منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الإبداع .. وحاجز الزمن !
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-2010, 08:14 PM   #1
محمد الكحلاني
( كاتب ومصمم )

الصورة الرمزية محمد الكحلاني

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 15

محمد الكحلاني غير متواجد حاليا

افتراضي الإبداع .. وحاجز الزمن !


.
.
.

الإبداع .. وحاجز الزمن !

فرضية:
للنتاج الإبداعي بشكله العام ( معادلة ثابتة *) كما في بقية العلوم إلا أن معادلته الثابتة تختلف عن العلوم في كونها ترتكز على معطيات أو أسس ليست معيارية.
توطئة:
إذا اجتمعت المقومات الأساسية للنتاج الإبداعي في الإنسان سيتمكن من خلق جديد في مجال اهتمامه، وبما أن الآداب الإنسانية ليست معيارية فإن هذه الأسس ستختلف في كل مرة ومن شخص إلى آخر بحسب قدراته ونمط الإبداع ونوعه وبيئته، فكلاً من الهندسة الإبداعية (الابتكارات العلمية) والكتابة الإبداعية يمتلكان أسساً مختلفة ولا يلتقيان إلا في كونهما إبداعين. وبعكس ما يعتقد البعض، فالإبداع في العلوم المعيارية (الابتكار) ليس معيارياً إذا ما التفتنا إلى حقيقة أن الإبداع لا يقاس بذاته.

أما السبب في أن كم الإبداع العلمي أكثر من كم الإبداع الأدبي في عالم اليوم فذلك عائد إلى طبيعة الأسس، وإن عدنا بالزمن إلى الوراء سنلاحظ أن نسبة تواجد الإبداع العلمي منخفضة مقارنة بالإبداع الأدبي كون العلوم لم تصل إلى ما وصلت إليه اليوم بالتالي كانت الأسس العلمية أضعف وانعكس تأثير ذلك على الإبداع العلمي.

وبما يخص الأسس، فأسس الإبداع العلمي معيارية تمكّن الأفراد من الإلمام بها وفهمها إلى مستويات مختلفة والبحث فيها ودراستها وتصنيفها بحسب الغاية من تواجدها، ثم تتراوح درجة إجادتها بحسب مدى اهتمام الشخص وفهمه، أما الإبداع في الآداب الإنسانية فأسسه اللامعيارية كانت العائق، مسببةً ضعف حضوره مقارنة بالإبداع العلمي اليوم، وبالنسبة لإمكانية قياس الإبداع العلمي بعد مرور فترة زمنية من ظهوره، فذلك لإمكانية مقارنة معاييره بمعايير الإبداعات اللاحقة، وهذه النقطة تغيب في الكتابة الإبداعية لطبيعة الأسس.

هذا كله يعطي قوة تأثير للإبداع في الآداب الإنسانية تصل إلى عمق الذات البشرية والتي تتجاوز قوة تأثير الإبداع العلمي بمراحل. ومن وجهة نظري، إن قوة تأثير الإبداع الأدبي مستمدة من طبيعة الأسس والتي تمكنها من ملامسة جانب روحاني في الإنسان مما يجعله مندهشاً أمامها وقد يشعر بنقص يعاني منه تجاه العمق الذي يبرزه المبدع.
* مجرد سؤال:
هل تشعر أحياناً بأنك عاجز ولو لوهلة عن الكتابة الإبداعية عندما تقرأ نص عالي الشاعرية ؟

(*) تفسير المعادلة الثابتة:
سأنطلق من نظرتي لهذا الكون الذي خلقه بديع السماوات والأرض – جل جلاله-، فكلما بحث العلماء المتخصصون في العلوم وتوسعت مجالات بحوثهم فيها وجدوا أن كل شيء يمكن قياسه يعمل على معايير ثابتة ترجمها بني آدم إلى معادلات رياضية ترتبط بالعلوم التي وضع أسسها البشرية.
- قال تعالى: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}
- وقال جل جلاله: {والقمر قدّرانه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}
- وقال سبحانه وتعالى: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}
كل هذه الآيات تدل على وجود معادلات ثابتة في الكون جعل الله أمور الدنيا تسير عليها وعندما أقول أمور الدنيا لا أقصد الجمادات فحسب، بل كافة المخلوقات واستشهد بقوله تعالى في الآية الكريمة: {ومن نعمّره ننكسه في الخلق أفلا تعقلون} ، فكما هو واضح في الآية هنا أن لدينا معادلة ليست معيارية ولكنّها ثابتة .. وهي:

زيادة العمر عن معدل الكِبر = انتكاسة في الخلق (ظهور ملامح الكِبر وعلاماته)

