منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - سيِّد نقطة!
الموضوع: سيِّد نقطة!
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2010, 06:35 AM   #3
بثينة محمد
( كاتبة و مترجمة )

الصورة الرمزية بثينة محمد

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 20

بثينة محمد غير متواجد حاليا

افتراضي قبعة الحظ


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


- " سيِّد نقطة، هناك زائر يود رؤيتك يا سيِّدي.. هل أسمح له بالدخول ؟! ".
رفع سيِّد نقطة الصحيفة من على وجهه الناعس ذو التقاسيم الوسيمة، نظر إلى الخادم الشاب بخمول و افتعل حركة لا مبالية بيده اليمنى، و بصوت كسلان هتف:
-" ايه، و ماذا في ذلك. هذه الصحيفة مملة على أي حال. هل أعطاك اسما يا سمكة ؟! ".كان يحلو له أن يلقب خادمه بالسمكة لِيَهَبَ نفسه شعورا بأنهما متساويان في الخمول و الكسل..
- " كلا، يا سيِّدي. قال فقط أنه يرغب برؤيتك بشكل مستعجل و لأمر يتعلق بنقاطك الكثيرة! ". قال السمكة بصوته الأرنبي النشيط كالعادة.
نظر سيِّد نقطة إلى السقف و كأنما يشاوره في الأمر، و بعد ثوان هتف:
-" حسنا. ادخله ". و أردف بعجلة: -" سمكة.. أسدني معروفا و حاول أن تجعل كلماتك أكثر بطئا في المستقبل! نشاطك الزائد يشعرني بالحموضة! ". انحنى سمكة مبتسما ابتسامة واسعة و خرج من غرفة نوم السيِّد نقطة.

