بعدَ أن تُمضي ساعاتٍ معلّقاً بينَ زرقةِ السّماءِ و بياضِ ذاكرتكَ و سوادِ الحزنِ في عيني طفولتكَ , تبدأُ بالشّعورِ بقيمةِ تفاصيلِ الوطنِ الصّغيرة ,
الجريدة اليوميّة و كلُّ السّطورِ السّاخرةِ من أفكاركَ الثّائرة , كلّ الصّور الّتي تُلغي تلويحاتكَ البائسة لوطنٍ يبقى حتّى بعد رحيلك , و تلّوحُ لهُ بمنديلٍ يخصّه !
فنجانُ القهوةِ الّذي يحملُ ذاكرةَ احتراقَ لسانكَ للمرّةِ الأولى بطعمِ نضجِ الوطنِ في داخلك , و قطعةُ خبزٍ صغيرة اسمّرت بشمسِ الحقولِ الصّفراءِ في بلدك ,تُجبرها على التّحدثِ عن ظُلمِ الأرضِ فترفضُ و تتسمّرُ في بلعومك !
حتّى جاركَ في المقعدِ و أطفالهُ الّذين يمعنون في الصّراخِ و البكاء , و التفافَ حاجبيهِ من الغضبِ و الرأفة , يأخذانكَ إلى مساءاتِ الوطن و صوتِ من حولكَ و صمتهم امامَ نشرةِ الأخبار .
بعدَ ساعاتٍ من شعوركَ بالحريّةِ المقيّدة ستبدأُ في محاولةِ التّخلصِ من الوطن و ستكتشفُ - للمرّة ليست الأولى - فشلك !