منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - يوم الاستقلال!! ( قصة قصيرة)
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2019, 09:46 AM   #1
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي يوم الاستقلال!! ( قصة قصيرة)


حلقة 1

توهجت المباني في ظلمة الليل لثوان، بعدها دوى انفجار مروع تناثر على
إثره الشرر في كل حدب وصوب ..
كان مصدر الوهج شعاع ليزر أطلقه طبق طائر من إياهم..
وكان أول الغيث، حيث ظل الطبق لدقائق يمطر المربع السكني بأشعة الليزر
حتى تحول إلى خرابة ممتازة ..
لكن من بين الحطام برزت كف عبد الصمد ..
بعدها برزت ذراعه كلها وأزاحت بعض الركام لتسمح لرأسه بالخروج إلى الهواء ..
مرحى يا عبد الصمد مازلت حياً رغم تحول منزلك إلى رماد ..
هاهو ذا يزحف على بطنه بين الشظايا المحترقة بكلإصرار، وحينما قرر أخيراً أن
يقف معتمداً على كفيه اكتشف أنه لم يعد لديه رجلين!!
لقد بتر نصفه السفلي ..
لابد أن صدمة عصبية قد ألمت به إذ سرعان ما تهاوى بلا حراك.. وعاد السكون
يغلف المربع السكني .. لا شيء سوى طقطقة ألسنة اللهب التي تلتهم ما بقي من
أطلال البيوت .. وعاد الطبق الطائر ليدور دورة أخيرة مشرفاً على المحرقة ..
ووسط عاصفة من الغبار وفي رقعة خالية من الحطام، قرر الهبوط. لم يعد هناك
أحياء في المربع فلا بأس إذن من استراحة محارب سريعة .. لكن للأسف حتى
الأطباق الطائرة ترتكب الحماقات ..
فمن قال أنه لا يوجد حياة هنا .. لقد ظهر خالد مرتدياً زي ناقل الجزيئات على
بعد خطوة من الطبق الساكن ..ألصق قنبلة موقوتة بجسم الطبق الأملس وصرخ :
- هذا من أجل عبد الصمد ...
ثم حمل نصف عبد الصمد المتبقي واختفى في لحظة .. لقد انتقلت جزيئاته
وتجمعت في مكان أخر ..
وفي اللحظة التالية أطاح الانفجار بالطبق الطائر ودفعه ليرتطم بأطلال منزل قريب..
ثم ارتد ودار حول محوره قبل أن يسكن أخيراً والدخان الأسود يتصاعد منه ..
وعلى بعد عدة أمتار عاد خالد للظهور ...
كان يتأمل الطبق الطائر المحطم بوجه جامد خالي من التعبيرات لكن بداخله تدافعت
أحاسيس ومشاعر جارفة .. لأول مرة سيعود لمقر المقاومة برأس أحد الفضائيين الغزاة..
لقد أثبت الزي الناقل للجزيئات الذي حصل عليه مؤخراً من الإخوة الأمريكان كفاءة
غير عادية .. كذلك القنبلة شديدة الانفجار فخر الصناعة الإسرائيلية . للأسف هذه
السترات قليلة جداً وغالية جداً لذا لا يحصل عليها إلا عدد محدود فقط من قيادات
رجال المقاومة..
وبينما يتقدم خالد في حذر من حطام الطبق الطائر تداعت عليه ذكريات أيام خلت..
فلم تكن تلك أبداً هي بداية الأحداث..