اندفع رجل بدين - بمعطف أخضر فاقع اللون،
و شاربين ضخمين، و بدلة رمادية تكاد تتمزق على جسده المكتنز باللحم - إلى داخل الغرفة كأنما ترتدي الشياطين حذائه! تكلم بصوت جهوري مفاجئ:
-" أنت رجل غريب. تستقبل الضيوف في غرفة نومك! "، أطلق نظرة فاحصة سريعة و أردف:
-" و أيضا تنام بلباس غريب.. أسودٍ كالفحم! "، أدار سيد نقطة عينيه بلا مبالاة و عبس.. ما لبث الرجل البدين أن قال:
-" هه، غرفة عجيبة! جدران زهرية اللون.. تماما كطفلة مدللة صغيرة، و زينة غريبة تناسب رجلا في الأربعين من عمره.. و سريرا من خشب الماهوني.. حسنا. هذا شيء يستحق أن يُمْدَحَ و يُدْفَعُ ثمنه! " .
كان سيِّد نقطة ما يزال في سريره بلباسه الأسود و شعره المتناثر يمنة و يسرة. دفع تنهيدة صغيرة خارج صدره و تحدث بطريقة مسرحيَّة:
-" أيها الرجل الغريب.. بالنسبة لاستقبالي الضيوف في غرفة نومي فأنا أكره النفاق.. و غرفة نوم الشخص هي أفضل تعريف بشخصيته! أما فيما يتعلق باللون الزهري فأنا أحب أن أشعر بأن هناك لمسة طفولية في المكان.. لا يجب على المرء أن ينسى طفولته بين حين و آخر! أمَّا السرير فخشبه فاخر للغاية و إن كان هذا الذي تراه ليس خشب ماهوني حقيقي لكنه مزيف متقن الصنع! ". و ابتسم ابتسامة صفراء مردِفا:
-" هكذا أحبه! ".
تجمد وجه الرجل البدين و انتفخت أوداجه قليلا فأسرع سيِّد نقطة بقوله:
- " أوه، يا لي من فضولي متطفل.. كيف لم أعترض على ارتدائك لبدلة أصغر من مقاسك في أول مرة أراك فيها.. أرجوك أعذر فضولي السخيف و تفضل بالجلوس في أي مكان يروقك.. حتى لو أردت أن تحشر نفسك على إطار النافذة كالقطط فلن أمانع ذلك بتاتا.. أنا واثق بأنك رشيق بما يكفي لحشر نفسك هناك نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة ".
- " اسمع أيها الرجل الغريب، أنا لم آتِ هنا كي أستمع لنكاتك. فنقاطك الساخرة لا تهمني بأي حال من الأحوال، لكنني مضطر لاستخدامك في مهمة صغيرة! ". نفخ الرجل شاربيه بعد هذه العبارة الصارمة، و استعد لإشعال سيجار فاخر انتزعه من جيب معطفه الأخضر.
تراخى سيِّد نقطة في فراشه أكثر:
-" مهمة؟! صغيرة؟! بحجم سيجارك مثلا ؟! أوه، لا.. أعتقد أن الكلفة ستساوي قيمة البعض من الصناديق من سيجارك هذا الذي و بالمناسبة لن أسمح لك بإشعاله.. لمصلحتك أنت بالطبع! ".
نظر الرجل إليه ببرود و استمر في عمله مشعلا للسيجار و ما كان تاليا كان مضحكا بحق.. فقد اندفعت فجأة مياه من سقف الغرفة بمجرد انطلاق خيوط الدخان من سيجاره الطويل قوي الرائحة، و غمرت المياه الرجل و معطفه الأخضر فاقع اللون..
صاح الرجل بغضب:
-" تبا، ما هذا ؟! أتجهِّز غرفة نومك بحماية من الحريق؟! ما هذا الجنون؟! لمَ لم تخبرني بذلك ! ". تظاهر سيِّد نقطة بالدهشة:
-" أنا؟ لم أخبرك؟! لقد أخبرتك بأني لن أسمح لك - لمصلحتك خصيصا - أن تشعل السيجار. لكنك لم تستمع، فما ذنبي أنا لأدفع ثمن بجاحتك؟! ثم أن المرء لا يعرف متى سيندفع طفل مدلل سخيف ليحرق غرفة نومه ". زمجر الرجل البدين بغضب فانتشل سيِّد نقطة نفسه من فراشه و خرج:
-" حسنا، ما هي مهمتك الصغيرة، فأنا أخشى عليك أن تقع ميتا بسكتة قلبية لو استمر مكوثك في غرفتي خمس دقائق أخرى".
ابتعد الرجل الغريب إلى الوراء، و قال بصوت منخفض:
-" أريدك أن تعمل رئيسا للخدم في منزلي.. تنتحل شخصية رئيس الخدم لمنزلي لبعض الوقت. أنا أحتاج لجاسوس ماهر.. شخصٍ لا يشك أحد في ذكائه و دقة ملاحظته. و أنت رغم غرورك الأبله إلا أنني سمعت الكثير عن مهارتك في التمثيل، و مما رأيت الآن من تعليقاتك اللاذعة فإنك تملك عينا ناقدة دقيقة الملاحظة.. و قد أستفيد منك حقا. أريدك أن تراقب المنزل، و أفضل دورٍ لذلك هو شخصيةُ رئيس الخدم! أنا أشتبه بوجود من يسرق مستندات من مكتبي.. يقوم بتغييرها و تزويرها لأخسر الكثير من المال و يقوم بإرسالها لعملي. كل من أعمل معهم أغبياء.. لا يحسنون إدارة أي شيء!".
ثبَّت الرجل عينيه في وجه سيِّد نقطة و هتف بصوت منخفض كالفحيح:
-" عليك أن تنفذ ما أقوله لك. سأدفع لك الكثير!".
تكلم سيِّد نقطة بهدوء:
-" سأكون صريحا معك.. لا يهمني كثيرا إن كان رجل متسلط مثلك يتعرض للسرقة أم لا فأنا واثق أنك تستحق ذلك.. لكن الفكرة تبدو مثيرة للاهتمام. لذا سأقبل بالعمل.. و لكن عليك أن تعرف: مهما كان ما سأكتشفه من معلومات فلن أبوح به مباشرة.. سأقوله لك على طريقتي الخاصة، و عليك أنت أن تكون نبيها! هذا هو شرطي الوحيد!"
تبادلا النظرات لعدة ثوانٍ، و من ثم قال الرجل البدين:
-" حسنا. سأرسل لك التعليمات عصر هذا اليوم. أتوقع وجودك غدا مساء في منزلي بشكل يناسب رئيس خدم محترم! ".


اندفع ذلك الرجل البدين - بالشياطين تركب حذائه تماما كما دخل - تاركا بطاقته على ركن سرير سيِّد نقطة. التقط سيِّد نقطة البطاقة و ردد:
-" هذا أرنب جديد.. لكنه بعينين حمراوين! ".

 

التوقيع




بثينة محمد غير متصل   رد مع اقتباس