في أحيان كثيرة ، تبهرني قصائد لشعراء مبدعين ، لما فيها من كلام بليغ ، عناصره جمال الصور، رافده الخيال المختال ، حثيثه ابتكار الأفكار ،
ولكن مايكدر كمال استمتاعي بسحر الكلام ، هو : عارض اختلال الإيقاع الموسيقي , فما أحرى بهؤلاء المبدعين ، أن يتجنبوا هذه العلة ، التي تعترض انسياب عذوبة النغم .
والكلام هنا سيكون عن الشعر الشعبي ( النبطي )
لهذا أحببت أن أبين كيف يحدث ذلك ، فيما يلي :
توالي الساكنين في كلمة واحدة مثل : أسراْ رْ ، مـاْ لْ ، جـيْـتْ ، أحيـاْ نْ . وما إلى ذلك .
متى يحدث الخلل من مثل هذه الكلمات ؟
يحدث إذا أتت في درج الكلام ، بمعنى ، إذا أتت داخل شطر بيت الشعر ، ولم يحسن الشاعر اختيار الكلمة ، التي تليها ، بحيث تجعل من الحرف الثاني الساكن متحركاً .
ولماذا قلنا في درج الكلام ؟
لأن إتيانها في آخر الكلام ، لاخلاف عليه ، أي إذا جاءت آخر الشطر ، فلا ضير في ذلك ، لأنه موضع يحسن السكوت عليه .
والأمثلة كثيرة ، ضابطها : أي كلمة تنتهي بحرفين ساكنين .
للتوضيح :
سأكتب بيتين ، يوجد في الشطر الأول ، لكليهما ، كلمة تنتهي بحرفين ساكنين ، وهي كلمة : ( مكسور ) ومع ذلك نجد في الشطر الأول من البيت الأول خللاً في الوزن بينما الشطر الأول للبيت الثاني سليم الوزن .
البيت الأول :
كتبت الشطر مكسور لجل ابين موضع العله *** عسى ما احدٍ يواخذني وانا اخلف هقوة الإيقاع
البيت الثاني :
تقول الشطر مكسور اشرحه واثبت لي العله *** بتقطيع ٍ عروضي مايخيب هقوة الإيقاع
هل لاحظتم الفرق بين الشطرين من حيث سلاسة الإيقاع الموسيقي !
ألا ترون أن السر في ذلك ، يعود للكلمة ، التي تلت كلمة ( مكسور ) المختومة بساكنين ، حيث أن الأولى ، لم تكن مناسبة ، لسياق الوزن ، والعكس صحيح ، في الثانية .
وللتوضيح أكثر :
نأتي إلى تقطيع البيتين ، عروضياً ، والبيتان من بحر الشيباني ، ووحدة إيقاعه ، هي : ( مفاعيلن ) أربع مرات ، لكل شطر :
سأبدأ بتقطيع البيت الثاني ، لأنه سليم الوزن ، ومتناغم مع التفعيلة ، فبتقطيعه يتبين لنا ، كيف حدث الخلل ، في البيت الأول , وقبل ذلك سأعرج على بعض المصطلحات والتي يعرفها أغلبكم وهي :
هذه العلامة مابين القوسين : ( / ) ترمز للحرف المتحرك
وهذه العلامة : ( 5 ) ترمز للحرف الساكن
في التقطيع العروضي ما ينطق يكتب ومالا ينطق يستبعد .
نبدأ بالبيت الثاني :
تقول الشطر مكسور اشرحه واثبت لي العله *** بتقطيع ٍ عروضي مايخيب هقوة الإيقاع
تقطيعه :
تقو لش شط - رمك سو رش – رحه وث بت – ليل عل له *** بتق طي عن – عرو ضي ما – يخي يب هق – وتل إي قاع
//5/5/5 - //5/5/5 - //5/5/5 - //5/5/5 *** //5/5/5 - //5/5/5 - //5/5/5 - //5/5/55
مفاعيلن – مفاعيلن – مفاعيلن – مفاعيلن *** مفاعيلن – مفاعيلن – مفاعيلن – مفاعيلان
مالذي حدث لكلمة ( مكسور ) وكيف تخلصنا من توالي الساكنين ؟
الذي حدث إننا حركنا الثاني الساكن الذي هو : الراء بالفتح فناسب تحريكه ما أتى بعده فاكتمل الإيقاع دون نشاز .
إضاءة : قد يسأل أحد لماذا اختلفت التفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني فأتت بصيغة مغايرة ؟
فأقول هي لم تختلف ولكن زيد عليها حرف ساكن وإلا فأصلها : مفاعيلن * ن //5/5/5 *5 وما بعد النجمة زيادة الساكن وللتسهيل نطقت مفاعيلان لصعوبة نطق ساكنين متواليين من جنس واحد ، وتذكروا فقد أشرنا سابقاً أنه لاخلاف على توالي ساكنين في آخر الشطر .
وبعد أن قطعنا البيت الثاني عروضياً وتبين لنا سلامة وزنه ، بقي أن نقطع البيت الأول وهو :
كتبت الشطر مكسور لجل ابين موضع العله *** عسى ما احدٍ يواخذني وانا اخلف هقوة الإيقاع
تقطيعه :
كتب تش شط – رمك سور – لج لبي ين
//5/5/5 - //5/55 – /5//5/5
مفاعيلن – مفاعيْلْ – فاعلاتن
بهذا النطق خرجنا عن الوزن السليم
فلنحاول نحرك الثاني الساكن ونرى هل سيتناغم الإيقاع
كتب تش شط – رمك سور لج - لبي ين مو – ضعل عل له
//5/5/5 - //5/5//5 - //5/5/5 - //5/5/5
مفاعيلن - مفاعي مفا – مفاعيلن – مفاعيلن
أو : مفاعيلن – مفاعيلنا
أو : مفاعيلن – مفاعيلُ إلى حد الراء هذا إذا اعتبرناه زحاف ولكن المشكلة أن التفعيلة التي ستأتي بعد هذا الزحاف ستكون : فاعلاتن من تقطيع : لجل ابين /5//5/5
وفاعلاتن لاعلاقة لها بهذا البحر .
فمهما حاولنا ، لن نصل إلى الوزن السليم ، لوجود حرف زائد ، ولن يتحقق لنا مانريد إلا بحدفه ، وحذفه يخل بالمعنى ، إذ سيصبح :
كتبت الشطر مكسو لجل ابين موضع العله .
ولا يصح ماذهب إليه البعض من أن الزيادة زحاف فالزحاف لايدخل إلا على ثواني الأسباب إما بالتسكين أو الحذف .
أتمنى أن أكون قد وفقت وأي سؤال أو استفسار أنا حاضر
أطيب تحاياي وتقديري للجميع