وهذه المعادلة ليست معيارية لأنها تختلف أولاً في تحديد معدل الكِبر من شخص لشخص أو من مجتمع إلى آخر كمثال أوضح، ومن ثم في النتيجة التي ستظهر في الإنسان –النكسة الخلقية-، وفي هذه الآية الكريمة تحققت ما أسميتها المعادلة الثابتة ذات الأسس اللامعيارية عدى "عمر الشخص" والذي يعتبر شبه معياري هنا لأنه مرتبط بمسألة نسبية وهي في "معدل الكبر".. وهذه المعادلة بوجهة نظري شبيهة بمعادلة النتاج الإبداعي إلا أن الأسس تختلف بحسب طبيعة الإبداع.

ربط:

يتفق الكثير من الناس إن لم يكن السواد الأعظم منهم في أن الشعر موهبة، إلا أني قد أخرج عن هذه النظرة لأني أؤمن بأن "مدى عمق الإبداع" في الشعر يعد الموهبة وليس الشعر بحد ذاته، وإن مدى هذا الإبداع يتأثر بطريقة نشأة الشاعر والتي تزرع فيه تلك الموهبة المكتسبة فالشعر كموهبة لا يعتمد على عضو محدد في الجسم كي نقول بأنها موهبة في أصل المخلوق.

كل إنسان قد يلقي بعض الجُمل بحسب حالة وجدانية معينة تجعل من قوله العادي أو موقفه في قمة الشاعرية، كقول فاطمة –رضي الله عنها- عندما كانت تنعي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه)) .. وأيضاً قد يلقي المرء بعض الكلمات التي تأتي بنظم سليم ولكنه ليس شاعراً في أصله كقوله صلى الله عليه وسلم: (( أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب )) حيث لا يختلف اثنين في أن النظم سليم هنا، وأيضاً لا نغفل عن قوله سبحانه وتعالى: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } وفي كلمة { علّمناه } يكمن سبب اجتهادي المتواضع ، حيث أن التعليم لا يكون في أمور لا تحتمل التعليم ، والتعليم الوارد هنا إنما أراه في تعليم المرء أسس المعادلة الثابتة التي تساعده على جني النتاج الإبداعي الشعري وهي كما ذكرت في بداية هذا الربط "الموهبة المكتسبة"، وكأمثلة للأسس غير المعيارية وليس من باب الحصر: التجربة، وقراءة تجارب الآخرين، ومعرفة بحر من البحور على الأقل، من شأنها شأنها أن تأخذ بيد المرء إلى عمق جديد يجعل بركان الإبداع فيه يقترب إلى الانفجار ( قد أسميه إندفاع القريحة الشعرية ) فيظهر بنص جديد وإن لم يصل إلى حدود التميّز إلا أنه لا يُرد من أصله كإبداع.

ولأننا هنا نهتم بالشعر أكثر من غيره ، فالشاعر لا يحتاج منا البحث في الأسس اللامعيارية التي يمتلكها، ولكن لأن التجربة والإطلاع ترتبطان بمعدل القراءة وتجدد التجربة في الحياة واللتين ترتبطان بالزمن ، فكان لابد من وجود حاجز زمني يفصل بين النتاج الإبداعي للشاعر ، لذا أرى بأن الزمن -لتداخله مع التجربة- جزء مهم في المعادلة الثابتة للإبداع الشعري للشاعر ، وعليه .. فإن على الشاعر العمل على محاولة تطوير الأدوات المرتبطة بالزمن كي يكثف نتاجه الإبداعي، فمحاولته لتقديم الجديد في فترة أقل من فترة تطويره لما لديه من أدوات ستؤدي إلى تقديمه نصوص لا ترتقي إلى مستواه المعهود.

ختاماً،

أذكر أسمين كمثال لشخصيات نجحت في التعاطي مع الحاجز الزمني حيث أرى أن لديهما ميزة قصر الحاجز الزمني للنتاج الإبداعي، وهما: الشاعر زايد الرويس، والشاعر محمد السالم، فالمتابع لنصوص هذين الشاعرين يتيقن بأنهما لم يسيئا للشعر برغم غزارة نتاجهما .. والذي يعكس وجود غزارة في النتاج الإبداعي لديهما، وهذا بوجهة نظري عائد لقصر الحاجز الزمني والذي يرتبط بتطويرهما للأدوات التي ترتبط به.


أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم،
وإن كان كذلك فأدعو الله أن أكون قد أخذت وقتكم فيما يفيد ..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

محمد الكحلاني

 

التوقيع

محمد الكحلاني غير متصل   رد مع اقتباس