منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - اللؤلؤ المنثور الجزء الثالث
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2015, 01:35 PM   #1
سلمان ملوح
( كاتب )

افتراضي اللؤلؤ المنثور الجزء الثالث


والرافعي ـ كما يعلم أستاذي ـ كان فيمن انبرى لمجالدة طه حسين , وكان ـ رحمه الله ـ آية في أدبه وعلمه وفضله , وكتبه وسيرته تشهدان له بذلك , ومن أبحاثه النافعة (إعجاز القرآن والسنة النبوية ) وقد خرج من بحثه هذا بنتيجة بديعة ؛ وهي أنّ إعجاز القرآن هو في تركيب أحرفه وكلماته وجمله , بحيث يأتلف منها كلام لا عهد للعرب به , فلا هو بشعر ولا بنثر ! ولكنّ العقاد لم يقتنع ببحث الرافعي , وأوسعه نقداً وذماً , وزعم أنه كتاب بلا فائدة !ولا ضير على الرافعي من نقد العقاد ؛ فقد علم الباحثون أنّ أحداً من المتأخرين لم يكتب في إعجاز القرآن كتاباً في قيمة كتاب الرافعي رحمه الله .

ونقد العقاد لمعاصريه ــ كما يقول أحد الباحثين ــ يعود لأسباب نفسية لا فنية , ومن قرأ هَنَاتِهِ عن شوقي والرافعي علم قدر ما في صدره من فساد الطوية ؛ فهو شاعر لا يريد لغيره أن يكون شاعراً , وأديب لا يريد لغيره أن يكون أديباً ! على أنّ الرافعي ــ رحمة الله عليه ـــ قد رماه على الجلمود , وكوى جبهته وظهره في السفود .

وللسَّفُّودِ نارٌ لو تلَقَّتْ , بجاحِمِها حَديدًا ظٌّن شَحْما
ويَشْوي الصَّخرَ يترُكُه رَمادًا , فكيفَ وقد رميتُكَ فيه لَحْما؟!

وقد نقم العقادُ كثيراً على من بايعوا شوقي بإمارة الشعر, ولم يرَ لشعر شوقي فضيلة توجب له هذه المنزلة , وما به والله إلا الحسد , وما غرّهُ به طه حسين عندما قال (إني لا أؤمن في هذا العصر الحديث بشاعر كما أؤمن بالعقاد , وأقول لجميع الشعراء والأدباء ضعوا لواء الشعر في يده ) ا.هـ ولله در محمد حسن النجمي عندما قال في هذه الحادثة :
خدع الأعمى البصير . إنه لهو كبير
أضحك الأطفال منه . إذ دعاه بالأمير
أصبح الشعر شعيرا . فاطرحوه للحمير

ومهما يكن من أمر فلله در مصر وما أنبتت أرضها من أدب ومؤدبين , لا سيما في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ! وحسبها أدباً أدبُ مصطفى لطفي المنفلوطي ! فقد اختلست من زمني ساعات هي واسطة الساعات وغُرّتها , وبهجة نفسي ومسرّتها ؛ متنقلاً بين جناتِ الصفحات ؛ لا جناتِ الروضات , وبين وشي الكتابة ؛ لا وشي السحابة , مطرباً سمعي بأغاريد السطور ؛ لا أغاريد الطيور, ممتعاً عيني بأزهار العقول ؛ لا أزهار الحقول , وارداً زُلال الأفكار ؛ لا زُلال الأنهار , مستنيراً بشمس الحجى ؛ لا شمس الضحى , متنفساً عبق المنظوم والمنثور ؛ لا عبق الورود والزهور .
تلك كانت ساعات قراءتي لكتابي (النظرات) و (العبرات) لمصطفى لطفي المنفلوطي رحمة الله عليه , فما رأيت كاليوم رجلاً يكتب كأنه يغني ؛ فتسري ألحانه في الدم سريان الهواء! شعره سحر , ونثره كالشعر , إن دعا فإلى فضيلة , وإن نهى فعن رذيلة , لا تدري وأنت تقرأ له أتتفكر في معانيه الصحيحة , أم في كتابته الفصيحة ؟ , ولا تدري أتتأمل في معانيه الزاخرة , أم في بلاغته الباهرة ؟ , وأظنك ستُذهل عن معاني كلمه ؛ لتجد نفسك مستغرقاً في جمال أدبه ورشاقة قلمه ! وإذا كان الحريري ـ كما يقول الزمخشري ـ حريا أن تُكتب بالتبر مقاماته , فإن المنفلوطي حري بأن تكتب بالألماس نظراته وعبراته .

 

سلمان ملوح غير متصل   رد مع اقتباس