منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الـهـروب مــن جـهـنــّــم
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-22-2011, 11:11 AM   #1
أحمد آل زاهر
( كاتب ومصمم )

افتراضي الـهـروب مــن جـهـنــّــم







..

..


صباح الخير للجميع

أولا ً أريد أن أقول

حماكم الله يا أبناء بلادي

وحماك ِ الله يا بلادي

وحماك الله يا بلاد العروبة وشعبك ِ أجمعين

..

..

..

الـهـروب مــن جـهـنــّــم

..

..

دقت ساعة الصفر في ليبيا

وأنا وزوجتي وطفلي اختار لنا المولى رزقنا هناك

في ليبيا

نقيم بها منذ مدة

ونذهب لزيارة الأهل في الأردن بين الحين والآخر

أمــّــا اليوم

فيبدو الأمر مختلفا ً

بدأ الشعب الليبي يهتف ويندد مطالبا ً زعيم النظام بالتنحي

بينما يصر الزعيم على استمرار المسيرة التي بدأ بها ..

وأنا أقول في نفسي أنها موجة وتمضي ..

وقضى اليوم الأول

والثاني

والثالث

وبدأت الأوضاع تزداد ُ سوء

هتافات مسيرات مظاهرات

تكسير تخريب أعمال عنف

لا يوجد نبض للشارع الليبي

سوى سفك ُ دماء ومجازر بشعة تحتل معظم المناطق

..

وبدأت ُ لا أعرف الليل من النهار

لا أعرف النوم

وكيف أعرفه والنار من فوقي ومن تحتي

قتل ونهب وسرقة وسطو وجيش يقاتل فوق رأسي !

مئات الوفيات

وتوعد ٌ بالمزيد

ماذا أفعل ؟؟

حاولت ُ جاهدا ً أن أعثر على سيارة تقلــّــني أنا وزوجتي وطفلي إلى المطار

لا يهمني أي ّ شيء

سوى زوجتي وطفلي

لو استطعت ُ أن أصنع لي جناحا ً أطير به إلى أي ّ مكان

لو استطعت ُ أن أجعل صدري زورقا ً يحملهم في عرض البحر

لو أستطيع ُ أن أحميهم من رصاصة ٍ غادرة !

كيف لي أن أحميهم والشعب كله لا يستطيع أن يحمي ( شبر ) واحد في بلاده !

شعرت ُ بأن كل شيء بنيته قد انتهى

قد مات

رأيت في عيني ّ زوجتي ألف دمعة ٍ مخنوقة !

لم تذرفها خوفا ً علي ّ

لمست ُ في يديها رعشة .. لم أشعر بها ولو مرة في حياتي ..

..

وشاء الله أن أجد من يأخذني إلى المطار

لم أسأل زوجتي عن جواز السفر ولا عن أمتعتنا ولا عن أي ّ شيء

سوى أن ّ موعدنا في الصباح الباكر للعودة إلى الوطن

العودة إلى الوطن ! بل هي محاولة العودة إلى الوطن

ولم تمض ِ تلك الليلة

إلا ومضى عمري بأكمله

وأنا أرتعش ُ خوفا ً وقلقا ً ألـــّــا أستطيع حماية بيتي وعائلتي هناك

حيث لا قريب ولا صديق !!

حملت حقيبة واحدة ونزلنا إلى السيارة

لم أنتظر أن يفتح السائق صندوق السيارة

فتحته ُ مسرعا ً

ووضعت الحقيبة

يقول السائق أنه يتقاضى أربعمائة دولار

فأخبرته بأن يوصلنا إلى المطار

ويأخذ بعدها ما شاء مني

يأخذ كل نقودي

يأخذ - إن أراد َ - روحي

..

زوجتي وطفلي وأنا في المقعد الخلفي

ومضينا وأنا أنظر من النافذة

..

جثـّـة ٌ تحترق هنا

وآخر ينتظر ُ موته هناك

الحجارة تملؤ الطريق

النيران تشتعل

بعض ُ الجثث تحترق

يا الله !!!

