منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - خيانة الغريب
الموضوع: خيانة الغريب
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2012, 05:59 AM   #1
علي آل علي
( كاتب )

الصورة الرمزية علي آل علي

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 22

علي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعةعلي آل علي واحد الرائعة

افتراضي خيانة الغريب


يرحل ذلك الغريب ، من تلك القرية النائية ، يرحل وفي حقيبته كل سؤال عجيب ، يجوب الديار بحثا عن رفيقة ، وفي قلبه نكات سوداء تعيسة ، يشعر بوخزها الشديد ، أمنيته أن يطلق سراحها ، لكنه يشعر بميله إليها ، فتأبى النفس أن تتركها ، ليصل إلى تلك المدينة ، ويعيش فيها كعبد من أولئك الرقيق ، مضى عمره بين التضجر وعدم الرضى ، يريد أن يصبح سيِّدًا حرًّا ، لكن هيهات ، وهيهات أن يجد ذلك لا في القريب ولا البعيد , امتهن نفسه فأهين ، فاضطر إلى تقمص شخصية العظيم ، ومن وراء الأقنعة ، مجّدَ نفسه بكل تهريج ، كالمهرّج تماما ، يمج في وعاء له ، بكل حقد دفين ، اقترب يا أنت منه ورافقه ، ستجده بؤرة التمرّد السقيم ، وستكتشف ذلك ولو بعد حين ، الآن ابتعد عنه واسمع له ، ستجده كملاك يحلّق في كل سماء بلا ضير ، أو اعتبار للإخلاص في التعبير ، ظنًّا منه أنه يجيد التحليق ، فلا يغرّنك هول ما تبصره ، فرؤيته تسرّ الناظرين ، وبصيرتك ستقودك إلى شكله القبيح ، ولا يغرّنك تبجحه ، فالجمع الغفير بالغوا له بالتشجيع ، والتبجيل ، وتقديسه حتى بات يرى نفسه ربًّا للجميع ، يقتبس من هنا وهناك ، روائع الحديث ، وحسن التملّق ، والتألق ، والتأرجح في بساتين العقيق ، أجاد السرقة لكل فكرة ، معلنا بأنها وحي جديد ، يشعرك بأنه ذلك البائس المسكين ، حق لهُ ذلك ، فلا تعليل ، سوى أنّه قام بالتركيز ، بالصعود على أكتاف الغير ، أجاد نعم أجاد ، يخفي كل طريق ، تؤدي إلى من كان له التأصيل ، إنّه ينتقل إذا اشتدَّت حُلْكة اللَّيْل ، عبر الظلال ، لكي لا يراه نبلاء مجد أكيد ، فيكْتشف أمرهُ البغيض ، وفي إحدى استعراضاته ، رأت إحدى العيون حسناته ، هي أنثى كساؤها السكون ، يرافقها البؤس الذي حولها يدور ، رأته ، أحبته ، فحدثته ، وحدثها بحديث مخمور ، ظاهره حَسَنْ ، وباطنه خَرِبْ ، فخيّل لها ، أنه حب وقتها ، فتعلّقت به حتى أمعنت الرؤى ، ولا لغيره يرى ، هذا ما كان منه وما كان منها ، فلقد كان وحيدًا في رحلته ، وهاهو الآن برفقة رفيقته ، وهي تتوسد مكانته ، تقدم له العشق ، ويقدم لها الفسق ، أخلصت له فمهدت الطريق ، لتكون ملازمة له ، لا تعلم أحدا غيره ، وهو يخون في ظاهر الغيب ، ألم اقل لكم بأنه صفيق ، منافق سكيِّر ، يرى نفسه العارف الذي منه وإليه كل أمر يصير ، ويرى بقية البشر مستنير ، به يعيش ، وأرذل الناس عنده هم أولئك العبّاد ، الزهّاد ، الذين يتّبعون السلف بمنهج سليم ، من غير تحريف أو تزييف .
مضت الأيام ؛ والأحداث تقرأها الأقدار ، وتقضي بما أمر الله ، دون أي تأخير أو تعطيل ، كانت تمهيدًا لوقت آخر ، يأتيه العذاب بلا تحذير ، فهذه سنة الحياة ولا اعتراض .
في إحدى الليالي ، كانت تلك تنادي ، إنها حسناء في الفناء ، تنادي صاحبنا ، هيا تعال ، فلبى ذلك النداء ، وقال ها أنا ذا ، فكان حديثه لها ليناً ، حق له ذلك ، إنها تلفت الأنظار ، وصيد ثمين ، فمضى بينهما الحديث ، رحب بها ، ورحبت به ، ثم دارت بينهما خواطر الإعجاب ، كان لها كذلك ، فاستقبلته المهالك ، إنه الآن أسير هالك ، وتلهفه لا يتمالك ، يترنح هنا وهنالك ، تأتيه الخالصة له ، فيأبى ذلك ، ثم تأتيه من تخال إليه ، ولا تأبى لحاله، فيقول لها ، أهلا بجمال هو لك ، أنتِ السرور ، وغيرك يبور ، أنت سكن القصور ، ومن دونك في القبور ، أنت حياة للفتور ، ومسكن لي وهل أنا بك أجود .
ثم تراهُ وقد أضناه الحب وأعماه ، فتأتيه بكل خيلاء ، فيأتيها بكل ذل ، يلبي لها كل أمر ، ولا يعترض بأي فعل ، .
ضاع المسكين ، وتاه في درب ، لا يعلم أنّه سوء المصير ،علمت من أحبته ، أنّه يخون في الغيب ، فما أن قابلته ، حتى قالت له ، لقد تم قتلي ، واستبحت الخيانة لي ، فكانت هذه نهايتي ، يا لك من إنسان ، تعبد العصيان ، لن تراني بعد الآن ، وعلمًا سأحيطك به ، وأخبرك بسرّهِ ، إن الحسناء رفيقة لي وصديقة ، حدثتها عنك ، وأني مخلصة لك وأنت مخلص لي ، فاتفقنا على رهان ، بصدق محبتك النابعة من الوجدان ، على أن تعترض هي طريقك ، وتلهيك ، ثم تغريك ، وأنها مهما أغوتك ، فلن تلقي لها ذلك البال ، فكان منك ما كان ، وداعا إذن بلا غفران .
انتهت أيامه ، وعقابه كان شديدًا ، من رب السموات تأديبًا ، فلقد كشفت كل ألاعيبه ، فطرد شر طرده ، من تلك المدينة ، فعاد بكل حسرة ، إلى مسقط رأسه ، إنه يندب حظه ، وبالسم يسقي نفسه ، حتى مات ، فانتهى بموته ، قصة لجرمه ، وما هذه إلا قصة فحواها تؤتى ، بكل عبرة تعلى ، وعلينا أن نعتبر ونخشى ، فهل لنا في التاريخ عبور ، فالحياة بنا تدور .

تمت
علي آل علي

 

علي آل علي غير متصل   رد مع اقتباس