منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - أشـخـاص مـن حـولـي - الـهـمـوم
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-24-2019, 01:59 PM   #1
فيصل خليل
( كاتب )

الصورة الرمزية فيصل خليل

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 104872

فيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعةفيصل خليل لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي أشـخـاص مـن حـولـي - الـهـمـوم


أشـخـاص مـن حـولـي - الـهـمـوم


مساء احدى الليالي الخريف الممتعة بجوها الجميل الذي يشبه رحيق العسل بعد أن أمطرت السماء غيثاً طهًر الأرض من وعثاء فصل الصيف، جلس وليد وفيصل يتسامران بلعبة النرد في المقهى، يشاركهم أحيانا رواد المقهى اللعب أو يتجاذبون معهم بعض الأحاديث الخريفية الممتعة في جو أشبه بالألفة والمحبة، فهما معروفان في الحي بتواجدهم المستمر في المقهى كل مساء مهما كانت الظروف.

وبينما هم في لحظات السمر الممتع، لمحا من بعيد رجل ملامحه أشبه بملامح عجوز ثمانيني، متوكأً على عصا وظهره محدب للاسفل وبالكاد يستطيع انتشال نفسه والمشي، وحين اقترب منهم بانت ملامحه اكثر، إنه صديقهم من أيام الدراسة عمار، كانت ملامحه تشبه ملامح رجل طاعن بالسن، زائغ العينين كأنه مشرد فقير بائس، والشيب قد غزا شعره رغم انه بالثلاثين من عمره.
قبل دعوتهما لشرب القهوة، وبعد سلام والترحاب ارتاحت نفسه قليلاً.

سأله فيصل عن أحواله وأموره نظرا لأن لهم فترة طويلة لم يلتقيا.

بدى على عمار التذمر كأن السؤال فتح بئرا عميقا من الأحزان يسعى لردمه، تنهد قليلات وأردف قائلا: الأحوال سيئة جدا، لا مناص من قبول الأشياء السيئة، تنعدم الحيلة في كل أموري، ما أن أقع في مشكلة حتى تأتي أكبر منها وأشد.

وأخذ يكيل السباب والشتائم للدنيا الملعونة في نظره، وكيف أنها تكيل بمكيالين تعطي من لا يريد وتمنع العطاء عمن يريد.
قال له وليد معاتباً: الأمور لا توزن هكذا، كثير من المشاكل لها حلول بسيطة ولا تستحق، وأيضا الهموم مصيرها للزوال، ما يهم هو نظرتك للحياة وكيف تتصرف في أحداثها المشتتة.

قاطعه عمار ساخراً: هل للهموم حل .. وتركهم وذهب بالكاد يمشي خطاه.
ذهب عمار في حال سبيله يتوكأ على عصاه حاملاً هموما لا يعرف عنها شيئا، تركهم خلفه وهم ينظرون له نظرة الشفقة والرحمة على حاله الذي استصعب عليهم.

قال وليد: مسكين، لن تعدي عليه اشهر قليلة ويموت بسبب الهموم.
قال فيصل: المشاكل كثيرة في الحياة ولن نموت بسببها.

رد وليد.. يوجد فرق بين المشاكل والهموم، ليس لهم نفس المعنى.
فيصل: كيف ليس لهم نفس المعنى؟ هل رأيت بعمرك شخصا عنده مشاكل سعيداً بحياته، أو شخص مهموم لا توجد مشاكل عنده، ما دام هناك مشاكل فهناك هموم تتبعها تلقائياً.

رد وليد مقاطعاً: قبل أن تكمل، قد أصبت في شطر كلامك الأول وأخطأت في الشطر الثاني.
استغرب فيصل وقال: ما الذي تريد قوله، أليس الهموم والمشاكل صنوان لا يفترقان.

ارتشف وليد قليلا من القهوة ورد: طبعا ليسا صنوان ولا علاقة لأحدهما بالآخر، المشاكل شيء والهموم شيء آخر مختلف نهائيا.
فيصل: وكيف ذلك يا أبو عريف زمانك.
اسمع ما سأقول لك وسأشرح الفرق بينهم، خاطبه وليد.
المشاكل يا عزيزي تأتي من أسلوب فهمنا لحياة وطريقة معيشة البعض منا، الحياة ملأى بالمشاكل، إما بسبب تناقضات تصرفاتنا المعاكسة لها، أو بسبب ظروف آنية معينة لا دخل لنا بها، بكل الأحوال مهما كبرت المشكلة أو صغرت فلها حل، لا مشكلة معقدة بتاتا إلا المستحيلات التي ننسجها في أوهامنا.
خذ الأمور دائما بروية وسلاسة، ولا تعقد ما لا يحتاج للتعقيد، هذا الأمر ببساطة يخفي من حياتك مئات المشاكل التي لا داع لها.

قاطعه فيصل: كيف لا داع لها، كل مشكلة ولها سبب، لا شيء يأتي عبثاً.
رد وليد: بل أغلب مشاكلنا عبثية بسبب سوء تقديرنا للأحداث، وأيضا بسبب قلة ثقافتنا ووعينا، نعمل من لا شيء مشكلة مع أنه يمكن تجاهلها لتصبح في طي النسيان.

هذا الإهتمام المتعمد بصغائر الأمور وتكبير أي حدث باعتباره مشكلة يورث لدينا هموم وأحزان في قلوبنا، تجعلنا نعتقد أن الدنيا سوداء مليئة بالمشاكل ولا راحة بها، مع أن العكس صحيح.

قاطعه فيصل مرة أخرى بطريقة مستفزة: كيف العكس صحيح، هل تعتقد فعلا أن الدنيا راحة واستقرار، ألم يقل الله تعالى وخلقنا الإنسان في كبد، من منا لا يملك الهموم تكبس على أنفاسه، هموم عن ماضي أليم يعجز عن نسيانه، أو حاضر يقلقه أو مستقبل يؤرق نومه.

رد وليد: صحيح ما تفضلت به، وهذا ما أروم شرحه لك، ولكنك كعادتك تستبق الأحداث وتقاطعني.
من أين تأتي الهموم، كيف يصبح الشخص مهموما هما شديداً يؤرقه ولا ينام الليل لأجله، ألا تعتقد أن الإنسان لم يخلق لحمل الهم والحزن، بل ليعش سعيداً بما أتاه الله من فضله، فلم الجميع يعاني من هموم شتى حتى أنه نفسه لو تسأله لم أنت مهموم لعجز عن إجابتك.

وإن أجابك سيذكر لك ما يعانيه من مشاكل تؤرقه، وهنا بيت القصيد، هذه المشاكل التي يطرحها هل هي فعلاً مشاكل تستحق أن نعاني الهموم لأجلها، أم هي مشاكل عبثية ممكن أن تعالج بطريقة ما.

---->

 

التوقيع

ابـتـسـم وإن طـال بـك الألـم
وإصـبـر رغـم شـدة الـوجـع

فيصل خليل غير متصل   رد مع اقتباس