***

قبل عدة أشهر ..و قبل أن يحدث ما حدث للعالم ..
كان خالد مجرد موظف حكومي من أولئك الذين يعودون لدارهم بعد الثانية
ظهراً ليأكل وجبة خفيفة وينام حتى السادسة، ثم ينهض ليقف حتى الحادية
عشرة في أحد محلات خدمات المحمول التي يملكها صديقه الوحيد عبد الصمد..
عبد الصمد متزوج ولديه طفلان لأنه سلك طريق الأعمال الحرة التي كان يجيدها
بعكس خالد.. لذا استطاع أن يتزوج سريعاً وينجب أسرع.. المال يجعل الأمور
تمضي بصورة أسرع وأفضل كأفلام السينما.. بينما يشعر خالد أن الفقر قد حوله
إلى سلحفاة ستصل إلى هدفها يوماً ما، بعد ألف عام.. ولو كان يملك عمراً كالسلحفاة
لما اكترث، لكنه يعلم أن العمر سيمضي سريعاً جداً.. ويوماً ما سيصير موظفاً على
المعاش يتحسر على المرتب الذي كان ثم صار.. إلى أن يحمل لقب مرحوم ..
هكذا مضى والده وجده من قبل.. الأمر هنا حتمي كالقدر..
بالرغم من ذلك كان خالد من أولئك الشباب ذوي الطموح العالي ..
كان يطمح أن يتزوج من نجلاء جارته في الحي ويكون أسرة.. الزواج في
هذا العصر يعد خطوة جريئة تعادل خطوة اتخاذ قرارات الحرب المصيرية..
لذا فهو بحاجة لإعداد ودراسة جيدة قبل كل شيء.. هو يعرف أن والد نجلاء
لن يرفضه، بل هو ينتظر اليوم الذي سيتقدم فيه للخطبة.. إنهم جيران وكانت
هناك علاقة أخوية تجمع بين والده الراحل ووالد نجلاء.. علاقة أخوية من
النوع الذي يجعل الأبوان يتفقان على أن الولد للبنت وهما مازالا بعد في مرحلة
الرضاع. لكن الهاجس الذي يسيطر على خالد لحد الرعب، هو أن يتقدم لخطبة
نجلاء من ثم يبدأ والدها في وضع النقاط على الحروف.. سيكون لديك في
المتوسط عام ونصف مهلة لتكون مستعداً لإتمام الزواج.. فهل ستكون مستعداً؟
هل ستكون رجلاً عند كلمتك أمام والد نجلاء أم.. أم الأخرى يتقلص لها أحشائه
لذا يضطر لتأجل قرار الخطبة المصيري.. صحيح أن لديه شقة إيجار ورثها بعد
وفاة والديه وزواج إخوته وتفرقهم في البلدان.. لكن من قال أن الشقة هي كل شيء؟
ومن الذي قال أن عم شوقي صاحب العقار سيتركه يتزوج وينجب بدون مضايقات؟..
مشاكل شقق الإيجار القديم هذه لا تنتهي.
طبعاً هناك العشم والجيرة وعظام التربة، عوامل كثيرة يعتمد عليها خالد بعد الله سبحانه وتعالى
كي يتركه عم شوقي وشأنه.. لكنه يعلم أن الأخير لديه ثلاث فتيات في سن
الزواج، وطبعاً قرارا زواج خالد من نجلاء سيطير العشم، وسيسحق أخر
عظمة من عظام التربة.. مع ذلك لم يكف خالد عن الطموح عالياً، وكل
يوم كان يقف في شرفة مسكنه، ويرفع طرفه للسماء كأنما ينتظر أن تهوى
عليه ثروة تحل كل مشاكله، أو صخرة تريحه من محاولات البحث عن حلول لمشاكله..
وكان دائماً يحدث نفسه مشجعاً بأن الغد سيكون أفضل.. كل المؤشرات تقول
هذا فلا تبتئس يا فتى!.
المؤشرات المحلية والعالمية تقول هذا بكل وضوح فلماذا يصاب الناس بالاكتئاب
هكذا بدون سبب مقنع؟! لماذا لا نطمح في غد أفضل؟

