تفيض من عيونهن دموع الحنين،
دموع أمهات صحراويات،
دموع أمهات يعلمن بحدس الأمهات، أن الوليد إذا ولد في وطن [ إسمه الصحراء ] فسوف لن تنعم أمٌ بأمومته طويلاُ،
لأن الوليد الذي جاء به إلى الصحراء طير، فلا بدّ أن يحاكي ملّة الطير، ويهجر العشّ مبكراً
واذا جاء ميعاد العبور فإن السفر لا ينتهي أبداً،
الأمّ تعلم أن شرع الصحراء هو الذي سنّ الناموس الذي يحيل الوليد بين يديها طيراً،
إذا خرج يوماً، إذا خرج أول يوم، فلن تستطيع أن تستعيده،
ستمتلكه الصحراء منذ ذلك الحين، ولن يلتفت المسكين إلى الوراء،
لن يلتفت إلى الخباء، إلى العشّ، وسوف تفقده الأم إلى الأبد،
ولذلك تشيّع الأم ّ الرضيع إلى أعلى، وترمي به في الهواء يوم حلول الطّير،
وتبكي،
وتغني أغانٍ شجيّة في مديح التّيه،
لأن الأمّ تعلم، بحدس الأمّ،
أن خروج إبن الصحراء ليس خروجاً إلى الحياة، كما تأمل كل الأمّهات،
ولكنه تيه، خروج إلى التّيه،
خروج إلى [ تيه لم يعد منه أحد يوماً ] .
من رواية
[ واو الصغرى ],, إبراهيم الكوني