياله بصورة فنية ماهي الا مجرد علامة استفهام او تعجب ليس له منها اي احساس، مجرد شكل مرسوم فيه نقطه بلا معنى يجعل الخيال خصب لاستحضار ادوات الاثارة ، عندما قرأت البؤساء لأول مرة بدون اي سوابق معرفية عن الدراما والتمثيل شعرت بمعاني في خيالي اختفت عندما رأيت الرواية مجسدة في أكثر من عمل سينمائي فرضت علي صور عن واقعهم تحكيه البيئه المشاهده في ملابسهم ومساكنهم واصواتهم ومراكبهم اختف خيالي الخاص الذي جعلني التهم الرواية في وقت قياسي بالنسبة لضخامة الرواية وطولها والتنقل بين فصولها والعودة و الخروج من حدث الى آخر التمثيل السينمائي كبح إرادة التمثيل الخيالي في تصويري الفنى الذاتي ، وليس هذا لرداءة التمثيل السينمائي بل لسلبه ملكة التصوير الطبيعية لدي والتي هي موجودة عند كل متلذذ في قراءة الرواية لقد حل الخيال السينمائي محل انفعالات واستجابات التصويرية التى الهمنى أيها النص بعبقرية المؤلف وحسن تنقله بين الأحداث تنقل لا يقطع الرابط بين إيحاءات تعابيره ومفرداته وتصويري لها بل وجدت موسيقي خاصة تختلف ايقاعاتها حسب الأحداث . رأيت نسخ كثيرة سينمائية عربية وغربية حتى كرتونية تصور كل عمل يختلف عن الآخر ففي النسخة العربية التي مثلها فريد شوقي مع عادل ادهم عام ١٩٧٨ اختلاف إبداعي عن النسخة الانجليزية حين أخرجوا الرواية كفيلم غنائي عام ٢٠١٢ من بطولة هيو جاكمان من الناحية الموسيقية لا بأس بالفلم ولكن قتلوا الروح السينمائية التي ظهرت بها الرواية في فيلم ١٩٥٢ من إخراج لويس مايلستون، بطولة مايكل ريني وروبرت نيوتن . مختصر القول ان الفرق كبير بين المشاهدة والقراءة وارى ان المشاهدة ليست بجودة القراءة بل ان حلقات مسلسل الرسوم المتحركة للرواية التى نشرت في المسلسل الشهير الذي عرفناه في منتصف وأواخر الثمانينات حكايات عالمية باسم قصة الاطباق الفضية ،كانت اروع من بعض الانتاجات السينمائية.



وللحديث بقية ....

 

التوقيع

https://www.youtube.com/channel/UC6t...6uEWH_p5Xd9UA/
تَغَنَّ في كُلِّ شِعرٍ أَنتَ قائِلُهُ .. إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُُ

عامر بن محمد غير متصل   رد مع اقتباس