***

المقهى ولعبة أكل الوقت..
الطاولة الأثيرة وصوت ارتطام الزهر بالأرضية الخشبية.. يجده البعض
مثيراً للأعصاب بينما هو جالب للحظ عند أخرين كما يعتقد عبد الصمد..
هناك برنامج يدور على شاشة المقهى يتحدث عن مواقع التواصل الاجتماعي
التي نجحت في تحويل العالم لقرية صغيرة..
وعلق بعض رواد المقهى، وهو يعزف بالنرجيلة مقطوعة من الدخان القاتل..
أن مواقع التواصل تعين على صلة الرحم التي أمر بها الإسلام. يمكنك أن
ترى وتحدث ابن عمك الذي في كندا وأنت في القاهرة.. بعد ثوان قامت خناقة
عاتية بين عازف النرجيلة هذا وأخ له جاء يطالبه بمال له ، وسرعان ما طار
مبسم النرجيلة من فمه وتعالى صوت سباب الدين إلى عنان السماء..
قال عبد الصمد لخالد وهما منخرطان في لعب الطاولة :
ـ لماذا لا يتآلف الناس وتذوب ما بينهم من خلافات ؟
دائماً ما يتحفه عبد الصمد بتلك العبارات التي يجيدها المصريين ويحشرونها
حشراً أثناء معظم حواراتهم .. وفي بعض الحالات تكون مقدمة لبداية شكوى
مرة من زوجته أو حماته أو.. أو.. لكن خالد كان مشغولاً مع الزهر بشدة..
إن حظه في اللعب كما يقول له عبد الصمد دائماً (حظ عوالم)، لكنه كان
يعتقد أنه سعيد الحظ في اللعب لأنه تعيس في الحب..
وكان عبد الصمد مصمماً ..
ـ يقولون:العالم قرية صغيرة.. هراء.. هذا الحي الذي نسكنه من فيه يحب
لأخيه ما يحب لنفسه؟ من الذي لا يحسد غيره؟
ـ أنا.
قالها خالد وهو يرمي الزهر، فامتعض عبد الصمد لأنه لا يحب المزاح حينما
يتفلسف.. لكن خالد أردف بسرعة:
ـ أعني أنا وأنت.. ألسنا أصدقاء منذ الطفولة ونحب الخير لبعضنا البعض؟
ـ وماذا نشكل أنا وأنت في هذا الحي الطافح بالسموم والأحقاد.
ـ عبد الصمد .. هل أنت جاد؟.. أنا لا أرى الحياة بهذا السوء.
ـ فقط لأنك لا تحمل الهم مثلي.. لا زوجة ولا أولاد..
ابتسم خالد وهو يكتم غيظه.. كان على وشك أن يصارحه أنه يملك كل
مقومات الحياة السعيدة.. لديه زوجة وأولاد ومحل يدر عليه ربح وفير..
ليس مثله يحيا كالريشة في مهب الرياح الأربع، لا يدري أين يذهب به.
قال خالد:
ـ صدقت.. لا أحد هنالا يحقد ولا يحسد.
تنحنح عبد الصمد في حرج وقد فهم ما يرمي إليه صديقه..
ـ هل تعشيت؟
قالها ثم نادى مباشرة على رجب صاحب عربة الكبدة دون أن ينتظر جواباً من خالد ..
ـ سأطلب لي ولك..
ـ سأتعشى في البيت.
قالها خالد وهو ينهض ببطء وقد شعر أن ساقيه قد تحولتا إلى لوحين من
الخشب من طول الجلوس.. حلف عليه عبد الصمد مئة يمين لكنه كان
قد عاد لداره بالفعل قبل أن يتم المئة..

***

في الأفلام تبدو الأمور غالباً أكثر شاعرية..
حينما جلس يتناول شطيرة من الجبن مع كوب من الشاي أمام المرئي اكتشف
أن الحياة التي تطل عليه من خلال صندوق اللعب هذا مثيرة فعلاً.. مثيرة للخيال
والغيظ أيضاً.. هناك فيلم يتكلم عن غزو فضائي للكوكب.. وسكان العالم يلتفون
تحت راية الولايات المتحدة لمقاومة هذا الغزو.. الأبيض والأسود والأصفر
والأحمر، الكل يعمل من أجل مصلحة هذا الكوكب.. لكن هذا لن يكون إلا تحت
راية الولايات المتحدة كما هو واضح.. أمريكا هي الوحيدة القادرة على جعل العالم
كله قرية صغيرة.. أليس الشعار هو شعاراها؟.. أليس القرن كله قرنها؟..
هكذا جلس يتابع ويفكر..
هل العالم يحتاج فعلاً إلى كارثة كي يتوحد وينسى ما بينه من خلافات ومشاحنات؟
هل؟

***

كان هذا حينما بدأت إرهاصات ما قبل الغزو..


يتبع

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس