منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - [.. مَــسٌّ .. و التِمَــاس..]
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2014, 02:53 AM   #1
جميلة الراشد
( كاتبة )

Lightbulb [.. مَــسٌّ .. و التِمَــاس..]


[.. مَــسٌّ .. و التِمَــاس..]


تُخيِّمُ الأقْدَار أمامَ المنازِل، تسحَبُ من أرصدةِ الصبرِ ما شَاء لهَا أنْ تسحَبْ، و ينوحُ بصمتٍ مقلقٍ أهلهَا، فالموتُ في
تصالحٍ شرهٍ معهم، لَا يتوقَّفُ عنْ إسقَاطِ من بهِ رمقُ الحياةِ، و يتوارثُ الأهل الصدمةَ إثرَ الصدمة،!

في تلكَ البلَادِ ترتبكُ البلَاد، و ترتجفُ الطفولة و الكهولة على حدٍ سَواء، حتَّى تبتلّ حناجرهم بصوتٍ مخنوقٍ مرّ، إذْ
تنهَار المفاتيح التي ذخرتها أصابع انكمشَ عليها الدهر و سكَنْ، تتقلبُ بينَ همٍ و اشتياق، كجمرةٍ التهبَت النار حولهَا، و عليها نثارات صفرْ، مَا عادَ الدخانُ الأسود يستنزف مخاوفهم، و لَا احمرار الغيمِ يستحث روح المصيبة فيهم، فكمْ من ظلَالٍ ألقيتْ عليهم، وكمْ منْ وهجٍ حارقٍ طبعَ الموت بكاملِ ملَامحه، و نذالة تحيطهم بقدرِ تلكَ البراميل المكتنزة، !

أيامٌ يعاتِبُ المؤمنُ فيها قلبَه، و النَّار كالأنفاسِ تجوب الدروب، و الأعمار لَا تعرف المستقَرّ، تقتفِي آثارَ التذاكرِ الممنوحة ليلَ نهـار، تذاكر تشهدُ بأرضٍ أضحتْ كـالضريحِ، و الحزن فيهَا أكبر من سمَاء و حياة ... فكيفَ لنَا أنْ نوازنَ بين البلَادِ و خيباتها ..!

كلُ أرضٍ تبثُّ لهيبهَا تحت أرجلِ سكانهَا، و السماء تختفِي زرقتهَا .. فما منْ أيامٍ اجتمعت فيها خيوط الحياة و الموت بهذا الانسجامِ مثل الآن و نراهَا يأسًا خرق صريح لقوانينِ العيشِ !
كل ليلةٍ ينتشر الموت كـالجرَاد، يحصد و ينتهك ما صادَفَ أمامه، يمضي بلَا مخيط لكفنٍ .. ينقلُ الأطفال من مهجعٍ
غارق بأمهاتهم الخائفاتِ إلَى قاعٍ ذاوِي الضمير .. مهتوك القداسة ... بلَا عصافير تقف قدماها بخفَّة ...!

يا لجدِّية الرَّحيل ..... وقسوته ...!!
فليسَ أسوأ من الموتِ إلَّا الخواء، و أعجَزُ الخواء جوعٌ يُغْرِق صاحبه بليلٍ أسودٍ و يمتص ما فيهِ بهدوء تام، و قبضة
أشد من ضيقِ اللحد، يركعُ في صلَاةِ الموتِ و الحياة، بينَ الرجاءاتِ الممزوجة بدمعٍ جافٍ وصوتٍ كالخيال..!
حتَى الشياطين استنفرَت كمن أصابتها رصاصة ضميرٍ في أدمغتهَا فتركت الكون أجوفًا بسعارِ الإنسانِ المسخ ... و الأرض تستعر تأهبًا لقيامةٍ لها وثبةٌ الله أعلم كيف ستمضغنَا .. وكيف ستوقعُ بآخرِ إنسيٍ رضيَ بهزيمةِ جارِه.. !
تستوقفنَا الأضلع البارزة، و الأعينِ الواجمة برماديةٍ قاتمة، نتسارعُ في الحزنِ بإيماءةٍ خاشعَة، و نغلفُ الصوت بملَامحَ
وهنٍ متطرفَة ......

ترى ...
ماذا لو علقتْ نظراتهم بنظراتنا .. و لَامست أيدينا جلودهم الذائبة جفافًا .. هل سيتسارع عداد الموتى
بالجوع ؟

نمضي مع كل مأساةٍ .. نتحرك بأطرافِ ضمائرنَا .. نحمل الهواء المشنوق بعزةِ أنفسهم المسلوبة قهرًا و المأخوذة
غصبًا ..إلى مساحاتٍ تشهد بمواتِ القلب، و تلعنُ النوافذ الموشومة بالمنَّةِ و المتاجرَة، !


حقيقة: شحوبُ الأوطانِ هذه المرة و انكماشِ مساحاتها، ما هي إلَّا زوبعةٌ منْ رفِّ جارٍ شيطان جبل على الفجور ..





أما بعــد ..
فالحرفُ في حالة مسِّ .. و التماس ... و غضب وأمنيات .. و إنسانية احتُفِظَ بها من عهدِ آدم ...!


جميلة عيسى الرَّاشِد.

 

التوقيع

"في جمال النفس يكون كل شيء جميلًا، إذ تلقي النفس عليه من ألوانها, فتنقلب الدار الصغيرة قصرًا لأنها في سعة النفس لا في مساحتها هي، وتعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على الظمأ، ويظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحور العين في السموات، ويبدو الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنة سابحة في الهواء".
الرافعي*

جميلة الراشد غير متصل   رد مع اقتباس