ما هذا ؟؟؟؟؟

هل نحن ُ في جهنـــّـــم ؟؟

أين َ هي َ علامات الساعة إذا ً ..؟

أين المهدي المنتظر ؟؟

أين َ يأجوج ؟؟

أين مأجوج ؟؟

أين وأين ؟؟

حالة ُ هذيان أصابتني

ضممت ُ زوجتي وطفلي إلى صدري

أحاول أن أخبرها أي شيء

أي ّ همسة

أي ّ كلمة

خشية أن يروا تلك المشاهد المقززة

خشية أن يعبروا طريق جهنم

ولو لمرّة واحدة !

..

وها نحن نبتعد ُ قليلا ً عن صوت الرصاص

وكم تعودنا قبل أيام ٍ فقط على صوت الديك في نفس هذا الوقت !

..

وصلنا أخيرا ً إلى المطار

دفعت ُ الأجرة

فتحت ُ باب السيارة

نزلنا

ذهبت ُ مسرعا ً وفتحت الصندوق

أخذت ُ حقيبتي

وبدأت ُ أهرول مع زوجتي وطفلي نحو ...

لا أعلم إلى أين

فقط أسأل

أين الطيران الأردني

أين الطائرة الأردنية

أين الأردن !!!!!!!

من هناك

من هنا

من هناك

حتى رأيت ُ الطائرة

وكم تمنيت ُ بأن يكون حجمي بحجمها

كي أحضنها ولو لحظة ً واحدة

كي أقبــّــلها

كم تمنيت ُ بأن أكون طيــّــارا ً

كي أقلع بها على الفور

آه ٍ من تلك الأمنيات

وآه ٍ من رعشة ٍ هزّت أركاني

أمرونا بالانتظار

أخبرتهم أنني أريد أن أنتظر في داخل الطائرة

كل ما يهمني في ذلك الوقت

أن أجلس في الطائرة

على كرسي .. في قمرة القيادة .. في غرفة الوقود .. على جناحها !!

المهم أن أكون جزء من هذه العملاقة !

..

ومضت الساعات كأنها ألف يوم ٍ مما تعدّون

حتى أقلعت الطائرة

فازدادت رعشاتي

هل سنطير ؟

هل أنا ما زلت ُ على قيد الحياة

هل وهل وهل وهل

!!

غادرت ْ الطائرة الأجواء الليبية

وهاهي تعبر فوق الجبال والصحراء والماء

ثم يقول الطيــّــار عبر ( المايك )

لقد دخلنا الأجواء الأردنية

اربطو الأحزمة !!

آآآآآآآآه ..

يا رجل

سأخنقني بالحزام

( إنه ُ أصدق الناس في نظري تلك اللحظة )

يااااااااااااااااااااااااااااااه

زادت رعشاتي

قــبــّــلت زوجتي على جبينها ألف قبلة

وضممتها وطفلي حتى كادت تصرخ

رأيت فرحتي في عيون زوجتي

فقد فاضت بها الدموع المختنقة منذ زمن

وبدأت ْ تنهمر منها الدموع

وآآآآآآآآآه ٍ أيها الوطن

..

أنزل ُ على سلــّــم الطائرة

وأقول

لو أنني أموت الآن

سيصلي علي ّ ألف رجل

ويدفنني ألفا ً

ويعزي بي ألفا ً !!

ولو مت ُ قبل أربع ساعات

لكنت ُ كتلك الجثث المحترقة

ولــَــمــَــر ّ من قربي أحد العابرين الهاربين إلى وطنه مع زوجته وقال

هل نحن في جــهــنـــم

هل نحن في جــهــنـــم

هل نحن في جــهــنـــم

..

فقط احمدوا الله

على نعمة الأمن والأمان أينما كنتم

وأيّ كان وطنكم

..

كانت هذه

رؤية لمقيم ٍ أردني في ليبيا أراد العودة إلى الوطن

( كيبوردية بقلمي )

أتمنى أن تصل إلى ذائقتكم

أح ــــمد
..

 

التوقيع


..

" كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ :
سُبْحَانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ "


..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أحمد آل زاهر غير متصل   رد مع اقتباس